هل تجاوز بنكيران “الخط الأحمر”؟ دعوى قضائية تفتح النار على زعيم “البيجيدي” بعد وصفه لمغاربة بـ”الميكروبات”

0
294

في سابقة قد تزيد من عزلته السياسية، يواجه عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، دعوى قضائية مرفوعة من طرف حزب “نستطيع”، تتهمه بـ”الإساءة إلى كرامة فئات واسعة من الشعب المغربي”، عقب وصفه لخصومه بـ”الميكروبات” و”الحمير” في خطاب علني.

لكن ما الذي يكشفه هذا الانفجار اللفظي من أزمة داخلية أعمق يعيشها بنكيران؟ وهل تحولت لغة بنكيران من أداة للتأثير السياسي إلى عبء قضائي وأخلاقي يهدد ما تبقى من صورته القيادية؟

من خطاب تعبوي إلى انفجار لغوي

خلال كلمة له في احتفالات فاتح ماي، شن بنكيران هجوماً حاداً على من لا يتبنون مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية، واصفاً بعض الفاعلين السياسيين والإعلاميين بـ”الميكروبات” التي “تصرح بأن المغاربة ماشي شغلهم في فلسطين”.

هذا النوع من الخطاب الشعبوي يطرح عدة تساؤلات:

  • هل ما زال بنكيران يعتمد على القضايا القومية كوسيلة للعودة إلى الواجهة؟

  • أم أنه يشعر بأنه يُستبعد من المعادلة السياسية لدرجة تفقده الاتزان في تعاطيه مع الخصوم؟

الوصف بـ”الميكروبات” و”الحمير” لا يُعد فقط انزلاقاً أخلاقياً بل هو اعتداء على قواعد الخطاب الديمقراطي، ويعكس نوعاً من الاختناق السياسي الذي بات يلازم البيجيدي منذ هزيمته المدوية في انتخابات 2021.

دعوى “نستطيع”: استعراض أم حماية للقيم الدستورية؟

الحزب الذي رفع الدعوى، “نستطيع”، لا يزال في طور التأسيس، لكنه أبان عن يقظة قانونية وربما تكتيك سياسي ذكي، حيث برّر خطوته بالدفاع عن “الاحترام الواجب للمواطنين كحق دستوري”.

هل نحن أمام استخدام ذكي للقانون لتأطير الحياة السياسية وضبط الانفلاتات اللفظية؟ أم أن الحزب الجديد يسعى لركوب موجة الغضب الشعبي ضد بنكيران لتسجيل حضور مبكر في المشهد السياسي؟

في كلتا الحالتين، هذه المبادرة قد تكون سابقة في مساءلة زعماء الأحزاب السياسية عن تصريحاتهم، ما يفتح الباب أمام تطور جديد في العلاقة بين الرأي العام، الخطاب السياسي، والمسؤولية القانونية.

تململ داخلي في “البيجيدي”… أزمة قيادة أم نهاية مرحلة؟

تصريحات بنكيران لم تُقابل بتأييد داخل حزبه، بل قوبلت بانتقادات من بعض قياداته الذين اعتبروا أن هذه الخرجات تشوه صورة الحزب وتقلل من فرصه في استعادة ثقة الشارع المغربي.

فهل بدأ بنكيران يفقد شرعيته حتى داخل قواعد حزبه؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤدي هذه التجاوزات إلى تسريع عملية تجديد القيادة داخل “البيجيدي” أو حتى الانقسام التنظيمي؟

المحلل السياسي محمد شقير اعتبر أن ما تلفظ به بنكيران يُجسد “ترسبات فكر استئصالي”، في إشارة إلى جذوره في “الشبيبة الإسلامية”، ما يطرح سؤالًا أعمق: هل يحمل خطاب بنكيران إرثًا إيديولوجيًا يعيق انفتاح الحزب على التعدد والاختلاف؟

بين فلسطين والمغرب: ازدواجية الخطاب؟

انتقد كثيرون توظيف بنكيران للقضية الفلسطينية في مواجهة خصومه السياسيين، رغم أن الموقف الرسمي المغربي في هذا الملف يحظى بتقدير دولي، سواء من خلال دعم وكالة بيت مال القدس أو الوساطة النشطة التي يقودها الملك محمد السادس.

فهل يستغل بنكيران القضية الفلسطينية كملاذ أخير لإثارة التعاطف الشعبي؟ وهل تتحول القضايا القومية إلى شماعة تعلق عليها الإخفاقات السياسية؟

خلاصة: أزمة سياسية بثوب لغوي

تُعد هذه الدعوى القضائية محطة جديدة في مسلسل التراجع السياسي الذي يعيشه عبد الإله بنكيران. فخروجه المتكرر عن الأعراف السياسية قد لا يُفسر فقط بانفعالات لحظية، بل ربما يُعبر عن انكشاف تدريجي للفراغ القيادي داخل “البيجيدي”، بعد أن خسر رهانات كثيرة على المستوى السياسي والانتخابي.

وفي نهاية المطاف، لا يُنتظر من أي فاعل سياسي أن يكون معصوماً من الزلات، ولكن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تفترض أن يُحاسب على تصريحاته إذا مست بكرامة المواطنين، لأن حماية الفضاء العام تبدأ من ضبط الخطاب السياسي لا بتبرير العنف الرمزي.

هل هذه القضية ستشكل بداية لتقنين لغة السياسيين في المغرب؟ وهل ستكون لها تداعيات على مشهد المعارضة ومستقبل “البيجيدي”؟