منظمة حقوقية تحمّل السلطات والمنتخبين مسؤولية مأساة دمنات وتطالب بالمحاسبة ورفع التهميش عن المغرب المنسي

0
412

إعفاء مسؤولين من مهامهم في المغرب هي خطوة لم تتبعها محاسبة قانونية أو متابعة في أروقة المحاكم وهو ما يُعتبر بمثابة إفلات من العقاب.

ألقت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان غير حكومية الثلاثاء المسؤولية على للسلطات الإقليمية والمجالس المنتخبة في في مأساة دمنات التي قتل خلالها يوم الأحد 24 شخصا مصرعهم جراء انقلاب سيارة لنقل الركاب في منعرج بمنطقة جبلية في إقليم أزيلال وسط المغرب.

“حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ، فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولاً على كل المسؤولين من دون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة”. هكذا تحدث ملك المغرب محمد السادس، في يوليو 2017، في خطاب انتقد فيه المشهد السياسي في البلد، داعياً إلى ضرورة تطبيق مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” على كل الفئات المسؤولة. هذا المبدأ يرد في الدستور المغربي الذي ينص على ربط عدم إفلات المسؤولين عن تدبير الشأن العام، سواء أكانوا سياسيين أو وزراء أو منتخبين في مختلف المناصب، من المحاسبة عند ثبوت تورطهم في تقصير أو اختلالات مهنية. والسؤال الآن: إلى أي مدى سيُطبّق هذا المبدأ؟

وقالت العصبة في بلاغ لها إن هذا الحادث يستوجب مساءلة السلطات والمنتخبين عن أدوارهم في تحقيق تنمية حقيقية، تصون حياة وكرامة المواطن في إطار من الجدية والمسؤولية، وليس هدر المال العام في مهرجانات فارغة، يصرف عليها ببذخ وبميزانيات يتم التستر عليها وتطرح أكثر من سؤال بخصوص الشفافية والحكامة.

وأكد حقوقيو العصبة أن مثل هذه الحوادث التي تكررت غير ما مرة في هذا الإقليم بشكل مأساوي تستوجب تحديد المسؤوليات ومحاسبة كل من يمكن أن يكون سببا ولو غير مباشر في هذه الفاجعة.

24 قتيلا في سقوط حافلة في واد بمنطقة جبلية في إقليم أزيلال وسط ”المغرب غير النافع”

ودعا البلاغ إلى جبر الضرر عبر إخراج قانون الجبل للتمييز الإيجابي لهذه المناطق المهمشة، تحقيقا للعدالة المجالية والتنمية المحلية، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص التنزيل المحلي للبرنامج الوطني لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالإقليم.

وطالب ذات المصدر بهيكلة قطاع النقل السري وتعبيد المسالك القروية بالإقليم وبالأخص المسلك الذي تسلكه العربة موضوع الحادث الأليم، والذي كان محط احتجاج سابق من طرف سكان المنطقة المكلومة.




كما طالبت العصبة الجهات المسؤولة بتسريع إخراج المشاريع الطرقية إلى الوجود ومراقبة جودة إنجازها.




وأدانت بشدة استغلال مآسي البسطاء وأرواحهم من طرف بعض المنتخبين ممن يتحملون جزءا من مسؤولية الحادث بتهميش المنطقة، عن طريق التقاط صور وبثها عبر صفحات استرزاقية فاقدة للمصداقية لتحقيق أهداف سياسوية وانتخابوبة ضيقة.




إعفاءات دون محاسبة

في أكتوبر 2017 ، نَفَّذَ جلالة الملك محمد السادس وعيده بمحاسبة كبار المسؤولين المتورطين في ملفات الفساد أو المقصرين في مهامهم، إذ قام بإعفاء وزراء ومسؤولين حكوميين وإداريين ساميين (محافظون وولاة ومدراء مؤسسات حكومية)، في ما ما عرف اعلاميا بـ”الزلزال السياسي”.

وأتى ذلك إثر تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات الذي سجل اختلالات وتجاوزات هي بالأساس تعثرات تقنية وتأخيرات في إنجاز مشاريع حكومية هادفة إلى تنمية منطقة الحسيمة، وأُقرّت على خلفية احتجاجات شعبية طالبت بتحسين الخدمات والمرافق ورفع التهميش عن المنطقة.

ومنذ الإعلان الرسمي عن تنفيذ هذا المبدأ والصحافة المغربية ترصد ما وصفته بـ”تحسس المسؤولين الكبار لرؤوسهم” خوفاً على مناصبهم العليا ونفوذهم السياسي والاقتصادي في البلد.

هذه الخطوة الملكية يرى بعض المراقبين أنها جاءت نتيجة تصاعد زخم الحراكات الشعبية الجهوية التي عرفها المغرب، وأنها تطبيق عملي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويقول عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة خالد أدنون حينها في تصريحات إعلامية إن “تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والبلاغ المصاحب للإعفاء كانا واضحين”، ويرى أن الإعفاء هو بمثابة “خطوة جريئة في تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة السياسية”.

في المقابل، يرى القيادي في جماعة العدل والإحسان المعارضىة حسن بناجح أن الخطوة “مجرد ذر للرماد على العيون”.

