“فشل سياسات حكومة أخنوش في تشغيل الشباب”..مندوبية التخطيط: الاقتصاد الوطني سيظل معتمدا على القطاعات التقليدية

0
430

في وقت سابق وخلال الحملة الانتخابية  أعلن عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، توفير مليون منصب شغل حال فوزه برئاسة الحكومة، الأمر الذي رأه البعض أنه سيواجه صعوبات في تحقيقه، إلا أنه غير مستحيل.

رغم أهمية برامج التشغيل التي تقوم بها الدولة المغربية، والمعدّة لتوفير فرص عمل لفئات الشباب، إلا أن هذه الفئات لا تزال تعاني نسب بطالة مرتفعة. إن بعض هذه البرامج المعدّة لتعزيز تشغيل الشباب وحاملي الشهادات، مثل برنامج إدماج، وبرنامج تأهيل، وبرنامج تحفيز، والتي وعدت بتجاوز سقف 100 ألف إدماج سنويًّا ، لم تساهم في خفض معدلات البطالة العامة وفي صفوف هذه الفئة بالتحديد. كما أن تباين الامتيازات وظروف العمل في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، كان له تأثير في اختلال موازين الإدماج الاقتصادي للشباب في سوق الشغل.

الرباط – أكدت المندوبية السامية للتخطيط أن آفاق تطور الاقتصاد الوطني، ستظل معتدلة ومعتمدة على القطاعات التقليدية، مما يعيق تحقيق وثيرة نمو اقتصادي تمكن من خلق فرص شغل ومداخيل كافية.

وأشارت المندوبية في الميزانية الاستشرافية لسنة 2024 إلى أن منحى تطور الطلب الداخلي سيتأثر بشكل كبير باستمرار الضغوطات التضخمية، مصحوبة بتشديد الشروط التمويلية.

كما أن الاعتماد الكبير على الأسواق الخارجيةلتلبية الحاجيات من المدخلات والمواد الأولية، خاصة تلك ذات الطبيعة الاستراتيجية، يشكل عقبة أمام تحقيق الطلب الخارجي لمساهمة موجبة في النمو الاقتصادي، حسب المندوبية.

وأبرز ذات المصدر أن الارتفاع الأخير للتضخم، يظهر أن بنية الأسعار الداخلية تتأثر بشكل كبير بتقلبات الأسعار في الأسواق الخارجية، خاصة بالنسبة للمواد الأولية سواء الغذائية أو الطاقية، وقد أظهرت هذه التبعية ضعف القدرة الشرائية للأسر، التي سجلت انخفاضا ملحوظا ب%3,9 سنة 2022، في حين أن مستوى أسعار هذه المنتجات ذات الطابع الاستراتيجي للسيادة الاقتصادية لا يزال مرتفعا، رغم الدعم الكبير الممنوح.

وعلاوة على العوامل الظرفية، لفتت المندوبية إلى أن انتشار التضخم قد تفاقم بالعوامل الداخلية البنيوية للاقتصاد الوطني، خاصة تلك المتعلقة بنقص العرض الوطني، واختلالات التموين والتسويق والاعتماد الكبير لمكونات الطلب الداخلي على الواردات، والوضعية المائية المقلقة.

مندوبية التخطيط تتوقع نمو الاقتصاد 3.3% في 2023..التوقعات تفترض إنتاجاً متوسطاً للمحاصيل وانخفاضاً في الطلب الأجنبي على السلع

وأكدت مندوبية التخطيط على ضرورة مضاعفة التدابير المحفزة لتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة، خاصة في القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية ذات الاستعمال الطاقي العالي، حيث سيلعب الانتقال نحو مصادر الطاقة البديلة دورا مزدوجا يشمل تعزيز الاستقلالية الطاقية و الحفاظ على استقرار الأسعار في حالة رفع الدعم أو وجود تقلبات في أسعار منتجات الطاقة المدعمة والمستخدمة على نطاق واسع في عمليات الإنتاج.

