على مدى أكثر من عقد من الزمن، فشلت معظم الدول العربية في تحسين مواقعها على مؤشر مُدرَكات الفساد، ولا يمثّل عام 2023 استثناءً. يُعزَى هذا الاتجاه إلى ارتفاع مستويات الفساد السياسي الذي يُقوِّض جهود مكافحة الفساد في مختلف أنحاء المنطقة.
ولا يزال الفساد يُعيق حصول المواطنين على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم والرياضة ، بل ويهدد في كثير من الحالات حقهم في الحياة.
وكشفت المنظمة في تقريرها حول مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2023 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، اليوم الثلاثاء، أن الفساد المُستشرِي في الدول العربية “يُقوِّض بشكل كبير تحقيق تقدم في المنطقة”، مشددا أنه “رغم تعهدات البلدان بمكافحة الفساد، فغالباً ما تتخلى الحكومات عن الالتزام بها، ما يُعرِّض في نهاية المطاف الحقوق الأساسية مثل الصحة والتعليم للخطر. وفي كثير من الحالات، يُشكِّل ذلك تهديداً حتى لِحَقّ الناس في الحياة”.
ومنح المؤشر تقييما متدنيا للبلدان العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ أخفقت معظم هذه الدول في “تحسين مواقعها على مؤشر مُدرَكات الفساد”، لافتا إلى أن وقد سبع دول عربية أُدرجت “ضمن الدرجات العشر الدنيا لمؤشر مُدرَكات الفساد لهذا العام، بينما تعيش 80% من بلدان المنطقة في صراعات و تشهد عدم استقرارٍ على الصعيدين الاجتماعي والسياسي”.
ويبلغ متوسط الدرجات المُجمَّعة لمؤشر مُدرَكات الفساد لعام 2023 للدول العربية 34 من أصل 100، “مما يدل على الطريق الطويل الذي ينبغي أن نقطعه لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة”، وفق منظمة الشفافية الدولية.
ترانسبرانسي المغرب: “ترسم معالم مغرب يعاني من رشوة نسقية ومعممة وفساد بنيوي عام يهدد استقرار البلاد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً”
وقالت كندة حتر، المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة الشفافية الدولية: “في مختلف أنحاء المنطقة، يُعوقُ تفشي الفساد التقدم، كما يؤدي إلى تعميق الظلم الاجتماعي والهيكلي. ورغم الرغبة في معالجة هذه القضايا، يُعزِّز الافتقار إلى الالتزام المستمر بتدابير مكافحة الفساد انعدام الثقة بين الحكومات والمواطنين، ما يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي، وتعزيز عدم المساواة، وتصعيد الصراعات.”
ويُصنِّف مؤشر مُدرَكات الفساد 180 بلداً وإقليماً من خلال مستوياتها المُدرَكة لفساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة)، إذ سجلت المنزمة انخفاض متوسط الدول العربية هذا العام إلى أدنى مستوى له على الإطلاق وهو 34.
وصنف المؤشر المغرب في الدرجة 38 لمدركات الفساد ما خول له المرتبة 97 عالميا، في حين جاءت الجزائر في 36 درجة ما جعلها بالمرتبة 104 عالميا. هذا وسجّلت الإمارات العربية المتحدة (68) وقطر (58) أعلى الدرجات، بينما سجّلت البُلدان التي مزقتها الحروب أسوأ الدرجات: ليبيا (18) واليمن (16) وسوريا (13)، سجّلت قطر (58) ومصر (35) أدنى درجاتهما منذ أصبحت نتائج مؤشر مُدرَكات الفساد قابلة للمقارنة في عام 2012.
وأبرزت منظمة الشفافية أنه “مع بقاء سبع سنوات فقط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تكافح بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للوفاء بالتزاماتها بشأن العدالة وحقوق الإنسان. وفقاً لمؤشر السلام العالمي لعام 2023، لا تزال هذه البلدان الأقلَّ سلاماً في العالم للعام الثامن على التوالي”.
وتابعت أنه “في خِضم الصراعات المختلفة في المنطقة، بما في ذلك الحرب المستمرة في غزة، ظهرت تقارير عن ممارسات فساد، مثل المطالبة بـ “رسوم” على الحدود لأولئك الذين يهربون من الحرب. لا يؤثر ذلك على الفئات الأكثر ضعفاً بدرجة كبيرة فحسب، بل يُضيف طبقة أخرى من الظلم، مما يعزز اختلال توازن القوى القائم حالياً”.
وأفادت المنظمة أن “البناء على أنظمة شديدة الفساد لن يؤدي إلى التغيير”، داعية الحكومات إلى “منح نظم العدالة الاستقلالية والموارد والشفافية اللازمة لمعاقبة جميع جرائم الفساد بشكلٍ فعال وفرض ضوابط على السلطة. ووضع إجراءات وقوانين أفضل لمساعدة مؤسسات العدالة على حماية نفسها من أعمال الفساد والتمكّن من استهدافها”.
ومنذ إنشائه في عام 1995، أصبح مؤشر مُدرَكات الفساد المؤشر العالمي الرائد بشأن فساد القطاع العام. يُسجِّل المؤشر النتائج لـ 180 بلداً وإقليماً حول العالم وفق مُدرَكات الفساد في القطاع العام، باستخدام بيانات من 13 مصدرًا خارجيًا، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والشركات الخاصة للاستشارات وحساب المخاطر، والمجمعات الفكرية وغيرها.