كل سنة في المغرب، يثير شهر رمضان جدلا ساخنا حول مسألة الإفطار أمام العلن، فتضج وسائل التواصل الاجتماعي بتساؤلات وتبادلات بين من يؤيد ويعارض الظاهرة وتدخل الدولة فيها.
المفطر جهراً في شهر رمضان المبارك يلقى في نفوس الصائمين ضجراً؛ لقداسة الشهر الفضيل باعتباره ركناً من أركان الإسلام الخمسة، ما جعل اللغط والجدل حول الجهر بالإفطار في نهاره مسألة مثارة كلما هل علينا هلاله.
وهذه السنة ليست مختلفة – فأمس، أعادت حادثة في مدينة الدارالبيضاء الجدل إلى ساحة فيسبوك والمواقع الالكترونية بعد أن كشفت الحكومة الملياردير أخنوش عن موقفها الرسمي من اعتقال حوالي 50 شاب المفطرين في نهار رمضان بمقهى بالبيضاء، أمس الأربعاء، وذلك بشبهة المجاهرة بالإفطار في نهار شهر رمضان ، مؤكدةً أن “حرية الآخرين لايجب أن يكون مستفزا لباقي أفراد المجتمع المغربي”.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، اليوم الخميس، خلال الندوة الصحفية، أن طريقة اعتقال الشباب تمت في ظروف إنسانية واحترام دقيق للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل.
وأوقفت الشرطة نحو 50 شابا وشابة كانوا يتناولون الطعام خلال ساعات الصيام، ومعهم العاملون وصاحب المقهى، وأحالتهم إلى التحقيق، قبل إطلاق سراحهم.
مُداهمة عناصر الأمن للمقهى، جاءت نتيجة عدد من الشكايات المتتالية للسكان المجاورين للمقهى، والذين ارتكزت شكاياتهم حول إفطار زبناء المقهى من شباب مسلمين اعلونا جهرهم بالإفطار، دون أي ترخيص شرعي أوعذر، وخصوصاً منهم فئة الشباب.
وتتفاوت مواقف الحكومات من بلد لآخر حول عقوبة المفطر جهراً، لما يسببه من جرح مشاعر الصائمين، إلا أن هذه العقوبة تقابلها آراء مخالفة، حيث يطلبون بترك الحق في الإفطار باعتباره حقاً من حقوق الإنسان.
يجرم المغرب الإفطار العلني في نهار رمضان، حيث ينص الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي رقم 413/1959 على أن: كل مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 12 إلى 120 درهمًا.
بعد الاستقلال حافظت السلطات المغربية على التشريع وضمنته في أول قانون جنائي سنة 1962، وذلك لإضفاء الشرعية الدينية على نظام الحكم في المملكة المغربية الشريفة، خاصة بعد إطلاق صفة أمير المؤمنين على الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه وتضمينها رسميا في دستور البلاد، خوفا من التيارات اليسارية التي كانت تحمل أفكارا ثورية معارضة لأسلوب الشريعة الاسلامية في البلاد.
بداية شهر رمضان، دعت “الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية” المعروفة اختصارا بـ “مالي” مرة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى إلغاء المادة 222 من القانون الجنائي المغربي. إذ بالنسبة لنشطاء هذه الحركة، فهي ليست دعوة لعدم احترام شهر رمضان أو عدم الصوم، وإنما خطوة في مسار الدفاع عن مبدأي الحرية والضمير الفرديين. في هذا السياق، تقول الناشطة في الحركة ابتسام لشكر: “نحن لا ندعو الناس إلى تناول الطعام في الأماكن العامة، ولكننا نطالب بإلغاء المادة 222، وندعو إلى حرية الضمير”.
ميلود بلقاضي، رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، يرى أن المغرب كباقي الدول العربية، مازال يعرف تحديات مرتبطة بالقوانين الجنائية سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق، وبخصوص المادة 222 فإنها في نظره، تحد بصورة مباشرة من الحريات الفردية.
وطالب مجدداَ الحركة مطالبته بإلغاء الفصل 222 وبقية الفصول المجرمة للحريات الفردية واستحضار روح دستور 2011 الذي ينص على حرية الفكر والضمير، مؤكدا على متابعته للملف واتخاذه كل الاجراءات اللازمة بخطوات للحد من مثل هذه الانتهاكات للحقوق والحريات.
