“هل يصلح تحرير أسعار المحروقات للمواطن أم يعمق أزمة القدرة الشرائية؟”

0
159

في بداية عام 2025، تُظهر الأرقام أن أسعار المحروقات في المغرب لا تتماشى مع التكلفة الحقيقية التي كان يجب أن تُحدد على أساسها أسعار الغازوال والبنزين.

وفقًا للطريقة التقليدية في احتساب سعر البيع للمحروقات، لم يكن يجب أن يتجاوز سعر لتر الغازوال 9.98 درهم، بينما لم يكن من المفترض أن يتجاوز سعر لتر البنزين 11.06 درهم. لكن الواقع في محطات الوقود يشير إلى أسعار تتراوح بين 11.30 درهم للغازوال و13.20 درهم للبنزين، ما يعكس فجوة واسعة بين التكلفة الفعلية والأسعار المدفوعة من قبل المواطنين.

التفسير الاقتصادي: لماذا هذا الفارق؟

تكمن أسباب هذا الفارق الكبير في سعر المحروقات في سلسلة من العوامل الاقتصادية، بدءًا من تقلبات السوق الدولية للأسعار، مرورًا بأسعار صرف الدولار الأمريكي، وصولاً إلى التكاليف الإضافية مثل التأمينات والنقل والضرائب.

ومع ذلك، فإن هذا الحساب لا يُأخذ في الاعتبار هوامش الأرباح العالية التي تحققتها شركات التوزيع، والتي قفزت من حوالي 600 درهم للطن إلى أكثر من 2000 درهم للطن بالنسبة للغازوال، وأكثر من 2500 درهم للطن بالنسبة للبنزين.

التحرير الأعمى للأسعار: هل كان الحل الأمثل؟

منذ قرار تحرير الأسعار في عهد حكومة بنكيران، وتحرير أسعار الغاز والكهرباء، أصبحت أسعار المحروقات خاضعة للعرض والطلب في السوق دون تدخل حكومي مباشر. في البداية، كان يُفترض أن يساهم هذا التحرير في تحسين التنافسية وتقليل الأسعار لصالح المستهلك.

لكن على أرض الواقع، زادت التوسعات لشركات توزيع المحروقات، بينما بقيت القدرة الشرائية للمواطنين تتآكل، خاصة في المناطق النائية مثل القرى والمناطق الصحراوية، التي تعاني من ندرة المياه وقسوة الظروف الاقتصادية.

هل تحرير الأسعار هو السبب الرئيسي للغلاء؟

لقد كشف تقرير صادر عن النقابة الوطنية للبترول والغاز، بقيادة الحسين اليماني، عن الأرباح غير المبررة التي حققتها شركات توزيع المحروقات، حيث يمكن ربط الزيادة الكبيرة في الأسعار بغياب شروط المنافسة الفعلية في السوق.

كما أن هناك تساؤلات مشروعة حول تأثير تحرير الأسعار على الفئات الهشة من المجتمع، مثل ذوي الدخل المحدود والمواطنين في المناطق النائية، الذين لا يجدون بدائل لتقليص نفقاتهم.

أين الحلول الممكنة؟

للتخفيف من تأثير هذه الزيادات على المواطنين، يرى العديد من الخبراء أن إعادة النظر في قرار تحرير الأسعار أصبح ضرورة ملحة. يُوصي الحسين اليماني بضرورة العودة إلى تكرير البترول في مصفاة المحمدية، مما سيقلل الاعتماد على الاستيراد ويتيح للمغرب التحكم بشكل أكبر في الأسعار.

كما يجب تخفيض الضرائب المطبقة على المحروقات، وإعادة تنظيم القطاع الطاقي في إطار “الوكالة الوطنية للطاقة”، وهي خطوة ضرورية لتعزيز السيادة الطاقية في البلاد بدلاً من التركيز على “الأمن الطاقي” فقط.

التوجه نحو المستقبل: ما الذي يجب أن يتغير؟

الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا السياق هي: هل يجب الاستمرار في التحرير الكامل للأسعار في ظل الأوضاع الحالية؟ أم أنه حان الوقت لتبني سياسة أكثر مرونة تتماشى مع متطلبات الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين؟ وما هو دور الحكومة في ضمان حماية القدرة الشرائية للمواطنين دون التأثير سلبًا على القطاع الطاقي؟

خلاصة

تعد مشكلة ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب قضية شائكة تثير العديد من الأسئلة حول تأثيرات تحرير السوق على الاقتصاد المحلي. في الوقت الذي تتسارع فيه الزيادات في الأسعار، يبقى الأمل في أن تُعيد الحكومة النظر في سياساتها للطاقة وتعمل على تحسين التوازن بين التنافسية وحماية المواطن المغربي.