إن المطر آية من آيات الله -تعالى- التي تدل على قدرته العظيمة التي لا حدّ لها، فمن الذي يستطيع أن يغيث الناس بالمطر فيذهب ظمأهم، ويلطّف الجو الشديد الحرارة الذي يَصليهم؟ لا أحد سوى الله -جلّ جلاله…
فقد شهد المغرب مؤخراً تساقطاً للأمطار حمل معه آمالاً لدى الفلاحين بتجاوز أزمة الجفاف التدبيرية وليست خطأ السماء.
ويرى خبراء ، إن التساقطات المستمرة منذ فترة سيكون لها وقع كبير على الفرشة المائية وحقينة السدود بالمغرب، مضيفين أنها ستكون نعمة على الفلاح الصغير الذي ينتظر هذه الأمطار.
أودت التساقطات المطرية الأخيرة التي همت العديد من أقاليم المغرب إلى زيادة مهمة في حقينة السدود في مختلف مناطق المغرب، خاصة تلك الموجودة في الشمال والوسط الشمالي.
وحتى 30 مارس 2024، وطبقا لموقع “مغرب السدود”، التابع لوزارة التجهيز والماء، فقد ناهزت نسبة الملء في العديد من السدود نسبة 100%.
وسجلت 6 سدود نسبة ملء قصوى تناهز 100%، وهي سد شفشاون، سد الشريف الإدريسي، سد النخلة، سد بوهودة، سد علي واد زا، وسد سيدي إدريس.
كما سجلت 10 سدود نسبة ملء تجاوزت 75%، ويتعلق الأمر بسد سمير، سد طنجة المتوسط، سد وادي المخازن، سد منع سبو، سد علال الفاسي، سد سعيد معاشو، سد أيت مسعود، سد يعقوب المنصور، سد سيدي امحمد بن سليمان الجزولي، وسد أبو العباس السبتي.
وحقتت 8 سدود نسبة ملء فاقت أكثر من 50%، وهي سد مولاي الحسن بلمهدي، سد ميشليفن، سد لوطا، سد مشروع حمادي، سد تمسنوتين، سد مولاي يوسف، سد تانسيفت، وسد اللوكس.
تصوروا لو يستطيع رئيس الحكومة ان يضع ضريبة لوضع ضريبة على المطر والثلج , ورفع السعر , ولكن الحمد الله ليس بيد الحكومة ولا بيد بيتاس العطاء والرزق والمطر كله بيد الله . pic.twitter.com/EEHuzNmnX9
— المغرب الآن Maghreb Alan (@maghrebalaan) March 30, 2024
وحسب نفس الموقع، فقد ناهزت نسبة ملء السدود الإجمالية في المغرب 27.69% بما يقد بـ 4463,63 مليون متر مكعب من المياه.
وفي آخر نشرة إنذارية صادرة المديرية العامة للأرصاد الجوية، يوم السبت، توقعت أن تشهد عدد من مناطق المغرب تساقطات مطرية جد قوية ومحليا رعدية، قد تصل مقاييسها إلى 120 ملم يوم السبت والأحد.
رغم كل رغم هذه الخيرات التي منى الله بها على المملكة المغربية الشريفة ، إلاّ أن حكومة رجل الأعمال ، أخنوش عبر ناطقها بايتاس:التساقطات الأخيرة فإن الوضعية المائية صعبة..
لك الحمد يا الله على نعمة المطر ونعمة الثلج التي عمت البلاد وافرحت العباد pic.twitter.com/z27Erccxqh
— المغرب الآن Maghreb Alan (@maghrebalaan) March 30, 2024
يذكر ، أنه “في دجنبر 2021 وصلت حقينة بعض السدود إلى مستويات مخيفة، أهمها سد المسيرة الذي يوجد على واد أم ربيع والذي وصلت نسبة الماء فيه إلى 5 في المائة، وهي نسبة خطيرة جدا بالنسبة لثاني أكبر سد في المغرب” مستغربا من ” إعادة انتظار الدولة وصول السدود المغربية إلى مستويات مرعبة لكي تنتبه لقلة المياه”.
السؤال الذي يجب أن يطرح ، “أين كانت الحكومة حينما كانت نسب المياه في السدود المغربية تتناقص من 60 في المائة إلى50 في المائة إلى 40 في المائة ؟ قبل أن تصل إلى نسبة 5 في المائة”.
