وزير الخارجية الفرنسية تزور الرباط في أول زيارة لها للمملكة لتسوية أزمة صامتة بين البلدين

0
108

حلت وزيرة خارجية فرنسا كاثرين كولونا بالعاصمة الرباط، مساء اليوم الخميس، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ تعيينها، وتأتي هذه الزيارة، في ظل علاقات متوتر بين الرباط وباريس.

وأعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة الجمعة انتهاء أزمة التأشيرات التي كانت سببا في فتور العلاقات بين فرنسا والمغرب في الأشهر الماضية، مؤكدة أنه تم “اتخاذ الإجراءات لعودة الوضع إلى طبيعته بالنسبة لموضوع التأشيرات”، مؤكدة تطلع المغرب وفرنسا إلى مستقبل أفضل من أجل تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين.

وقالت إن “المغرب وفرنسا قررا إعادة النشاط القنصلي لتقديم التأشيرات بطريقة عادية”، موضحة أن “السلطات الإدارية ستباشر عملها على هذا الأساس بطريقة عادية وقانونية”.

وتأتي هذه التطورات في خضم جهود تبذلها باريس لإعادة الدفء للعلاقات مع الرباط بعد أزمة صامتة طبعت أشهرا من البرود في العلاقات وشغور دبلوماسي في البلدين.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسية للرباط ضمن ترتيبات لتهيئة الظروف لزيارة مقررة يفترض أن يقوم بها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للعاصمة المغربية في مطلع العام الجديد كتتويج لنهاية الأزمة والبناء على تطوير العلاقات مع الشريك المغربي.

 

وأدرك ماكرون أنه لا يمكن تجاهل دور المغرب كشريك وازن في المنطقة والرهان على شراكة أكبر مع الجزائر الجارة الشرقية للمملكة، وهو ما دفع باريس للعمل في الفترة الأخيرة على إنهاء الأزمة أو تصفه أوساط فرنسية بـ”سوء فهم” وتر العلاقات بين البلدين.

وتسوية أزمة التأشيرات في حدّ ذاته يعتبر انجازا دبلوماسيا مغربيا إذ لا يمكن تطوير الشراكات مع وجود خلل دبلوماسي يثقل على العلاقات الثنائية.

وتنظر باريس للمغرب كشريك موثوق في مكافحة الإرهاب والهجرة وكطريق آمن للعمق الإفريقي وتعمل على استثمار موثوقية العلاقات المغربية الإفريقية لتعزيز مصالحها.

وقالت كاترين كولونا اليوم الجمعة إنها سعيدة بتواجدها في المملكة التي وصفتها بـ”البلد الصديق والعظيم وشريك استراتيجي لفرنسا لمدة عقود. هناك علاقات قوية ومتينة وفريدة”، مضيفة “أكن الاحترام الكبير للمغرب. المنتخب حقق مسارا كبيرا، وهذه ما هي إلا بداية لمغامرات أخرى”.

وكشفت الوزيرة الفرنسية أنه “كانت هناك محادثات عميقة وغنية مع شركائنا المغاربة، وسنواصل العمل من أجل حل عدد من الملفات”، مضيفة “هناك إرادة مشتركة للذهاب معا إلى المستقبل والتطلع إلى المستقبل، كما قال الوزير بوريطة، يبدأ من هنا.. وهذه الزيارة تعكس الإرادة المشتركة من أجل الذهاب إلى المستقبل، تحت توجيهات الملك محمد السادس والرئاسة الفرنسية”.

قال وزير الخارجية المغربي إن “المغرب امتنع عن التعليق رسميا على تلك الإجراءات (خفض عدد التأشيرات) التي اتخذتها السلطات الفرنسية من جانب واحد احتراما لسيادتها، وبطبيعة الحال كانت هناك ردود أفعال شعبية من طرف الناس المعنيين”.

وأضاف “اليوم أيضا قرار العودة إلى الوضع الطبيعي قرار أحادي الجانب يحترمه المغرب ولن نعلق عليه رسميا، لكنه يسير في الاتجاه الصحيح”.

