ماذا وراء استقبال البرلمان الفرنسي عناصر البوليساريو .. هل بات الانفصال حتمياً عن “ماما فرنسا ” إذاً ؟

0
104

تشهد العلاقات بين المغرب وفرنسا توتراً لا يخفى على أحد، تمثل فيه “حرب الفيزا” قمة جبل الجليد، فهل المسألة سحابة عابرة، أم أنها بداية لانفصال استراتيجي بين البلدين؟

في محاولة لثنية ذراع المملكة ،استقبل النائب جون بول لوكوك عن  التجمع من أجل الجمهورية ، زمرة من عناصر مليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية  داخل مبنى البرلمان الفرنسي، ويأتي ذلك مع رهانات توافد عناصر من جبهة البوليساريو الانفصالية باستمرار الجولة في الديار الفرنسية أسبوعا من الزمن، يقدمون فيها ندوات ولقاءات مع جمعيات وسياسيين فرنسيين.

فالغريب هذه المرة أن استقبال  زمرة من الانفصاليين جاء من نائب عن اليميمن الفرنسي وليس كما اعتدنا  أن اليسار هو عدو وحدتنا الترابية،  ويعتبر جون بول لوكوك محسوبا على التجمع من أجل الجمهورية، كما مر من تجارب يمينية منذ بداية مشواره السياسي في فرنسا سنة 2002.

اعتبر الباحث في العلاقات الدولية، هشام معتضد، بأن هذا الاستقبال تم الترتيب له، لعناصر انفصالية من البوليساريو، من طرف رئيس ونائب داخل البرلمان الفرنسي “يترجم عدم رغبة واستعداد فرنسا السياسي لتجاوز الأزمة الدبلوماسية الصامتة مع المغرب”.

وأضاف معتضد، في تصريح  لموقع “هسبريس” المغربي، بأن “قصر الإليزيه لم يتوان في الفترة الأخيرة في إعطاء إشارات غير مفهومة دبلوماسيا في تدبير سياسته الخارجية مع منطقة المغرب، بدخوله في بناء قنوات دبلوماسية مع بعض المكونات الإقليمية المغاربية على حساب توازنات تقليدية وعلاقات سياسية لفرنسا في المنطقة”.

ورصد تحليل لموقع دويتش فيله الألماني كيف أن مؤشرات الخلاف بين باريس والرباط حول ملفي التأشيرات والتجسس لا تبدو كافية لفهم درجة البرود الحالية في علاقات البلدين، ما يرجح -برأي محللين- وجود ملفات خلافية أخرى أكثر حساسية وعمقاً في بنية العلاقات وتداعياتها مستقبلاً.

ومنذ إعادة انتخابه في مايو/أيار الماضي، لم يُجرِ بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل المغربي الملك محمد السادس أي لقاء رسمي أو غير رسمي، حتى أثناء زيارة خاصة قام بها الملك محمد السادس إلى فرنسا في يونيو/حزيران الماضي، ودامت أسابيع وذُكر أنها “لأسباب خاصة” يرجح أن تكون لمتابعة الحالة الصحية لأحد أفراد الأسرة الملكية.

وعادةً ما تكون الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها رؤساء فرنسا بعد انتخابهم إلى إحدى دول المغرب العربي، تونس والجزائر والمغرب. ولأن علاقات الجزائر والمغرب تتسم في معظم الأحيان منذ استقلالهما بالتوتر، يختار بعض الرؤساء الفرنسيين تونس كأول وجهة مغاربية عندما يشتد الاستقطاب بين الجزائر والمغرب.

وبعد توليه الرئاسة عام 2017 كانت الرباط أول محطة مغاربية للرئيس ماكرون في منتصف يونيو/حزيران، ووصفت بـ”زيارة صداقة خاصة”، ثم قام بزيارة رسمية إلى الجزائر في بداية ديسمبر/كانون الأول 2018.

وتقليدياً يدير قصر الإليزيه لعبة توازن دقيقة بين الشقيقين اللدودين، لكن الإعلان في باريس عن توجه ماكرون بعد إعادة انتخابه في أول زيارة له إلى الجزائر يومي 25 و26 أغسطس/آب الحالي، في ظل برود تشهده العلاقات مع الرباط، جعل الحديث عن “أزمة صامتة” بين الرباط وباريس يكتسب زخماً جديداً، ما أثار تساؤلات لدى المراقبين حول مدى حدة الخلافات بين الشريكين التقليديين في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، وسيناريوهات تطورها.