“هذه الملاحظة، تفرض التساؤل حول نجاعة إلغاء القانون في بلد يغلب عليه طابع التدين والإرث المعرفي الذي يرفض “التغيير بسهول؟” وفق الباحث المغربي في علم الاجتماع عبد الفتاح الزاهيدي.
والإسلام هو الدين الأكثر انتشارا في المغرب، إذ يشكل المسلمون من المغاربة أكثر من 98 في المئة وفق آخر الإحصائيات.
في مقابل ما سلف ، يرى لحسن بن ابراهيم سكنفل رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة بالمغرب، أن الشخص الذي يدعي أنه حر في أن يعلن إفطاره تحت مسمى الحرية، يعتدي على حرية الآخرين، وهم الأغلبية، والدولة باعتبارها حارسة للسلم الاجتماعي، حامية للشعور العام، من واجبها حماية هذا الشعور العام وفق القوانين الجاري العمل بها. وبلدنا شعبه مسلم في أغلبيته الساحقة، وملك البلاد هو حارس للشريعة حام للدين باعتباره أميرا للمؤمنين وباعتبار الإسلام دين الدولة”.
ويضيف سكنفل: “من أراد الافطار أفطر في بيته ولا أحد يسأله، لأن هذا أمر يعينه وسيحاسب عليه ويسأل عنه عند لقاء الله، أما أن يتطاول بجرح شعور المسلمين والمسلمات فهذا مخالف للحرية، بل هو اعتداء على الحرية، أي حرية المسلمين في هذا البلد في أن يصوموا رمضانهم دون أن يجرح شعورهم بأي مظهر من مظاهر انتهاك حرمة هذا الشهر”.
ويتابع منتقدا: “هؤلاء مدعون، دعواهم باحترام حريتهم في الإفطار باطلة، فهم يفطرون في بيوتهم ولا أحد يسأل عنهم، ولكن غايتهم هو إيذاء الخلق بذلك السلوك المشين، والدولة من مسؤوليتها ومن واجبها باعتبار الإسلام دينها الرسمي، أن تحمي الشعور الديني للمواطنات والمواطنين”.
السلطات بالدار البيضاء تفرج على جميع المفطرين في نهار رمضان ..عقوبة المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان في المغرب
الإفطار العلني في باقي الدول الإسلامية : مَن يبيحه ومَن يجرّمه؟
دول المغرب العربي
الإفطار العلني في المملكة المغربية جريمة قد تُدخل صاحبها السجن. ينص الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي على أن “كل مَن عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقَب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من إثني عشر (1.25$) إلى مائة وعشرين درهماً (12.47$)”. وكل سنة، تنطلق دعوات تنادي بالإفطار العلني، وتتزعم هذه الدعوات الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية، المعروفة اختصاراً بـ”مالي” وشعبياً بحركة “وكالين رمضان”. هؤلاء يدعون إلى إلغاء النص القانوني المذكور باعتبار أن الأكل في رمضان حرية فردية. وبالمقابل، يقوم بعض العلماء والدعاة بالرد على الحركة، وفي حالة الدعوة إلى تجمع في مكان عمومي تتدخل القوات الأمنية وتفرّق الناشطين. وأيضاً، تنشط حركة “ماصايمينش” (لن نصوم) المطالبة بدورها بالحق في الإفطار العلني.
في الجزائر، لا يوجد نص صريح يجرّم الإفطار العلني في رمضان، ولكن يحدث أن تصدر قرارات إدارية بغلق محال بيع المأكولات والمشروبات. وفي رمضان الماضي والذي سبقه، شهدت مدينة تيزي وزو تجمعاً احتجاجياً وإفطاراً علنياً نظمته “حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل”، وذلك اعتراضاً على قيام السلطات المحلية بغلق محل فتح أبوابه خلال النهار في رمضان.
وفي موريتانيا، لا وجود لنص صريح يجرم الإفطار العلني رغم أنه يمكن أن يدخل في الفهم الواسع لمفهوم “انتهاك حرمات الله” الوارد في المادة 306 من القانون الجنائي. لكن واقعياً، بإمكان المواطن الموريتاني أن يأكل في رمضان في الأماكن العامة من دون مضايقة، فالمجتمع متسامح في قضية الإفطار في رمضان، وحالات الإفطار الشائعة عادية وليس لها أبعاد سياسية أو فكرية.
