تهميش الأبطال المغاربة وعدم تقديرهم ماديا يجعلهم يتربصون أول فرصة للهروب خارج الوطن بحثا عن فرص جديدة.
اختارت ستة لاعبين من المنتخب المغربي للعدو الريفي، فئة الشباب، الفرار إلى سلوفاكيا فور وصول فريقهم إلى عاصمتها من أجل المشاركة في بطولة العالم المدرسية للعدو الريفي، في حادثة تعيد إلى الأذهان عدداً من مثيلاتها. فرارٌ أتى طمعاً في “حلم أوروبي”، استُنفرت لإحباطه كل الوسائل الممكنة لإعادة اللاعبين، ولم ينجح أي منها حتى الآن.
من جهتها ،أكد مصدر مسؤول في وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تلقي الوزارة بــ ” اسْتِحْيَاءٍ ” خبر “اختفاء” ستة قاصرين بسلوفاكيا متأسفاً، بعدما كان من المنتظر أن يعودوا إلى أرض الوطن رفقة زملائهم، عقب مشاركتهم في بطولة للعدو الريفي المدرسي.
ولم تكن هذه الحادثة بسابقة ولا فريدة في حدوثها، إذ يُقبِل عدد من الرياضيين العرب على الهرب من أوطانهم مستغلين مشاركة بعثاتهم الرياضية في منافسات ببلدان أوروبا وأمريكا الشمالية.
حسب ما أعلنت عنه وسائل إعلام دولية، هرب ستة عدائين قاصرين لا من بعثة المنتخب الوطني من البطولة التي عرفت تتويج المغرب بست ميداليات من أصل 24 و ثلاث كؤوس من أصل 12 ، شهدت فرار عدائين بينهم بطلة من الفندق الذي كانت تقيم فيه البعثة المغربية ، حسب ما نشره محلل قنوات بي إن سبورت و العداء السابق الحسين بن زريكينات.
تجدر الإشارة إلى أن هذه البطولة عرفت مشاركة 15 دولة من مختلف القارات، وتم تنظميها ببراتيسلافا بسلوفاكيا، تحت إشراف الاتحاد الدولي للرياضة المدرسية، خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 27 أبريل 2022. ويشارك المغرب بوفد رياضي مدرسي مكون من أربعة وعشرين عداء وعداءة، وأساتذتهم، بعدما توجوا في البطولة الوطنية المدرسية للعدو الريفي التي جرت أطوارها بكل من بني ملال وآسفي خلال الموسم الدراسي الحالي.
ولم تكن حادثة هروب الرياضيين المغاربة بمجرد وصولهم إلى أوروبا هي الأولى من نوعها إذ تكررت خلال السنوات الأخيرة، ففي 16 أبريل 2021 انضم ملاكمان شابان رضا البويحياوي وإلياس بنلمليح إلى عشرات الرياضيين المغاربة، الذين “اختاروا” الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وبات تكرار وقائع هروب الرياضيين في المغرب مع توالي السنوات يعطي المؤسسات المعنية “الحق” في الإحجام عن الخروج بتوضيحات حول ملابساتها، مادام أن الرياضي “اختفى وسره معه”، ولم يكل الاتهامات لمسؤولي القطاع الرياضي، الذين فشلوا في وقف “النزيف”، ولا في وضع منظومة رياضية سليمة، لا تدفع رياضيي المستوى العالي إلى اقتحام المجهول.
الصمت لم يكن دائماً هو اختيار الاتحادات المغربية التي تُسجل لديها حالات هروب الرياضيين أثناء المشاركة في بطولات عالمية في القارة العجوز، فقبل 6 سنوات اختفى 5 ملاكمين مغاربة من فندق إقامة وفد المنتخب لـ”الكيك بوكسينغ والمواي طاي”، بالعاصمة الصربية بلغراد، أثناء مشاركتهم في بطولة العالم، وعادت البعثة الرسمية للمنتخب المغربي دون خمسة من رياضييها فضلوا الهجرة غير الشرعية، ويتعلق الأمر بكل من حميد باعراب، ومحمد الموخ، وكمال أوسطي، ورياض أزواغ، وطه الصغير.
الاتحاد المغربي للكينغ بوكسينغ خرج ببيان رسمي أثار الكثير من الجدل حينها، لاسيما أنه اتهم الهاربين بـ”انعدام الروح الوطنية”، معتبراً أن “الملاكمين كانت لديهم نية مبيتة للهروب، إذ في الوقت الذي كان زملاؤهم يستعدون لتشريف الراية الوطنية، كان هؤلاء منشغلين بالتخطيط للـ”حريك” (الهجرة غير النظامية).
الاتحاد المغربي قال إن “الهاربين تعمدوا الهزيمة للإقصاء من الأدوار الأولى، ضاربين بالدفاع عن الراية المغربية عرض الحائط”، في الوقت الذي أكدت فيه فيدرالية ممارسي رياضة الفول كونتاكت والكيك طاي بوكسينغ بالمغرب، أن “واقعة هروب الرياضيين هي نتيجة حتمية للتهميش الكبير من قبل الاتحاد”.
ولعل مقطع الفيديو الأكثر شهرة للرياضيين “الهاربين”، هو الخاص ببطل التايكوندو أنور بوخرصة، الذي تداوله نشطاء مغاربة، في أكتوبر/تشرين الأول من 2019، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهر فيه وهو يُلقي بإحدى ميدالياته في البحر أثناء رحلته عبر قوارب الهجرة السرية إلى إسبانيا.