وتابع “تحدثنا حول كيفية إعادة إحياء آليات التعاون بين البلدين”، مؤكدا “الطموح المشترك لتطوير هذه العلاقة”.

كما أشار أيضا إلى أن مباحثاته مع نظيرته الفرنسية كانت “مناسبة لننظر إلى واقع العلاقة بأسسها الصلبة ومظاهرها المتعددة والمتنوعة، لكن أيضا ببعض الإكراهات التي تواجهها من حين لآخر”.

وكانت الوزيرة الفرنسية وصلت الخميس إلى الرباط حيث التقت مساء مستشاري العاهل المغربي الملك محمد السادس، قبل أن تجري صباح الجمعة مباحثات مع وزير الخارجية.

وبدا الرد المغربي على إنهاء أزمة التأشيرات حذرا حين أشار بوريطة إلى أنه قرار أحادي الجانب “نحترمه ولا نعلق عليه رسميا” وهو ما يعطي انطباعا بأن مطالب المغرب ابعد من مجرد إنهاء أزمة التأشيرات.

والواضح أن الوزير المغربي كان دقيقا في عباراته وتلميحاته في هذا الشأن إذ تنظر المملكة لعلاقاتها الخارجية من منظار المواقف من مغربية الصحراء وهي مقاربة أرساها الملك محمد السادس الذي جعل من ملف الصحراء ثابتا وطنيا وقضية سيادية غير قابلة للتفاوض أو المساومة.

وتريد الرباط موقفا فرنسا واضحا من ملف نزاع الصحراء على غرار الموقف الاسباني الذي أيد مقترح المغرب للحكم الذاتي كأساس واقعي وعملي لحل النزاع كما أيد مغربية الصحراء وهو الموقف ذاته الذي أكدته الولايات المتحدة وحكومات أوروبية أخرى.

 ويبدو الموقف الفرنسي إلى الآن ملتبسا أو اقل وضوحا من غيره من المواقف الأوروبية وهو أمر يثقل حتما على تنمية العلاقات المغربية الفرنسية وهو ما يفسر إلى حد ما ردّ وزير الخارجية المغربي الحذر من مسألة إنهاء أزمة التأشيرات.  

وبالإضافة إلى أزمة التأشيرات ساد العلاقات بين البلدين أيضا فتور بشأن ملف الصحراء المغربية، إذ تحث الرباط باريس على الاعتراف بسيادتها على هذه المنطقة المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، مثلما فعلت الولايات المتحدة أواخر العام 2020، في إطار اتفاق شمل أيضا تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل.

لكن وزير الخارجية المغربي أوضح الجمعة أن “المغرب لم يعتبر يوما أن موقف فرنسا سلبي”، مضيفا “بالتأكيد أننا نتحدث حول هذه المسألة، لكنها لا تهيمن على محادثاتنا”.

من جهتها قالت كولونا إن “المغرب يعرف أن بإمكانه أن يعول على دعم فرنسا”، مشيرة إلى ضرورة التوصل بشكل “عاجل” إلى حل سياسي “دائم” في وقت “عادت فيه التوترات إلى السطح”.

ويرتبط البلدان عموما بعلاقات اقتصادية وثيقة ففرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وأول مستثمر أجنبي فيه. كما أن المملكة تؤمن من جانبها، منفذا إلى افريقيا جنوب الصحراء حيث تمارس بصورة ناشطة “القوة الناعمة” اقتصاديا منذ 2010. وهي أول شريك تجاري لفرنسا في إفريقيا.

وأكدت كولونا الجمعة رغبة فرنسا في أن تجمعها “علاقة شراكة مثالية مع المغرب، شراكة استثنائية أخوية وعصرية”، مشيرة إلى ضرورة التأقلم مع “التطلعات المشروعة” للمغرب الذي يتطور ويسعى للعب دور رئيسي في منطقة المتوسط وإفريقيا، موضحة أيضا أن فرنسا “التي تغيرت هي الأخرى بشكل عميق تقترح أفضل ما لديها” على المغرب.