وثمة ملف آخر يكتسي حساسية خاصة وقد طفى منذ أكثر من سنتين على السطح في العلاقات الفرنسية المغربية، ويتعلق بتقارير نشرت حول استخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على شخصيات فرنسية تشمل الرئيس ماكرون نفسه وأعضاء في حكومته، لحساب الاستخبارات المغربية.

ويفسر بعض المغاربة الموقف الفرنسي في أزمة التأشيرات على أنه عقاب لبلدهم بسبب سياساتها الباحثة عن شركاء جدد بخلاف باريس، إلا أن بعض وسائل الإعلام الفرنسية تنقل بين الحين والآخر، عن مصادر غير محددة في دوائر صنع القرار، تلميحات إلى ما أثير بشأن برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، واستخدام الرباط له للتجسس على فرنسيين، من بينهم ماكرون نفسه.

وكان المغرب قد نفى مراراً الاتهامات المتعلقة ببرنامج التجسس الإسرائيلي، ورفع دعاوى قضائية ضد وسائل إعلام فرنسية نشرت تلك الاتهامات، من بينها صحيفة لوموند.

بحكم رصيدها التاريخي والبشري وكثافة مجالاتها باتت علاقات الشراكة بين فرنسا والمغرب تتجاوز الأبعاد التقليدية في علاقات الدول، إذ يعتبر المغرب حليفاً تقليدياً ثابتاً بالنسبة لفرنسا في القارة الإفريقية، ويوجد به أكبر جالية فرنسية في الخارج، وتحظى الشركات الفرنسية (أكثر من ألف شركة) بأفضلية كبيرة في السوق المغربية ولاسيما في القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد المغربي، ويأتي المغرب ضمن أفضل وجهات سياحية لدى الفرنسيين، بعد إسبانيا واليونان وجزر موريس (المحيط الهندي).

كما يحظى المغرب في فرنسا بمكانة خاصة، ففضلاً عن كونها تستقبل أكبر جالية مغربية في الخارج (1,5 مليون شخص)، وهي ثاني أكبر جالية أجنبية بفرنسا بعد الجزائريين.

ولدى باريس والرباط مداخل كبيرة في التأثير المتبادل على القرار السياسي، فكما لدى فرنسا شبكات نفوذ تقليدية واسعة داخل النخب السياسية والفكرية المغربية، طوّر المغرب عبر التاريخ مراكز نفوذ وجماعات ضغط مؤثرة في السياسة الفرنسية. كما تشكل العلاقات الخاصة والكيمياء بين ملك المغرب وساكن قصر الإليزيه عاملاً أساسياً في استقرار علاقات البلدين أو اضطرابها.

لكن عمق وكثافة العلاقات المغربية الفرنسية، لم يمنع من تعرضها تاريخياً إلى أزمات وكان معظمها في عهد الحكومات الاشتراكية بفرنسا (فرانسوا ميتران مثلاً) ومن أهم العناصر المؤثرة في مراحل الاضطراب التي شهدتها العلاقات، ملفات الصحراء المغربية والمصالح الاقتصادية والأمنية.

ولدى باريس والرباط مداخل كبيرة في التأثير المتبادل على القرار السياسي، فكما لدى فرنسا شبكات نفوذ تقليدية واسعة داخل النخب السياسية والفكرية المغربية، طوّر المغرب عبر التاريخ مراكز نفوذ وجماعات ضغط مؤثرة في السياسة الفرنسية. كما تشكل العلاقات الخاصة والكيمياء بين ملك المغرب وساكن قصر الإليزيه عاملاً أساسياً في استقرار علاقات البلدين أو اضطرابها.

لكن عمق وكثافة العلاقات المغربية الفرنسية، لم يمنع من تعرضها تاريخياً إلى أزمات وكان معظمها في عهد الحكومات الاشتراكية بفرنسا (فرانسوا ميتران مثلاً) ومن أهم العناصر المؤثرة في مراحل الاضطراب التي شهدتها العلاقات، ملفات الصحراء الغربية والمصالح الاقتصادية والأمنية.

ولدى باريس والرباط مداخل كبيرة في التأثير المتبادل على القرار السياسي، فكما لدى فرنسا شبكات نفوذ تقليدية واسعة داخل النخب السياسية والفكرية المغربية، طوّر المغرب عبر التاريخ مراكز نفوذ وجماعات ضغط مؤثرة في السياسة الفرنسية. كما تشكل العلاقات الخاصة والكيمياء بين ملك المغرب وساكن قصر الإليزيه عاملاً أساسياً في استقرار علاقات البلدين أو اضطرابها.

لكن عمق وكثافة العلاقات المغربية الفرنسية، لم يمنع من تعرضها تاريخياً إلى أزمات وكان معظمها في عهد الحكومات الاشتراكية بفرنسا (فرانسوا ميتران مثلاً) ومن أهم العناصر المؤثرة في مراحل الاضطراب التي شهدتها العلاقات، ملفات الصحراء الغربية والمصالح الاقتصادية والأمنية.

