يوسف النصيري.. رحلة “أسد الأطلس” من رحم المعاناة بأزقة فاس العتيقة إلى بطل دولي

0
372

كتب يوسف النصيري اسمه في كتب التاريخ وفجر مفاجأة مدوية بتسجل هدف المباراة الوحيد ضد البرتغال بطلة أوروبا السابقة في دور الثمانية في قطر بضربة رأس من مدى قريب بعد تمريرة عرضية من يحيى عطية الله في الدقيقة 42.

فمن أزقة فاس العتيقة، إلى تزيين عقد لآلئ منجم المواهب في أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، فنثر الإبداع بأكبر الملاعب العالمية وأعرقها، إنه يوسف النصيري، فتى المغرب الطائر، الذي حلق بآمال ملايين عشاق “الساحرة المستديرة”، وهو يقفز عاليا وكأنه يتحدى قوانين الجاذبية، ويسدد برأسه كرة الحلم التي قادت المنتخب المغربي إلى نصف نهائي كأس العالم بقطر 2022.

تحولت صورة النصيري وهو يرتقي فوق رؤوس حارس مرمى ومدافعي منتخب البرتغال، إلى أحد أبرز أحداث مونديال قطر، واستحقت أن تتصدر عناوين نشرات الأخبار وأغلفة المجلات والصفحات الأولى للجرائد في جميع أنحاء العالم، الذي اكتشف خلف هذه القفزة إرادة من حديد لشاب يتمتع بقوة ذهنية قل نظيرها وسخاء بدني كبير، ولاعب موهوب يوظف مهاراته لخدمة المجموعة، كأول مدافع وآخر مهاجم أمام خط مرمى الخصوم.




ويُجمع جل متتبعي النصيري، سواء داخل فريقه إشبيلية أو في صفوف المنتخب الوطني، أنه يتمتع بأسلوب فريد ونادر بين لاعبي الكرة، فهو يحسن استثمار نقاط قوته، إذ يتفوق في الضربات الرأسية، ويتمتع في الوقت نفسه، بحس دفاعي قوي، من حيث ممارسة الضغط العالي وافتكاك الكرة، وهي مهام تجعله أقرب إلى اللاعب المتكامل الذي يحلم أي مدرب بأن يكون في صفوف فريقه.

وأبان يوسف النصيري، الذي رأى النور سنة 1997 بفاس، عن علو كعبه منذ صغره، إذ مارس كرة القدم في سن مبكرة، حيث انضم إلى نادي المغرب الرياضي الفاسي، وتدرج في فئاته السنية.

وفي سن الحادية عشر ولج أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، رفقة مجموعة من المواهب الكروية التي ستمثل مستقبل “أسود الأطلس”، على غرار نايف أكرد، وعز الدين أوناحي، ومحمد رضا التكناوتي وغيرهم.

والتحق النصيري في سن الثامنة عشرة بنادي مالقة الإسباني، ولعب في صفوف فريقه الرديف، حيث تألق، بشكل لافت، وسجل أربعة أهداف في خمس مباريات شارك فيها خلال موسم 2015 – 2016، مما جذب إليه أنظار إدارة النادي، التي سارعت إلى إلحاقه بالفريق الأول في الموسم الموالي.

وبعد مشاركته مع أسود الأطلس في مونديال روسيا 2018، وقع المهاجم الشاب رسميا عقدا لخمس سنوات مع نادي ليغانيس بخمسة ملايين أورو، ليصبح بذلك أغلى لاعب في تاريخ هذا الفريق.

وعلى مدى موسم ونصف سجل خلاله النصيري 15 هدفا، تم اختياره من بين أكثر اللاعبين الشباب الواعدين في الدوري الإسباني، لتنهال عليه العروض من مختلف الدوريات الأوروبية في محاولة للظفر بخدماته.

لكن المهاجم الشاب قرر الاستمرار في إسبانيا واختار التوقيع في يناير 2020 على عقد لمدة خمس سنوات مع نادي إشبيلية، أحد أقوى الأندية الإسبانية والأوروبية.

وشارك النصيري مع المنتخب المغربي في عدة تظاهرات كروية من بينها، على الخصوص، كأسا العالم روسيا 2018، وقطر 2022، وكذا في ثلاث دورات لكأس أمم إفريقيا 2017، 2019 و 2022 .

وسجل النصيري أول أهدافه في نهائيات كأس إفريقيا ضد منتخب الطوغو خلال دورة الغابون 2017، كما وقع هدفين أمام منتخبي كوت ديفوار والبنين في دورة مصر 2019، وهدفا أمام منتخب مالاوي في دورة الكاميرون 2022.

وأصبح النصيري، وهو في السادسة والعشرين من عمره، أول مغربي يسجل في نسختين متتاليتين من المونديال، وأكبر هداف في تاريخ المغرب في هذه التظاهرة الكروية العالمية بثلاثة أهداف في مونديالي روسيا 2018 وقطر 2022، متقدما على عبد الرزاق خيري، الذي سجل هدفين في مونديال ميكسيكو 1986، وصلاح الدين بصير وعبد الجليل حدا (كماتشو)، بهدفين في مونديال فرنسا 1998.

ولم تكن طريق النصيري مفروشة بالورود، حيث مر من مراحل فراغ، لكنه نجح في تجاوزها بفضل قوته الذهنية، ليقلب الانتقادات إلى إعجاب ومديح.

وتحول النصيري، بفضل مسار ملهم قاده فيه حبه للساحرة المستديرة إلى نموذج للإصرار والتحدي والسعي المستميت لتحقيق حلم بدا للوهلة الأولى بعيد المنال.

وبنفس الإصرار والعزيمة يستعد النصيري، اليوم، لخوض رابع كأس إفريقية مع المنتخب الوطني بالأراضي الإيفوارية، بعد أن جرت مياه خبرة وتجربة كبيرتين تحت الجسر منذ “كان 2017″، ليصبح معها أحد الأوراق الرابحة داخل النخبة الوطنية الطامحة الى التتويج باللقب.