نقابة : تراجع الموارد المائية غير طارئ وتحمل المخطط الأخضر المس بالسلم الاجتماعي للمملكة!

0
264

بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إطلاق مخطط المغرب الأخضر، أثير الجدل حول نتائجه بالتزامن مع تفاقم العجز المائي بفعل توالي سنوات الجفاف، ما يهدد بقطع الماء الصالح للشرب عن مدن مغربية،

قالت نقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” إن تحقيق الأمن المائي يعد أولوية قصوى للمغرب حاليا وفي السنوات القادمة، بالنظر لما يمثله من مخاطر تمس بالسلم الاجتماعي، وتساهم في اتساع الفوارق المجالية.

و في اطار مساءلة الحكومة عما يجري, قالت النقابة في مداخلة لمجموعتها البرلمانية بمجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء، أن هذا الوضع يقتضي تقديم إجابات سياسية عاجلة وجريئة حتى لا تتفاقم الأمور.

ودعت إلى ضرورة إرساء حكامة جيدة لتدبير القطاع، قائمة على مبادئ الفعالية والشفافية والنجاعة في الأداء وربط المسؤولية بالمحاسبة، والعناية بالعنصر البشري الذي يعد فاعلا أساسيا لنجاح أي استراتيجية تنموية.

وأكدت الكونفدرالية على ضرورة عقلنة السقي وتفادي الزراعات التي تستنزف الفرشة المائية، مشددة في ذات الوقت أن ندرة المياه تسائل المغرب الأخضر الذي تبنى الزراعات التصديرية.

واعتبرت أن ما يحتاجه المغرب هو استراتيجيات حقيقية تعنى بتدبير الموارد المائية، في هذه المرحلة المطبوعة بندرة هذه المادة الحيوية، وعدم تكافئها مع الحاجيات المتزايدة بسبب النمو الديمغرافي، ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في القطاع الفلاحي.

واقترحت النقابة فتح استشارات موسعة مع كل الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية بخصوص إشكالية تدبير الماء، وتعميم محطات تحلية مياه البحر بسائر المدن الساحلية، حكل واقعي لمعالجة مشكلة ندرة الأمطار والتقلبات المناخية، مع تجنب تكرار تجربتي محطتي العيون وطانطان، اللتين اعترى تدبيرهما الكثير من الاختلالات.

وسجلت أن الأزمة المائية التي يعيشها المغرب ليست بالأمر الطارئ لكنها نتيجة اختيارات سياسية واقتصادية أهملت البعد الاستراتيجي لتحقيق الأمن المائي، وراكمت إخفاقات كثيرة.

يستعين أخنوش بلغة الأرقام؛ فهو رجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة، بغية إقناع المغاربة بنجاح مخططه الذي ساهم في رفع الناتج الداخلي الخام؛ من 6.8 مليارات دولار إلى 13 مليار دولار خلال عشر سنوات (2008-2018). وبوّأ الفلاحة المغربية مكانة مرموقة؛ فالبلد أضحى ثالث مصدر للمنتجات الفلاحية الغذائية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ورابع أكبر مصدّر لهذه المنتجات بالقارة السمراء.

و لم تجد الحكومة من مبررات لحفظ ماء وجهها سوى الاسترسال في تقديم تبريرات يرفضها المغاربة لأنها تناقض الواقع, في وقت يواصل ناهبو المال العام في مراكمة الثروة بطرق غير مشروعة, في منأى عن أي محاسبة وعلى حساب المواطن ولقمة عيشه.

ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة إن الإنتاج الزراعي ارتفع خلال العقد الماضي، وتضاعفت الصادرات الفلاحية 3 مرات، وتقلص عجز الميزان التجاري الزراعي، وارتفعت فرص العمل في القرى؛ يقول منتقدون إن المخطط فشل في تحقيق الأمن الغذائي لتهميشه حاجات السوق الداخلية، وتركيزه على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية، في حين يتهمه آخرون باستنزاف الموارد المائية لتشجيعه زراعات مستنزفة للمياه مثل الأفوكادو والبطيخ وغيرهما، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه، ويعيش عدد من القرى في الصيف على وقع أزمات عطش.