وفي تونس، لا توجد قوانين تجرّم الإفطار العلني في رمضان. لكن أغلب المقاهي والمطاعم تقفل في النهار، ويفتح القليل منها أبوابه لاستقبال المفطرين. لكن يمكن للسلطات أن تتخذ إجراءت قانونية ضد المفطرين علناً بتهمة “الإخلال بالآداب العامة”.
أما في ليبيا، فتُعدّ سلطة المجتمع المحافظ أهم جدار في وجه الإفطار العلني في رمضان. هناك رفض مبدئي للفكرة والمحالّ المختصة بالأكل الجاهز تغلق أبوابها. وبحسب ناشطين، لم تعرف ليبيا ظاهرة الإفطار العلني وبالتالي لم يتم اللجوء إلى استصدار قوانين تجرّمه.
مصر
سنة 2009، شنّت السلطات المصرية حملة مفاجئة وقامت باعتقال مواطنين في الشارع موجّهةً لهم تهمة جديدة اسمها “الجهر بالإفطار”، وفي أبرز الحالات، قبضت على 150 مواطناً في أسوان وأغلقت ثلاثة متاجر. وبعد القبض عليهم فُتحت محاضر لهم واتهموا بالتهمة المذكورة وهي، بحسب ناشطين حقوقيين، لا أساس لها في القوانين والتشريعات المصرية، بينما يقول آخرون إن هناك نصاً قانونياً لا يُطبّق ولكنه ينص على معاقبة مَن يجاهر بالإفطار في نهار رمضان وبمعاقبة مَن يفتح مطعماً. وفي العادة تُخلي النيابة العامة سبيل الموقوفين بعد دفهم كفالة. وقد تكررت هذه الظاهرة العام الماضي في مدينة الإسكندرية، حيث أغلقت بضعة مقاه بتهمة استقبال المفطرين، وهذا ما أثار سجالاً وصدرت بيانات استنكار.
السودان
وفي السودان، كان الإفطار العلني مجرّماً. ولكن عندما وُقّعت اتفاقية السلام مع الجنوب عام ٢٠٠٥، تم تغيير القوانين ولم يعد كذلك، وهذا الحال لا يزال مستمراً بعد انفصال الجنوب. لكن المطاعم يجب عليها الحصول على ترخيص لمزاولة العمل في نهار رمضان، وهو مجرد إجراء إداري الغرض منه تحصيل رسوم فقط لأن معظم المطاعم تغلق لعدم وجود رواد أصلاً.
الخليج
في السعودية تلاحق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المفطرين في رمضان، وتتلقى المحاكم كل رمضان عشرات القضايا في هذا السياق ويحكم فيها القاضي بناءً على اجتهاده. وتصل العقوبة عادة بحق المجاهرين بالإفطار إلى السجن والجلد، إضافة إلى عقوبة الإبعاد من المملكة العربية السعودية إذا كان الفاعل أجنبياً.
وفي الكويت، يعاقب القانون رقم 44 لسنة 1968 على الإفطار العلني في رمضان، وقد جاء فيه: “يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة دينار (331$) وبالحبس لمدة لا تتجاوز شهراً أو بإحدى هاتين العقوبتين: أ- كل من جاهر في مكان عام بالإفطار في نهار رمضان؛ ب- كل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة، ويجوز غلق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض لمدة لا تجاوز شهرين”. وتصدر الحكومة الكويتية بياناً سنوياً يشدد على حرمة شهر رمضان ويحذر من المجاهرة بالإفطار فيه، وتغلق المحالّ والمطاعم أبوابها.
وفي الإمارات، تعتبر المجاهرة بالإفطار في رمضان من الجرائم الماسة بالعقائد والشعائر الدينية، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم(544$).
وفي قطر، تنص المادة 267 من القانون الرقم 11 لسنة 2004 على تجريم الأكل في نهار رمضان، وتعاقب المخالف بالحبس لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال (824$)، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولا يفرق القانون القطري بين المسلم وغيره إذ تقبض دوريات الشرطة على كل مَن يأكل في نهار رمضان.
وفي عُمان، في الباب الحادي عشر من القانون الجزائي وتحت عنوان “في القباحات”، تنص المادة الرقم 31210: “يعاقَب بالسجن التكديري أو الغرامة من ريال إلى خمسة ريالات (13$) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أقدم على نقض الصيام علناً في شهر رمضان من المسلمين بدون عذر شرعي”.
