تقرير :المواطنون متذمرون من تدهور الأوضاع المعيشية ومستاؤون من حكومة الملياردير أخنوش

0
82

شهد المغرب مؤخراً حملة رفض متنامي بسبب غلاء الأسعار في وسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب اتساعا وتمددا، لا سيما أنها اتجهت رأسا إلى معضلة تتداخل فيها الثروة بالسلطة، والمصالح الشخصية بالمصالح العامة، ويتعلق الأمر بسوق الغاز التي يملك فيها رئيس الحكومة حصة الأسد، وذلك ما جعل الاحتجاج الصامت على الشبكة العنكبوتية يتخذ منحى سياسيا من خلال المطالبة بمساءلة رئيس الحكومة وتنحّيه، باعتباره طرفا في الاستفادة غير المشروعة من ارتفاع أسعار المحروقات.

في هذا السياق، كشف استطلاع رأي أعدّه المركز المغربي للمواطنة عن وجود حالة كبيرة من عدم الرضا على أداء الحكومة فيما يخص تدبير الملفات الإجتماعية والاقتصادية.

فيما استشهد الاستطلاع بآراء حوالي 95% من المواطنين  المغاربة رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، وقد كشف عن الاستياء الكبير الذي يُنظر به للتدبير الحكومي.

كما سجل الاستطلاع أن 95 % من المشاركين عبروا عن استيائهم من تدبير الحكومة لملفي ارتفاع ثمن المحروقات و ارتفاع الأسعار، و93 % غاضبون من التدبير الحكومي لموضوع حماية الطبقة الوسطى.

وإلى جانب ذلك، كشف الاستطلاع أن 91 % من المستطلَعين مستاؤون من تدبير حكومة عزيز أخنوش لملف محاربة الفساد، و90 % فيما يتعلق بتدبير ملفي العدالة الجبائية و إصلاح التعليم، كما أن 88% غير راضين يخصوص ملفي تنزيل الدولة الاجتماعية والحوار الاجتماعي.
الاستياء الذي رصده الاستطلاع، يمتد إلى طريقة تواصل الحكومة، إذ عبر 90 % من المشاركين عن استيائهم بهذا الخصوص، و88 % غير راضين عن حضورها.

النسب الكبيرة هي نفسها فيما يتعلق بالثقة في الحكومة، حيث عبر 82 % عن عدم ثقتهم فيها، وأكد 77 % أنهم لا يثقون في المعارضة، في حين أن 81% يرون أن الأحزاب السياسية لا تقوم بدورها.

وبخصوص الشخصية العمومية الأكثر مساهمة في فقدان الثقة في العمل السياسي، فقد جاء عزيز أخنوش في الصدارة بحوالي 49% متبوعا بعبد الإله بنكيران وعبد اللطيف وهبي بأزيد من 13%، في حين عبر نحو 9% من المشاركين في الاستطلاع عن كون جميع السياسيين يساهموم في فقدان الثقة. 

وبالنظر إلى جملة عوامل وأسئلة طرحها رواد فضاءات التواصل الاجتماعي في الأشهر الماضية، وانخرط فيها لفيف من النخبة، فإن الوضع أشبه بتجار المآسي، إذ تكون الأزمات والحروب والاضطرابات التي تعرفها النظم والمجتمعات دافعا لاغتناء فئة من وراء الأزمة، وهذا يحصل بشكل فاحش في الدول التي تغيب فيها آليات الحكامة والمحاسبة. وبصيغة أخرى، يفضي ذلك إلى الفراغ القانوني والمؤسساتي، أو عدم استقلالية المؤسسات الرقابية إلى مدى يجعلها تؤدي وظيفتها الفعالة، كما هو حال مجلس النواب/البرلمان الذي أعدّت له لجنة استطلاعية لأسعار المحروقات وشروط المنافسة صيف 2017 -عقب زيارات ميدانية ولقاءات مع الفاعلين والمستثمرين في قطاع المحروقات- تقريرا يشير إلى حالة الفساد في القطاع. ولكن توصيات اللجنة الاستطلاعية في ذلك التقرير، على ما فيه من وهن وعدم قدرة على التوصيف الصحيح لما شاب قطاع المحروقات من فساد، بقيت حبرا على ورق، بحيث لم تتحول إلى نظم قانونية وإجراءات تحمي المستهلك وتحدّ من نزعة الاحتكار، وذلك راجع إلى عدم الاستقلال الفعلي للسلطة التشريعية في النسق السياسي المغربي، وغياب الآليات التي تجعل المهام الاستطلاعية البرلمانية؛ التي يكون تشكيلها عادة لرصد العديد من الاختلالات والتجاوزات، تحوز سلطة التأثير الفعلي والمباشر في سنّ قوانين ملزمة تعالج الاختلالات الحاصلة.