ومن الغريب أن “الغريب في الأمر هو أنه في هذه الفترة التي نتحدث فيها عن الجفاف، وأنه يجب تقنين استعمال الماء، تخرج الدولة لتخبرنا أن سنة 2021 هي سنة استثنائية من الناحية الفلاحية”، لأن “هذه المعطيات تسقط الحكومة في التناقض بين خطاب أزمة الجفاف الذي تصرح به للمواطنين مقابل تحسن النشاط الفلاحي الذي يتطلب موارد مائية كبيرة”.
بايتاس: رغم التساقطات الأخيرة فإن الوضعية المائية صعبة ..لك الحمد يا الله على نعمة المطر
ويظهر للجميع أن الشماعة التي تعلق عليها الحكومة ” مسألة الجفاف” لتغطي على فشل مشروع المغرب الأخضر، ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة إن الإنتاج الزراعي ارتفع خلال العقد الماضي، وتضاعفت الصادرات الفلاحية 3 مرات، وتقلص عجز الميزان التجاري الزراعي، وارتفعت فرص العمل في القرى؛ يقول منتقدون إن المخطط فشل في تحقيق الأمن الغذائي لتهميشه حاجات السوق الداخلية، وتركيزه على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية، في حين يتهمه آخرون باستنزاف الموارد المائية لتشجيعه زراعات مستنزفة للمياه مثل الأفوكادو والبطيخ وغيرهما، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه، ويعيش عدد من القرى في الصيف على وقع أزمات عطش.
ودافع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش عن مخطط المغرب الأخضر أمام البرلمانيين أثناء حضوره مؤخرا جلسة المساءلة الشهرية حول السيادة الغذائية.
ورأى أخنوش -الذي كان وزيرا للفلاحة 14 عاما، وأشرف على وضع وتنفيذ المخطط- أن تلك الاتهامات بعيدة عن الحقيقة بالنظر للنتائج الإيجابية التي تحققت في القطاع الزراعي خلال العشرية الماضية.
وحسب المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة أمام نواب البرلمان، فإن المخطط الأخضر أسهم في مضاعفة الناتج الداخلي الخام الزراعي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم (نحو 13 مليار دولار) عام 2021، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق أكثر من 50 مليون يوم عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي، كما أسهم في تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالقرى بنسبة 66%.
واليوم لا تزال الدولة مستمرة في تبنى سياسة بناء السدود خاصة مع ظهور مساحات جديدة للزراعة بجنوب البلاد، و يصل عددها حاليا الى 140 سدا كبيرا فضلا عن عشرات السدود الصغيرة(حوالي 250 سدا) .اهم ومعظم السدود التي تم بناؤها، تسقي الأراضي التي تم الاستلاء عليها بعد انسحاب المستعمر منها،. “من يتوفر على مصادر الماء بهكتارين ستكون وضعيته أحسن ممن لا يتوفر على الماء ولديه 50 هكتارا فالماء يغير كل شيء بشكل جذري”(7). فالماء لا يمكن الاستغناء عنه للإنتاج الزراعي.
و عندما يتوفر احد الملاكين على ماء السقي فإنه يستفيد من إمكانية الاغتناء على حساب مصالح الجميع لان بناء السدود والتجهيزات الأخرى مال عام ومن المفروض ان يوجه الى الجميع على وجه المساواة. غير ان بناء السدود لا يسقي حاليا سوى حوالي 15 % من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة( و التي تقدر بحوالي تسعة ملايين هكتار) بعد مرور اكثر من خمسين سنة على مسلسل بناء السدود، بينما تضل 85% من الأرضي المتبقية تحت رحمة الامطار. من الواضح إذن أن الدولة نهجت سياسة تمييزية فيما يخص توزيع الماء أي أنها أعطت الماء لكبار الملاكين و حرمت صغار الفلاحين و مناطق عديدة من المغرب بسبب تركز أهم السدود بما كان يسميه المستعمر” المغرب النافع” وهذه العملية كانت اكثر تمييزا من عملية توزيع الأراضي على الموالين. هذا المعطى يدل بوضوح على ان السدود موجهة أساسا لسقي الضيعات العصرية التي يمتلكها الملاكون الكبار اما معظم الفلاحين الصغار والمتوسطين فتظل أراضيهم رهينة بتقلبات التساقطات المطرية، كما انه كاف لتكذيب الخطاب الرسمي الذي يدعي ان هدف بناء السدود هو تجنب التقلبات المناخية وضمان سقي مستديم للمزروعات الفلاحية.
