وتدرك الشخصيات السياسية في الحكومة الجديدة، أن عليها العمل على المضي قدما لتحسين العلاقات الثنائية مع الرباط، لاسيما أن فرنسا تعيش بشكل عام علاقات متشنجة مع عدد من مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وهي بأمس الحاجة إلى علاقة وطيدة مستقرة مع المغرب.
وربما يكون رئيس الوزراء الجديد غابريال أتال الذي عرف هو الآخر بمواقفه العدائية تجاه المغرب، قد استفاد من الدرس السابق ومحاولات بلاده الحثيثة لتحسين العلاقات مع الرباط نظرا لأهميته وموقعه الاستراتيجي في المنطقة، لاسيما أنه يعتبر أول شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا، ويقوم بتأمين منفذ إلى أفريقيا جنوب الصحراء حيث يمارس بصورة ناشطة “القوة الناعمة” اقتصاديا منذ 2010.
وتجلت مراجعات حسابات السياسيين الفرنسيين بشكل واضح في حديث رئيس المخابرات الفرنسية الأسبق آلان جوييه، قبل أيام قليلة، حيث وجه انتقادات لاذعة لأداء الدبلوماسية الفرنسية حيال المغرب، مشيرا إلى أخطاء جسيمة من بينها استمرارها في نهج معاكس لما يفترض أن تكون عليه العلاقات الفرنسية المغربية وأن ذلك أفضى إلى أن “الدولة التي كانت في وقت قريب حليفة لفرنسا، هي الآن على خلاف معنا”، متسائلا “كيف يمكن لها (فرنسا) أن ترتكب مثل هذه الأخطاء؟ إنه أمر لا يصدق”.
وتحدث رئيس المخابرات الفرنسية الأسبق الذي شغل هذا المنصف في 2002 عن فقدان بلاده للنفوذ في افريقيا، مؤكدا في المقابل أن المغرب نجح في أن يأخذ مكان باريس في منطقة الساحل الأفريقي عقب المبادرة التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس والتي تتيح لبلدان الساحل الولوج إلى المحيط الأطلسي.
وقال جوييه إن المغرب استطاع أن يأخذ مكان باريس في منطقة الساحل، خاصة عقب المبادرة المغربية لتعزيز وصول بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي.
ورأى أن المغرب تفوق بالفعل على فرنسا خاصة بعد أن أبرم اتفاقا اقتصاديا مع كل من من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وهي الدول التي شهدت انقلابات عسكرية وتحكمها الآن مجالس عسكرية.
والتزمت الرباط بالحياد الايجابي في الأزمة التي شهدتها الدول الثلاث بينما انتهجت فرنسا سياسة عدائية ودفعت للتدخل في شؤون مستعمراتها السابقة بدلا من الدفع للحل الدبلوماسي.
وتخللت العامين الماضيين توترات قوية للغاية بين المغرب وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة. ومن أبرز أسباب التوتر سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التقارب مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.
وفي أيلول/سبتمبر، نشأ جدل جديد بعدما تجاهلت الرباط عرض فرنسا تقديم المساعدة إثر الزلزال المدمر.
وخلفت المواقف الفرنسية توترا طيلة أشهر كان من أبرزها رفض السلطات المغربية للمساعدات الفرنسية الموجهة لضحايا زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، ما أثار حفيظة الإعلام الفرنسي الذي شن حملات ضد المغرب ومؤسساته. وعكس حجم الأزمة “الصامتة” التي تلقي بظلالها على علاقات الرباط وباريس منذ أكثر من سنتين، وكان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين، وغياب أي اتصال بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، وحدوث فراغ دبلوماسي.
وبعد محاولات فرنسية لرأب الصدع وإظهار بوادر حسن نية تجاه الرباط، حيث أقر السفير الفرنسي في المغرب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بأن قرار تقييد حصول المغاربة على تأشيرات فرنسية كان خطأ.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2023، وخلال مشاركته في برنامج إذاعي عبر “راديو 2M، أعلن السفير الفرنسي بالرباط، كريستوف لوكورتيي أن بلاده رفعت جميع القيود التي سبق أن فرضتها على إصدار التأشيرات لصالح المواطنين المغربة لطي هذا الملف بشكل نهائي، لكنه أبدى أسفه على هذا القرار الذي قال إنه كان “خسارة” لبلاده باعتراف الرئيس إيمانويل ماكرون، وأضر كثيرا بصورتها، وأوضح أن علاقة وطيدة مثل تلك التي تجمع بين باريس والرباط لا تتم إدارتها عبر الإحصائيات فقط.
ثم شهدت العلاقة بين البلدين بوادر تحسن وقد عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الصحافية ومديرة الأخبار بالقناة الثانية المغربية سابقا سميرة سيطايل، سفيرا لدى الجمهورية الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وذلك بعد أشهر على شغور المنصب إثر إنهاء الرباط مهام السفير محمد بنشعبون في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو نفس يوم تصويت البرلمان الأوروبي على قرار بخصوص حرية الصحافة، اُعتبر معادياً للمغرب بمبادرة ودعم من نواب من حزب ماكرون.
وكشفت صحيفة “أفريكا انتليجنس” المتخصصة في الشؤون الإفريقية بان ماكرون يستعد لزيارة الرباط وذلك بعد تحسن نسبي في العلاقات في الفترة الأخيرة مشيرة إلى أن الرئاسة الفرنسية تخطط لإطلاق صفحة جديدة في العلاقات الثنائية وإعطاء دفعة إيجابية في العلاقات بين البلدين.