الرياضي نفسه صرح بعد وصوله سالماً لإسبانيا وانخراطه في نادٍ محلي للتايكوندو أنه أقدم على رمي ميداليته الذهبية بالبحر، تعبيراً عما سمّاه بـ”الاستياء، لعدم الاكتراث لما حققته لصالح بلدي”.
بطل العالم السابق في الكيك بوكسينغ، المغربي مصطفى الخصم، تفاعل مع حادثة هروب بوخرصة، وقال إن “هروبه يعري الواقع الأسود للاتحاد المغربي”، كاشفاً أن “جميع انتقاداته السابقة كانت على صواب، وأكدها بوخرصة في تصريحاته وتدويناته على منصة فيسبوك”.
قبل ثلاثة سنوات، صرّح الطالبي العلمي، وزير الشباب والرياضة المغربي السابق، أن “وزارته تُعد مشروعاً للحد من هجرة الرياضيين المغاربة، وذلك بأوامر من الملك، غير أن تواصل هروب الرياضيين بعد ذلك التاريخ كشف فشل المشروع، الأمر الذي دفع الاتحادات الرياضية إلى اتخاذ إجراءات “ترقيعية”، للحد من الظاهرة، بعيدة كل البعد عن معالجة الأسباب من جذورها، وتحسين وضعية الرياضي وتأمين مستقبله.
وبات اختيار الرياضيين الذين يمثلون المغرب في البطولات الدولية التي تقام في دول أوروبا ضمن منطقة “شينغين” لا يستند فقط على المستوى الرياضي، بل يستند كذلك على “فرضية الهجرة غير النظامية”، التي أساءت إلى سمعة الرياضة المغربية.
وطالب الحقوقي والكاتب والإعلامي، جمال السوسي رئيس “المنظمة الوطنية للنهوض بالرياضة وخدمة الأبطال الرياضيين” أول جهاز حقوقي نقابي في المغرب، بإقالة جميع موظفي مديرية الرياضة السابقة والمفوضة حالياً من طرف وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، الذي فشل في تدبير قطاع الرياضة واعاده إلى بؤرة الفش من جديد، بدءاً بمدير الرياضة “محمد حميمز في هذه الوزارة ومروراً بمساعديه الأقربين من رؤساء اقسام ورؤساء مصالح وانتهاءً بمسئولين أخرين قد تكون لهم صلة ما بهذه المديرية ويعتبرون ممن يعرقلون عملها عرقلة مخالفة للقانون ومخالفة أيضا للتعليمات الملكية السامية ولروح المواطنة الحقة، وذلك لإخفاقهم الذريع في إدارة شؤون الرياضة بالبلاد مؤكدا على انتقاده لطبيعة وطريقة تسيير شؤون الرياضة في المغرب التي فقدة بسببهم إشعاعها وتألقها اللذين كانت تحظى بهما في زمن الرياضة الذهبي الذي ولى بغير رجعةٍ نظرا لسوء تدبير مديرية الرياضة لشؤون الرياضة في المملكة وهو سوء التدبير الذي رافقه كما يعلم الجميع منذ قرابة العشر سنوات كثير من الممارسات المخلة بالعمل الرياضي المنظم والمسئول وخير دليل ما آلت إليه الرياضة بالمغرب من إخفاقات متتالية في جميع المحافل المحلية والقارية والعربية والدولية ومؤخرا في ريو بالبرازيل وحاليا في طوكيو ومستقبلا في باريس.
وأضاف السوسي، نحن لا ننتقد الهيئات ولكن ننتقد الأداء من الناحية العملية على الأرض فمديرية الرياضة فشلت فشلا ذريعا في إدارة الشّأن الرياضي في البلاد وهو الشيء الذي يحتّم المساءلة والمتابعة القضائية إذ أن سوء التدبير هذا المؤدي إلى الإخفاقات يؤدي في آنٍ واحد مع كامل الآسف إلى هدر المال العام، وما المال العام بالشيء الهيّن حتى يساهم هؤلاء في هدر وإهداره من غير مساءلة ومن غير حسيبٍ ولا رقيب “.
لذلك كلّه يستدعي الأمر محاسبة المسؤولين عن هذه الوضعية المزرية التي ألت إليها الرياضة في البلاد وما تبعها من هدرٍ للمال العام، كلُّ ذلك يقتضي محاسبة هؤلاء ومتابعتهم قضائياً كي يتحملوا نتائجهم عن الإخفاقات التي تسببوا فيها وعن كلِّ العيوب التي وصمت بها الرياضة في بلادنا في السنوات الأخيرة بدءاً بالوزاراء المتتاليين على هذه الوزارة مؤخرا و انتهاءً بمدير الرياضات ومساعده الأقربين.
ويعتبر المدافعون عن فكرة هروب الرياضيين أنّ من بين أسوأ ما يعيشه الشباب هو افتقادهم لحياة كريمة، والرياضي الذي يضحي بمسيرته هو واحد من الذين يعيشون مقابل ضمان هذه الحياة الكريمة، ويتمنون أن يلقوا رعاية وعناية خاصة من المسؤولين عنهم رياضيا، حتى إن البعض قرر أن يتخلّى عن جنسيته بسبب فقدانه لمتطلباته سواء كانت مادية أو معنوية.
ويرى عبدالجبار شكري الباحث في علم النفس والاجتماع، أن مبررات الهروب “الحريك” في صفوف الأبطال الرياضيين، ترتبط بثلاثة عوامل أساسية، هي البحث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي المادي والبحث عن المعاملة الجيدة والراحة النفسية وبلوغ الطموح الذي يتطلع له الرياضيون على مستوى الممارسة الاحترافية.