في نفس السياق، يمكن استحضار العمل الذي قام به مجلس المنافسة الذي يعدّ مؤسسة دستورية ذات طابع استشاري؛ يدخل اختصاصها بشكل مباشر فيما نحن بصدده، حيث عمد مجلس المنافسة قبل سنتين إلى رصد ارتفاع أسعار المحروقات وتحديد هامش الربح الذي جنته شركات المحروقات في ظرفية محدودة عقب تحرير قطاع المحروقات، إلى رفع تقرير لملك البلاد، يفيد بوجود تواطؤات محتملة بين موزعي المحروقات، باحتمال “وجود ممارسات منافية للمنافسة في سوق توزيع المحروقات” كما جاء في بيان له يوم 21 يوليو/تموز 2020، مع فرض غرامة مالية بمبلغ 9% من رقم معاملات موزعي المحروقات بأنواعها الثلاثة بالمغرب، وما دون ذلك بالنسبة للشركات الأخرى. وفي مرحلة لاحقة، رفع تقرير ثان يعمّم الغرامة المالية على كل الشركات بشكل متساو في حدود 8%، ليبرز فيما بعد وجود خلاف داخل المجلس نفسه، حيث تم تكوين لجنة للنظر في سير عمل المجلس، هي التي رفعت توصيات إلى الملك نتج عنها إعفاء رئيس المؤسسة بيوم 22 مارس/آذار 2021، بسبب مخالفات قانونية وتدهور مداولات المجلس، حسب بلاغ للديوان الملكي حينئذ.

ومن خلال تقرير المجلس الذي أفاد بوجود تواطؤات بين موزعي المحروقات، وكذلك التوترات التي شابت المجلس الذي ينتظر منه ضمان التنافس الشريف في الاقتصاد وحماية المستهلك، فإن المصرح به من مؤسسة رسمية هو الاستغلال الفاحش لتحرير قطاع المحروقات، في ظل غياب قوانين ضابطة، أو مع العجز عن تسقيف الأسعار. فتدهور المداولات داخل المجلس نفسه لا يفيد بعدم صحة خلاصات المجلس التي أتت شبه مطابقة لما أسفرت عنه اللجنة الاستطلاعية، وبين عمل اللجنة البرلمانية وما لحق رئيس المجلس يتبيّن حساسية موضوع المحروقات، والتأثير القوي “للوبي” المحروقات، الذي قد ينتج عن حالة الجشع زيادة الاحتقان الاجتماعي والسياسي معا في البلاد، ويؤثر في الثقة المجتمعية بالمؤسسات الدستورية التي تعاني أزمة معمقة في الأصل.

إذ تستحضر حالة الرفض المتنامي لارتفاع أسعار المحروقات، وما ترتب عنها من ارتفاع أسعار للمواد الغذائية في المجمل وعيا سياسيا معمقا ينبغي الانتباه له والاستثمار فيه لتجاوز الاختلالات الحاصلة في نسق السلطة والفراغ الرقابي، من خلال تفعيل المؤسسات وآليات الرقابة على “لوبي” المال والأعمال، حيث تتداخل عند جزء منه المصالح الشخصية بالعامة، وهذا ليس إطلاقا للكلام بشكل مرسل، بل ورد في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، يوم 30 يوليو/تموز 2022، وذلك يفيد دعوة إلى تجنب التماهي في المصالح الفردية على المصالح العامة، والتي عُدّت إشارة إلى الأزمة الحاصلة التي تزيد من انسداد المشهد السياسي والاحتقان على المستوى الاجتماعي.

إذا أن  اقتصاد الريع والتجاوزات الحاصلة في قطاع المحروقات والتي تعبر عن فساد بنيوي يستفيد من طبيعة المنظومة السياسية، يفقد الثقة بالمؤسسات والوسائط السياسية، وعجزها عن حماية المصالح أو الصمت على تجاوزات “لوبي” يشكل تهديدا وخطرا على السلم الاجتماعي والنسق السياسي برمته، مما يعني أن المدخل كامن في ترسيخ الديمقراطية التي تسمح بإفراز نخب يمكن مساءلتها ومحاسبتها، وهو في الواقع ما يغيب عن إفرازات المشهد السياسي الحالي، الذي يزيد من تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع.

والواقع أن الرهان على التنمية برؤية تستبعد المضمون السياسي يحمل أخطارا مجتمعية محدقة، ذلك أن جانبا من الرفض المجتمعي يسائل زواج المال بالسلطة، ويتجه إلى ضرورة الفصل، تجنبا لتحويل المؤسسات إلى مجرد أدوات في يد “لوبي” لا ينشغل بالاستقرار والسلم المجتمعي، إنما بالربح والثروة، وحينما تكون المآسي فرصة للاغتناء من طرف القلة المحتكرة، فإن هذا يكون مهددا للدولة في أحد أسس وجودها واستمرارها.