كما شددت المندوبية على ضرورة تكثيف المجهودات من أجل تكامل النسيج الإنتاجي الوطني و الذي يعد ركيزة أساسية للسيادة الصناعية للاقتصاد الوطني؛ حيث ينبغي أن يعتمد هذا التوجه على سياسات إستبدال واسعة النطاق تستهدف المنتجات التي تعتبر قاطرة للواردات والتي تؤدي إلى تفاقم العجز الخارجي وتؤثر على إمكانية استعادة توازنات ميزان الحساب الجاري.

وقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى، تضيف المندوبية، تجاوز بطء عملية تطوير المحتوى التكنلوجي لمنتجاتنا المصدرة وتحسين درجة تكامل القطاعات الصناعية الحالية لخلق مزيد من القيمة المضافة ومناصب الشغل.

وتوقفت المندوبية على ضرورة تحسين الإنتاجية، وخاصة في القطاع التصنيعي، لتحفيز النمو، فإعادة توزيع أمثل لعوامل الإنتاج من خلال دعم الشركات، ذات الإنتاج المنخفض وإمكانية نمو كبيرة، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، سيؤدي إلى تحقيق مكاسب إنتاجية مهمة.

المعارضة تسأل “وزيرة الاقتصاد” عن “عدم انعكاس انخفاض الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية في المغرب”..من يحمي المواطن المقهور؟

لقد توجهت الدولة في السنوات الأخيرة إلى تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر توفير التسهيلات المالية والتحفيزات الضريبية، وتشجيع مناخ الاستثمار، كآلية لخلق برامج مندمجة ومتكاملة لضمان ملاءمة أكبر بين التكوين والتشغيل، وتوفير التأهيل والمواكبة للباحث عن الشغل، وإطلاق مبادرات لإيجاد فرص الشغل، وتطوير البرامج النشيطة للتشغيل، ما جعل حكومة سعد الدين العثماني تعتبر حصيلتها بـ”المشرفة”، من خلال إحداث أكثر من 212 ألف وظيفة خلال الفترة 2017-2021، بمعدل سنوي يتجاوز 42 ألف وظيفة . إلا أن أرقام البطالة لا تزال مرتفعة في صفوف هذه الفئة.

حسب المندوبية السامية للتخطيط، انتقل معدل البطالة الإجمالي من12,8% سنة 2021 إلى 11,2% على المستوى الوطني خلال الفصل الثاني لسنة 2022، ومن 18,2% إلى %15,5 في الوسط الحضري، ومن 4,8% إلى 4,2% في الوسط القروي. ويبقى معدل البطالة مرتفعاً بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة (30,2%)، وحاملي الشهادات (18%) والنساء (15,1%) .

ومن بين العوامل التي ساهمت في هذا الوضع المتمثل في ارتفاع عدد المترشحين مقارنة بعدد الوظائف المتوفرة، نجد محدودية آثار ونتائج السياسات العمومية المعتمدة لخلق فرص العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية للأشخاص العاطلين عن العمل، سواء على مستوى الموارد أو الرؤية الاستراتيجية أو الفعالية.

فالمغرب لم يوقّع على معايير منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحماية الاجتماعية في مجال التشغيل، لاسيما الاتفاقية رقـم 102 بشأن المعايير الدنيا للحماية الاجتماعية .

كما أن عدم ربط التكوين بالتشغيل المنتج، ساهم في خلق فجوة وهاجس للشباب في ما يمكن أن يستثمروا فيه إمكانياتهم وقدراتهم لتتويج مجهوداتهم وتضحياتهم في سبل تحقيق أحلامهم والاستقرار لمحيطهم الاجتماعي، حيث يعمل قرابة 1.7 مليون شاب في القطاع غير المهيكل أو التشغيل الذاتي (88% منهم لا يتوفرون على عقد عمل) في مناصب شغل تتسم بالهشاشة وذات أجور زهيدة، ولا توفر الحماية الاجتماعية ضد المخاطر المرتبطة بالشغل، والسن، والصحة .