وزير التجهيز والماء “عاجزا” أمام أزمة العطش التي تستبد بملايين المغاربة..تبخر 821 مليون متر مكعب من الماء بسبب درجات الحرارة

حصيلة يراد من تسويقها التأكيد على نجاح عزيز أخنوش في تحقيق ثورة في القطاع الفلاحي بالمغرب، رغم أن الحقيقة غير ذلك، فمردود عشرية من الاشتغال وفق مخطط رصدت له الدولة كل الإمكانات (توفير العقار، الدعم المالي..) قصد النجاح، لم يرقَ إلى مستوى التطلعات، بما في ذلك الأهداف المسطّرة في إطار المخطط نفسه، سميا المتعلق بتحقيق مائة مليار درهم كثروة إضافية للقطاع، في أفق 2020. ناهيك عن سؤال أكبر حول الكلفة المدفوعة نظير بلوغ هذه المراتب، وتسجيل تلك النسب والأرقام؟ وأي معنى يكون لهذا المخطط في ظل عجزه عن تحقيق الأمن الغذائي؟

داخليا، فشل المخطط فشلا ذريعا في كسب رهاناتٍ عديدة، بدءا بدعامة الفلاحة التضامنية التي طالما تغنّى معدّو المخطط بأنها السبيل الأمثل لمحاربة الفقر بالقرى، وتجويد ظروف عيش الفلاحين، خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، عبر مقاربة متميزة تراعى فيها الخصوصية المحلية، وتقليص الفوارق المجالية بين المناطق .. وهلم جرا من الأهداف التي ظلت حبرا على ورق.

ودافع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش عن مخطط المغرب الأخضر أمام البرلمانيين أثناء حضوره مؤخرا جلسة المساءلة الشهرية حول السيادة الغذائية.

ورأى أخنوش -الذي كان وزيرا للفلاحة 14 عاما، وأشرف على وضع وتنفيذ المخطط- أن تلك الاتهامات بعيدة عن الحقيقة بالنظر للنتائج الإيجابية التي تحققت في القطاع الزراعي خلال العشرية الماضية.

وحسب المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة أمام نواب البرلمان، فإن المخطط الأخضر أسهم في مضاعفة الناتج الداخلي الخام الزراعي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم (نحو 13 مليار دولار) عام 2021، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق أكثر من 50 مليون يوم عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي، كما أسهم في تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالقرى بنسبة 66%.

ويرى رئيس الحكومة المغربية أن عدم استقرار منظومة أسعار المنتجات الزراعية في الآونة الأخيرة يرجع إلى ما أسماه “الفترات الاستثنائية والعابرة” التي شهدتها المملكة، والتي أثرت بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الزراعية.

في المقابل، يرى منتقدو مخطط المغرب الأخضر -خاصة الفرق البرلمانية المعارضة- أن المخطط ركز على نمط فلاحي موجه للتصدير على حساب النمط الموجه للاستهلاك، وقلص الزراعات المعيشية؛ مما أصبح مهددا للأمن الغذائي.

وأضافوا أن الإستراتيجيات الفلاحية المعمول بها منذ سنوات أسهمت في تعميق أزمة المياه، مستنكرين تشجيع زراعات مستنزفة للمياه في حين تعيش المملكة حالة إجهاد مائي مع توالي سنوات الجفاف.

وكانت جمعيات بيئية حذرت مرارا من هذه الزراعات التي حولت مدنا وقرى -خاصة في الجنوب الشرقي- إلى مناطق عطشى.

من جانبه، يرى بدر زاهر الأزرق أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثانيفي تصريحات إعلامية ، أن المخطط نجح في تحقيق جملة من أهدافه، خاصة ما يتعلق بزيادة المساحات المزروعة، سواء في الحبوب والخضراوات والحوامض والفواكه، وتنويع خريطة المزروعات، ورفع القيمة المضافة الفلاحية نتيجة ارتفاع حجم وقيمة الصادرات، خاصة عام 2022.

وحسب بيانات وزارة الفلاحة المغربية، فقد تجاوزت صادرات المنتجات الغذائية الزراعية والبحرية -لأول مرة- عتبة 80 مليار درهم عام 2022 (نحو 8 مليارات دولار)، وهو ما يمثل زيادة بنحو 20% مقارنة بعام 2021.

وبلغ حجم صادرات الفواكه والخضر الطازجة 2.3 مليون طن خلال عام 2022 بمعدل نمو سنوي بلغ 10%، وسجلت صادرات الفواكه الحمراء نموا بنسبة 20%، إذ بلغ حجمها 132 ألف طن.

غير أن الأزرق يلفت إلى أن المزارعين الكبار أخلوا بالتوازنات المعمول بها منذ سنوات مع ظهور وجهات تصديرية جديدة.

ويضيف الأزرق أن الأهداف التي وضعها المخطط الأخضر بخصوص تحسين أوضاع المزارعين الصغار ورفع قدرتهم الشرائية وإنشاء طبقة فلاحية متوسطة لم تتحقق، بل ظلت الاستفادة محصورة في كبار الفلاحين؛ مما يدعو -حسب قوله- إلى مراجعة توجهات هذا المخطط.

وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري مخططا جديدا أطلقت عليه “الجيل الأخضر”، وهو -كما تقول- ثمرة مجموعة مكتسبات مخطط المغرب الأخضر، ويهدف في أفق 2030 إلى تقوية الطبقة المتوسطة الفلاحية واستدامة التنمية الفلاحية ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي والصادرات.