الخلافات بين باريس والرباط، سواء كانت معلنة أو صامتة، تتعلق بملفات حسّاسة بالنسبة للجانبين، وتأتي في فترة صعبة ومتغيرات درامية في الأوضاع الإقليمية والعالمية. ففي أوج حرب أوكرانيا ارتفعت حدة الاستقطاب أيضاً في منطقة شمال إفريقيا، ليس فقط بسبب نزاع المغرب والجزائر وتزايد شراسة المنافسة بين القوى الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية، بل أيضاً بسبب تضارب سياسات الثلاثي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

ارتفعت حدة التوتر بين المغرب والجزائر وتداعياته على ملف الصحراء المغربية؛ ورغم تزايد مخاطره المحتملة على أوروبا، اتسمت سياسات العواصم الأوروبية إزاءها بتضارب ملحوظ. وظهرت مؤشرات على عجز أوروبا سواء كتكتّل أو كدول رئيسية مثل فرنسا أو ألمانيا، على القيام بدور مؤثر في تسوية أزمات حسّاسة بجوارها الجنوبي، تكاد تتحول إلى حرب مدمرة على الإقليم وبمثابة قنبلة موقوتة على أمن أوروبا.

وفي الوقت الذي تحتاج فيه الدول الأوروبية إلى سياسة مشتركة وخصوصاً إزاء القضايا الاستراتيجية الكبرى وملف أمن الطاقة، وهي في أشد الحاجة إليها تحت وطأة الضغوط الروسية، تبدو مواقف فرنسا وإسبانيا أبعد ما يكون عن التوافق أو التنسيق إزاء ملف الخلاف المغربي الجزائري وتداعياته على نزاع الصحراء. كما تتباين سياسات فرنسا وإيطاليا إزاء تطورات الأزمة الليبية.

وقد لاحظ الصحفي السويسري الخبير في العلاقات المتوسطية، أندريس ويسلينغ في مقال له بصحيفة “نوير تسوريشه تسايتونغ” في عددها ليوم 27 يوليو/تموز 2022، التضارب الشديد في سياسات الثلاثي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في قضايا حساسة كالأمن والطاقة بشمال إفريقيا.

وفي مقاله بعنوان: “Mare nostrum  ماري نوستروم – كما كان ذات يوم، يجد الأوروبيون صعوبة في تأكيد مصالحهم في شمال إفريقيا”، الذي ضمنه التسمية الرومانية القديمة لحوض البحر الأبيض المتوسط، معتبراً أن هذه البلدان الأوروبية تنتهج سياسة “المنافسة فيما بينها بدل مفهوم السياسة المشتركة”. وأشار إلى تضارب التحالفات والتحركات الفرنسية والإيطالية في الملف الليبي، وإلى تضارب السياستين الفرنسية والإسبانية إزاء نزاع الصحراء.

ويرى ويسلينغ أن الدول الأوروبية الثلاث طالما ألقت باللوم على الشركاء الأوروبيين في الشمال وأنهم لا يقدمون الدعم الكافي لها في مواجهة التحديات الأمنية ومشاكل الهجرة بالبحر الأبيض المتوسط، إلا أن المسؤولية الأكبر في فشل السياسة المتوسطية الأوروبية تقع على الدول الثلاث بسبب نهجها سياسات تقوم على المنافسة إلى حد التضارب.

ومن جهة ثانية، تزايدت نزعات المغرب والجزائر لإظهار استقلاليتها أكثر عن حلفائها التقليديين في أوروبا وعلى رأسهم فرنسا. ووسط سعيها عن كثب للحفاظ على مكانتها في المنطقة أو على الأقل تقليل خسائرها الاستراتيجية، تبدو فرنسا تحت وطأة مزيد من الضغوط، لاسيما إذا سارت منفردة في غياب سياسة أوروبية منسقة، وقد تحتاج إلى معجزة للحفاظ على لعبة التوازن المعقدة في علاقاتها مع الرباط والجزائر.

فالرئيس ماكرون وهو في طريقه نحو الجزائر يواجه تراكمات التاريخ، ويحاول فكّ عُقد الحاضر وكسب مصالح جديدة في الطاقة والصناعة وصفقات السلاح، يدرك أن علاقات بلاده الوثيقة تاريخياً مع المغرب تبدو قابلة للاهتزاز في أي وقت تحت وطأة الخلافات حول ملفات حسّاسة هي أشبه بقنابل موقوتة قابلة للانفجار.