“فبدون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائماً التوفُّر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على وظيفة لائقة ، الشيء الذي يولّد شعوراً لدى الشباب بأنهم لا يتحكّمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي؛ فبدلاً من أن يكون التعليم والشغل وسيلة للترقّي الاجتماعي وتقليص الفجوة الناتجة عن “اللامساواة في المداخيل”، فإن التعليم والشغل، ونتيجة لعدة اختلالات، يساهمان في تعميق هذه الفوارق.

برامج تحفيزية غير فعالة وأصبحت متجاوزة وبيئة عمل غير ملائمة لشباب اليوم

في إطار تشجيع الحس المقاولاتي وبناء المشاريع الذاتية لدى الشباب، أطلقت حكومة عزيز أخنوش مجموعة من البرامج أهمها، برنامج “أوراش” لدعم وخلق أكثر من 250 ألف فرصة شغل مباشر في ورشات مؤقتة في مجالات مثل التعليم، الصحة، التنمية المستدامة، الأشغال العمومية وغيرها. وخصصت لذلك 2.25 ملياري درهم خلال سنتي 2022 و2023. كما أطلقت الحكومة برنامج “فرصة” الذي يسعى إلى دعم 000 10 حامل مشروع في سنة 2022، من خلال تسهيل الولوج إلى التمويل عبر آلية القروض الميسّرة الصغيرة، وتقديم الدعم للمستفيدين، وبلورة التصور الخاص بالمشروع إلى مرحلة إنجازه الفعلي بميزانية تقدر بـ 1.25 مليار درهم. بالإضافة إلى دعم برنامج “انطلاقة” برؤى جديدة15 والذي يوفر عروض تمويل ومواكبة بشروط جد تفضيلية، موجهة إلى الشباب حاملي المشاريع، المقاولين الذاتيين، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة خاصة في الوسط القروي؛ بتغطية مالية تناهز 8 مليارات درهم .

على الرغم من أن حصيلة المسجلين في نظام المقاول الذاتي بلغت 286020 في نهاية سنة 2020، بتعاون مع الشركاء على مستوى مختلف جهات المملكة، وما يوفره ذلك من امتيازات من قبيل الاستفادة من التغطية الاجتماعية والصحية للمقاول عبر الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وفقاً للمادة 2 من القانون رقم 114.13 الخاص بنظام المقاول الذاتي، إلا أنه ليست هناك مؤشرات واضحة المعالم حول مدى تأثير هذه الاستراتيجيات على سوق الشغل، سواء من خلال نمو الدخل الفردي أو خلق وظائف جديدة. فلا يتوفر حتى الآن أي تقييم حكومي على المستوى الوطني لهذه البرامج مبني على دراسات ميدانية مبنية بدورها على مناهج كمية وكيفية تتجاوز التركيز فقط على عدد الملفات أو المنخرطين ضمن مشروع معين. وأشار تقرير النموذج التنموي إلى “أن ضعف التقييم والتتبع ومواكبة التنفيذ بناءً على أهداف واضحة” يعد من المعيقات الأساسية لتراخي دينامية التنمية في المغرب .

من ناحية أخرى، هل يمكن القول إن الشباب المغربي متشبّع بثقافة المقاولة؟ لماذا هناك تأخر في إدماج الحس المقاولاتي ضمن مناهج التربية والتكوين منذ الطفولة؟ برهنت التجارب الدولية بشكل جلي أن تدريس ثقافة ريادة الأعمال لدى التلاميذ والطلبة تجري في مسارهم الدراسي، حيث تلعب هذه الثقافة دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية للدول، باعتبارها مجموعة من المهارات والعادات التي تسمح للأفراد بتولي واقتناص الفرص وخلق مشاريع جديدة ذات منفعة خاصة وعامة للمجتمع.

 وانخرطت الجامعات المغربية في هذه الدينامية عبر إطلاق النظام الوطني للطالب المقاول سنة 2018 ، بهدف مواكبة الطلبة في مشاريعهم المقاولاتية بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين. واستفاد من هذا النظام 600 طالبٍ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، 200 منهم أنهوا مسارهم التكويني، إما بوضع نموذج أولي أو من خلال إحداث مقاولة ناشئة .