ويرى محمد جدري أن الجيل الأخضر يؤكد أهمية الرأسمال البشري وضرورة استخدام البحث العلمي من أجل تطوير الزراعات الوطنية، بالإضافة إلى الابتعاد عن الزراعات المستنزفة لمياه السقي كالبطيخ الأحمر والفراولة والأفوكادو.

ويشير إلى أن الرهان اليوم ينبغي أن يكون على العودة إلى الزراعات المعيشية، وزيادة المساحات المزروعة بالحبوب والشعير والذرة والشمندر وقصب السكر والنباتات الزيتية التي تعد من المواد الأساسية بالنسبة للمستهلك المحلي.

ويؤكد بدر الأزرق ضرورة أن يسير مخطط الجيل الأخضر في طريق استثمار نجاحات مخطط المغرب الأخضر، والأخذ بعين الاعتبار الإخفاقات لتصحيحها وتجاوزها لتحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، وتحقيق هدف إسهام الفلاحة في الاقتصاد بشكل مستديم ومستقر. ويرى أن المملكة واعية اليوم بأهمية تصحيح الأخطاء، وهو ما يظهر من خلال السياسات العمومية وتوجهات الاستثمار العمومي التي خُصص جزء منها لقطاع الماء والقطاع الفلاحي.

ويدعو الأزرق إلى العمل على توفير مخزون إستراتيجي من القمح والشعير في السنوات المطيرة لتلبية الحاجات وتفادي ارتفاع الأسعار في سنوات الجفاف، ويشدد على ضرورة إحداث تحولات في القطاع الزراعي بنقله من قطاع يصدّر المواد الزراعية الخام إلى قطاع ينخرط في المشهد الصناعي، خاصة الصناعات التحويلية والغذائية؛ مما سيرفع قيمة الصادرات الفلاحية ويحدث نقلة نوعية في القطاع.

في ظل التغيرات المناخية، وتوالي سنوات الجفاف؛ يطل السؤال حول اعتماد الاقتصاد المغربي على الزراعة، وإن كان هذا التوجه إستراتيجيا مع حالة الإجهاد المائي في المملكة والتراجع الحاد في مواردها المائية؟

ويرى الأزرق أن الارتهان إلى القطاع الفلاحي هو ارتهان إلى قطاع هش نسبيا لارتباطه بالسياقات الدولية وأيضا بالاضطرابات المناخية، ويلفت إلى أن تعاقب سنوات الجفاف أثر في السنتين الأخيرتين بشكل كبير على نسب النمو، وأثر أيضا على عدد من القطاعات المرتبطة بالفلاحة.

وقال إن المغرب واع بهذا الوضع، لذلك بدأ محاولات حثيثة منذ عقدين وأصبح اليوم أكثر تسارعا من أجل رفع إنتاجية عدد من القطاعات الصناعية، مثل صناعة السيارات والطائرات والتكنولوجيا والانفتاح على صناعات أخرى مثل الصناعات الدوائية والدفاعية، ورغم هذا التوجه لا يخفي المتحدث أن القطاع الفلاحي ما زال عصب الاقتصاد المغربي.

أما بالنسبة لمحمد جدري، فإن الاستمرار في الاستثمار في القطاع الزراعي ضرورة ملحة بالنسبة للمغرب، لأنه يجب تحقيق اكتفاء ذاتي من اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والخضر والفواكه، بغض النظر عن التحولات في الأسواق الدولية، غير أنه يرى ضرورة القطيعة مع الماضي، والعمل على توفير صناعة الأسمدة والأعلاف محليا، ومواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة من أجل خفض تكلفة الطاقة بالنسبة للفلاحين، وحل معضلة الإجهاد المائي من خلال ربط الأحواض المائية، ومعالجة المياه العادمة، وإنشاء مزيد من محطات تحلية مياه البحر، وبناء سدود صغيرة ومتوسطة.

لعشرات السنوات المغاربة مقتنعين بأن الملياردير عزيز أخنوش سياسي فاشل، غير قادر على التواصل ولا على الإقناع، وأن حزبه لا يمثل إلا الطبقة المحظوظة من المواطنين، لكن حين أعطاه الناخبون أصواتهم بسخاء في 2021، كانوا يعولون على أخنوش الاقتصادي، رجل الأعمال الذي يمكنه أن يخرجهم من وضع صعب خلفته جائحة كورونا، وتشبثوا بحزبه لأنه كان يبدو مثل خشبة طافية وسط الأمواج المتلاطمة، لكنهم اليوم اكتشفوا أن أخنوش السياسي وأخنوش الاقتصادي معا، مسؤولان عن عذابهم!