ثانيا، لم يحقق المغرب اكتفاء ذاتيا فيما يخص انتاج المواد الأساسية التي يستهلكها سكانه، لذلك يضطر لاستيرادها، خاصة الحبوب والسكر والزيت وقد كانت قيمة المواد المستوردة من المواد الغذائية والمشروبات و التبغ خلال سنة2017 هي 35615 مليون درهم(8) و هو ما يشكل 9.57%من مجموع الواردات خلال نفس السنة، بينما يصدر الخصروات والطماطم و الحوامض…الخ من الضيعات العصرية ذات السقي المنتظم الى دول اوربا الغربية على الخصوص. وهنا ينكشف من جديد ادعاء توفير الاستقلال الغذائي لسكان المغرب و يتضح ان هدف بناء هذه السدود هو السماح للملاكين العقاريين الكبار بسقي ضيعاتهم و تصدير منتوجاتهم نحو الأسواق الخارجية. هذا العمل فضلا عن كونه يهرب الثروة المائية الوطنية فإنه يسمح بمراكمة اقلية من الملاكين الكبار لأموال طائلة على حساب السيادة الغذائية للبلاد واستقلال قراراتها. لقد دعم صندوق النقد الدولي هذا التوجه، كما سنرى لاحقا، والمتمثل في جعل المغرب حديقة خلفية لتصدير المنتوجات الزراعية.
ثالثا، إذا نظرنا الى حجم المياه المستعملة للشرب فنجد انها لا تمثل سوى%12 ( بينما توجه معظم المياه المعبأة أي حوالي 85% لري الزراعة التصديرية على الخصوص، في حين تستفيد الصناعة من 3% فقط)، و أن الساكنة لا تستعمل سوى 66 % من ماء السدود في شربها، وتستفيد بأشكال جد متباينة حسب المناطق.
وحسب أرقام التقرير الوطني للمغرب حول الماء، فإن نصيب الفرد المغربي من المياه سيتجه نحو الانخفاض. و بالفعل لقد ” انخفض هذا النصيب من 2500 مترا مكعبا سنة 1960 إلى حوالي 720 متر مكعب حاليا”. ومع ذلك فهذا المعدل يخفي حقيقة مرة، لان توزيع حصة الفرد من الماء تعرف تفاوتات كبيرة حسب المناطق. فحصة الفرد من الماء بالمناطق الجنوبية لا تتجاوز 180 متر مكعب في السنة، إلا أنها تصل إلى حوالي 1850 متر مكعب بالنسبة للذين يعيشون بالقرب من الأحواض المائية في الشمال.
يعمق تبذير المياه وضعف التجهيزات و تلاشيها و توحل السدود التي تتقلص حقينتها باستمرار الوضعية المشار اليها أعلاه. لذلك انفجر غضب المواطنين بحثا عن الماء الشروب في عدة مناطق من المغرب فيما تسميه الصحافة المغربية بثورة العطش. إنه دليل آخر على عدم صدقية الادعاء القائل بأن بناء السدود يهدف الى توفير الماء لساكنة المغرب.
تستعمل الصناعة حوالي 3% من مياه السدود، غير ان مدن رئيسية كطنجة و الجديدة و البيضاء والقنيطرة وسلا والرباط فإنها تعتمد 100% على مياه السدود فيما يخص حاجياتها من الماء الصناعي والشروب كذلك.
لذلك نستنتج ان الدولة توجه استعمال الماء، كثروة مشتركة لتغطية حاجيات كبار الرأسماليين في الفلاحة والصناعة، على الخصوص، على حساب حاجيات الموطنين من الشرب و الري المعاشي.
الخلاصة الاولى
شكلت السدود بالنسبة للدولة أداة رئيسية في مغرب ما بعد الاستقلال لكسب و دعم كبار الملاكين للأراضي الفلاحية، فبعد الاستحواذ على الأرض من قبل كبار الضباط و المسؤولين الأمنيين و العسكريين فضلا عن كبار الاعيان، جاء الاستحواذ على الماء عبر بناء السدود، مما سمح بمنح امتيازات كبيرة لهذه النخب على حساب الشعب الكادح.
-
بناء السدود و الاستقلال الغذائي