هناك أيضاً عوامل أخرى تتعلق بتأثير مناخ الأعمال على الاستثمار في المغرب، والتي ترتبط بشكل رئيسي بجودة المؤسسات الاقتصادية والسياسية والرأسمال البشري. فعلى الرغم من إحراز تقدم على مستوى مؤشر ممارسة الأعمال العالمي Doing Business، حيث انتقل المغرب من المرتبة 130 سنة 2009 إلى المرتبة 53 سنة 2020؛ فإن المستثمرين مازالت تواجههم صعوبات عدة، منها ما يرتبط بتعقد قوانين الترخيص، ضعف حماية حقوق الملكية الخاصة، الحرية الاقتصادية والمالية، وكذلك الريع الاقتصادي .

كما أكدت نتائج البحــث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط حول المقاولات سنة 2019، أن النظام الضريبي يشكل عائقاً بالنسبة لحوالي %60 من أرباب المقاولات، وغير مشجع على الاستثمار بالنسبة لـ%95 منهم، ويشوبه انعدام الثقة تجاه الإدارة الضريبية من طرف %88 من المقاولات؛ كما أنه يشجع على اللجوء إلى ممارسات غير قانونية بالنسبة لـ %69 من المقاولات. بالإضافة إلى ذلك يعتبر النظام الضريبي معقدًا بالنسبة لأكثر من نصف أرباب المقاولات (%51)، وترتفع هذه النسبة إلى %63 بالنسبة لأرباب المقاولات الكبرى.

ومن ناحية أخرى يشكل بطء معالجة النزاعات من طرف المحاكم عائقاً بالنسبة لـ%51 من المقاولين، وتمثل صعوبة تطبيق المقررات القضائية عائقاً لـ%15 منهم .

وهذه أمور كلها تعيق دينامية الاسـتثمار والنمـو، وتضر بالمبـادرة المقاولاتيـة، حيث إن عدد المقاولات التي يتم خلقها سنوياً لا زال ضعيفاً (92000 مقاولة) ولا يتعدى 2.6 لكل ألف مواطن، مقابل 10 كمتوسط في الدول الصاعدة. كما أن هناك تزايداً في عدد المقاولات التي تغلق أبوابها (6000 مقاولة)، إضافة إلى ضعف ثقافة المقاولة لدى الدولة والفاعلين على حد سواء .

وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش لسنة 2022 “ندعو الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل من أمامها. لأن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته’ .

وبالتالي إلى أي حد يمكن القول إن تشجيع المشاريع المقاولاتية والذاتية تستجيب لحاجيات الشباب والمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي؟ هل يتم اعتماد المقاربة التشاركية في صياغة هذه البرامج مع الشباب؟ أكد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أن مقاربات التشغيل المعتمدة حالياً لم تظهر فعاليتها من حيث الإدماج الاقتصادي للشباب، مشدداً على ضرورة البحث عن طرق تمكن الشباب من خلق ثروة حقيقية، تستجيب لطموحاتهم ، خاصة وأن هذه البرامج لا توضح في جوهرها الأسس التي انبنت عليها في الشق المتعلق بمشاركة الشباب في التعبير عن حاجياتهم في سوق الشغل أو الحلول التي يقترحونها لانخراطهم في دينامية الاقتصاد الوطني.

بينت نتائج استطلاع أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول البرامج العمومية الموجهة للشباب، عدم كِفاية جهود التواصل والتحسيس حول عروض ونتائج هذه البرامج، %71.57 من المشاركين لم يسبق لهم الاستفادة من أحد البرامج الموجهة للشباب، 49% يؤكدون عدم فعاليتها. كما أن نجاح برامج التشغيل رهن بتعزيز التواصل وإشراك الشباب في مختلف مراحل الإعداد والتتبع والتقييم .

هذا يوضح بشكل جلي أن غياب المقاربة التشاركية من بين العوامل المؤثرة في فشل تحقيق أهداف سياسات تشغيل الشباب في المغرب.