ويضيف في تصريحات إعلامية: “حتى لو توبع هؤلاء المسؤولون، هل يمكن أن نختزل الفساد بهم؟ طبعاً لا. القضية هنا ليست أشخاصاً بعينهم بل هي منظومة بأكملها”.

ويوضح المحلل السياسي عبد الرحيم العلام أن هؤلاء المسؤولين “عوقبوا سياسياً، أما محاسبتهم قانونياً فلم تتم، بدليل أنهم غير متابَعين قضائياً”.

إعفاء مسؤولين من مهامهم هي خطوة لم تتبعها محاسبة قانونية أو متابعة في أروقة المحاكم وهو ما يُعتبر بمثابة إفلات من العقاب، وفق ما أفاد به التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية حول حالة حقوق الإنسان في عام 2017، والذي أشار إلى استمرار ما اعتبره “إفلات مسؤولين من العقاب رغم ارتكابهم جرائم تتعلق بالفساد”.

وجاء في التقرير أن “القانون ينص على عقوبات جنائية ضد مرتكبي الفساد، لكن الحكومة بشكل عام لم تنفّذ القانون بشكل فعال، وغالباً ما يرتكب مسؤولون ممارسات فاسدة دون عقاب يُذكر”.

وأضاف أن ظاهرة الفساد في المغرب “مشكلة خطيرة، خصوصاً مع عدم وجود ضوابط وإجراءات حكومية كافية للحد من انتشارها، كما أن السلطات تحقق في حالات قليلة رغم وجود مزاعم كثيرة معروضة عليها”.

هل سيؤتي مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أكله؟

في الوقت الذي رحّب فيه مراقبون بخطوة إعفاء مسؤولين رفيعي المستوى، واعتبروها تعبيداً عملياً لطريق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، يرى البعض أن المبدأ لن يؤتي أكله في محاربة الفساد.

ويرى بناجح القيادي في جماعة العدل والإحسان المحظورة، أن المبدأ “لن يُطبّق بشكل عملي وجوهري ما دامت جميع السلطات بيد الملك بما فيها القضاء” الذي يعتبره “مسيساً ومتحكَّماً فيه، ويمضي وفق تعليمات عليا”.

ويضيف: “في المغرب، تجري انتخابات تفرز حكومة وبرلمان لكن الحكم هو بيد الملك ومحيطه، وهؤلاء بعيدون كل البعد عن المحاسبة وهم معفيون من المساءلة”.

من جهته، يرى العلام أن الإشكال الذي حدا بالبعض إلى طرح تحويل النظام المغربي إلى ملكية برلمانية هو “أنه لدينا العديد من المؤسسات الحكومية والدستورية التي لا تُحاسَب بما فيها المؤسسة الملكية”.

ويقول أدنون إن المبدأ يحتاج إلى سنوات لتنفيذه مؤكداً أنه “يجب العمل وفق استراتيجة متجددة لعدة سنوات، ولا يمكن توقع نتائج خلال أربع أو خمس سنوات فالأمر يحتاج إلى أجيال”.

ويضيف أن “المواطن يجب أن يُشرَك في عمليات اتخاذ القرار ومراقبة المسؤول ومحاسبته”.

ويرى أدنون أن “عملية التنزيل ستصطدم بالواقع إذا لم تكن المقاربة واضحة، وإذا لم تُحدَّد منذ البداية معايير المحاسبة”، مشيراً إلى أن عملية تقييم التقدم يجب أن تكون دورية “وبمشاركة المواطن بشكل أو آخر”.

“الموظفون العموميون لا تحرّكهم روح المسؤولية، ويفتقدون إلى التكوين، وينتظرون أجر الشهر”. بهذه الجملة، عبّر الملك محمد السادس عن انتقاده الشديد لأداء الموظفين الحكوميين.

كثيراً ما يشتكي المواطن المغربي من المماطلة الإدارية وبطء الأداء في المصالح العمومية. لذلك تصاعدت أصوات منادية بضرورة تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة على صغار الموظفين أولاً.

لم تمرّ أسابيع قليلة على الخطاب الملكي حتى أعربت الحكومة عن نيتها تنفيذ مجموعة من الإجراءات لمراقبة الأداء الوظيفي لصغار الموظفين الحكوميين، وضبط الغيابات والتأخر عن العمل، وتطبيق عقوبات تشمل توبيخات وخصومات على كل تجاوز غير قانوني. هذه الخطوة مبدأية، فالمفترض أنها أمر قائم، إذ تنص القوانين الداخلية لكل قطاع حكومي على عقوبات زجرية لكل تجاوُز، لكن عملياً لا يتم تطبيقها بشكل حازم. ورغم ذلك، لم يرُقْ بعض صغار الموظفين من مدرسين وممرضين وإداريين وتقنيين ورجال أمن أن يتم تطبيق هذا المبدأ عليهم، إذ اعتبروا الخطوة انتقائية ولا تمس جوهر المبدأ ولا تشمل كل الفئات، فـ”إما نحن جميعاً بدون استثناء أو لا أحد” على حد تعبيرهم.