ويجرّم القانون البحريني الإفطار العلني ويعتبره جنحة عقوبتها قد تزيد عن ثلاثة أشهر، ويخول مأموري الضبط القضائي بتوقيف مَن يجاهر بالإفطار في نهار رمضان ولا يفرق بين المقيم والزائر والمسلم وغيره.
العراق
في العراق، يعاقب القانون على الإفطار العلني بالسجن خمسة أيام إلا أنه يستثني المرضى والمسافرين. وقبل يومين، أصدرت وزارة الداخلية بياناً أكّدت فيه على إغلاق جميع المطاعم الشعبية خلال شهر رمضان ومنع المجاهرة بالإفطار العلني وإحالة المخالفين إلى القضاء. ولكنها استثنت من قرار الإغلاق المطاعم من الدرجة الأولى داخل المدن والمطاعم السياحية على الطرق الخارجية.
اليمن
لا يوجد في اليمن قانون يجرم الإفطار العلني في رمضان، لكن دوريات الشرطة بإمكانها اعتقال الأشخاص بتهمة فعل فاضح في الطريق العام أو بتهمة ازدراء الأديان. لكن في العموم، فإن احتمال حصول ذلك ضعيف لأن المواطن اليمني يحافظ على سريه الإفطار من باب احترام مشاعر الصائمين.
سوريا
لا يوجد قانون يجرم الإفطار العلني في رمضان، ولا يفرض على أصحاب المحال غلقها. وقد درجت العادة في دمشق على أن المطاعم المملوكة من قبل المسلمين والتي تعمل في المناطق التي يعيش فيها مسلمون يغلقها أصحابها بمحض إرادتهم، وعلى أن المطاعم المملوكة من قبل المسيحيين أو العاملة في المناطق التي يقطن فيها مسيحيون لا تغلق إطلاقاً. ولكن حالياً، في ظروف الحرب فإن الإفطار العلني ممنوع في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة الإسلامية.
الأردن
تنص المادة 274 من قانون العقوبات الأردني على الحبس لمدة شهر وغرامة مالية بقيمة 25 ديناراً (35$) لمَن يفطر علناً في رمضان. ويرتبط تطبيق المادة بمزاج رجل الأمن فقد يغضّ النظر في حالات ويطبق العقوبة في حالات أخرى. ويُسمح بتقديم خدمات الطعام والشراب وحتى المشروبات الروحية في الفنادق من فئة خمس نجوم وفي المطاعم من فئة ثلاث نجوم. كما يسمح لمطاعم الوجبات السريعة بالعمل دون أن يُسمح لزبائنها بتناول الطعام داخلها.
فلسطين
لا يوجد قانون يجرّم الإفطار العلني في رمضان. لكن مع كل رمضان، تقوم السلطات المحلية في الضفة الغربية بإصدار لائحة تحدد فيها الممنوع والمسموح وقد تختلف من منطقة لأخرى، وعادة تسمح هذه اللوائح بتغريم المفطر علناً أو توقيفه لفترة قصيرة. أما في قطاع غزة فالسلطات المحلية تمنع الإفطار العلني لاعتبارات أخلاقية ودينية.
لبنان
في لبنان، لا يوجد قانون يجرّم الإفطار العلني في رمضان. ولكن في بعض المدن والأحياء حيث الغلبة للمسلمين ديموغرافياً، تقفل المطاعم ويعتبر تناول الطعام أمام الصائمين عيباً ويحط من مكانة المفطر اجتماعياً.
باقي الدول العربية
يجرم الإفطار العلني في جزر القمر. وفي الصومال، قامت المحاكم الإسلامية بتجريمه حين سيطرت على مناطق من الدولة عام 2006، وراحت تعاقب عليه بعقوبات تعزيرية قد تصل إلى القتل. أما في بقية مناطق الدولة، لا يوجد نص قانوني يعاقب على الإفطار العلني، ولكن التقاليد الاجتماعية تستهجن الإفطار علانية دون عذر. برغم ذلك، يمكن مشاهدة أشخاص يمضغون القات جهاراً دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منهم بسبب امتلاكهم السلاح. ويمكن القول بشكل عام إن المواطن الصومالي لا يتمتع بحرية المجاهرة برأيه دون أن يكون مستنداً إلى قوة العشيرة والسلاح.