يبدو أن المعارضة المغربية المشتتة والمتفرقة اجتمعت أخيرا، لكن هذه المرة في بيت عبدالإله بنكيران بالعاصمة الرباط، ولم تعد تفرق بين إسلامي ويساري وليبرالي، من أجل التنسيق والتوافق حول الاشتغال جنبا إلى جنب في عدة ملفات، وضد “تغول الحكومة”.
أي شكل ستكون عليه المعارضة الحالية؟ وماذا يمكن أن تقدم للعمل الحكومي وللمغاربة من جديد؟ وهل ستتناغم مع مطالب الشارع أم أنها ستظل في حدود المرسوم لها، بممارستها معارضة برلمانية داخل رفوف البرلمان؟
هذه أسئلة من أخرى تطرح اليوم على المعارضة التي تتكون من ثلاثة أقطاب،العدالة والتنمية و الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية. وعليه، فالمشهد السياسي يعود للتشكل من جديد، بأغلبية متحكمة ومعارضة ضعيفة جداً، ستحيي أيام زمان البرلمان، بمناظرات فقهية، مع إلغاء مشاريع القوانين وإقبار الجمعيات الحقوقية.
التساؤل المطروح على أحزاب المعارضة البنكيرانية في البرلمانية هو: هل سيقتصر دورها في المعارضة على قبة البرلمان أم ستبدع في أشكاله؟ وإذا كان في الماضي لحزب العداللة والتنمية والاتحاد الاشتراكي أذرعه النقابية والشبابية والنسائية والجمعوية لتتعدد واجهاته النضالية، فالأمر مختلف بالنسبة بعد تراجع أفقد نقابة العدالة والتنمية صفة النقابة الأكثر تمثيلا جراء عدم تجاوزها عتبة 6 بالمئة من نتائج الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي يخرجها قانونا من دائرة النقابات التي يحق لها الدخول في الحوار الاجتماعي مع الحكومة.
من جهته ، قال عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية أنه تم التوافق بين رؤساء الأحزاب على الاستمرار في التنسيق، رغم أن الاختلاف موجود، وذلك في ثلاث مستويات أساسية، أولها؛ عند مس الحكومة بأمر من الأمور التي تهم المجتمع، وكذا عند مسها ببعض أسس العمل الديمقراطي، فضلا عن التنسيق المجتمع في القضايا التي تهدد البلد.
وأشار بوانو في تصريح لموقع Pjd، بعد اللقاء الذي جمع رؤساء الفرق بعبد الإله بنكيران، إلى أن هذا التنسيق بين المعارضة والتشاور مع الأمناء العامين للأحزاب يأتي في ظل التحديات التي تعرضت لها المعارضة من حيث تغول الحكومة، ومساسها بعض أسس العمل السياسي.
وأضاف “نحن ننتمي لأحزاب من مشارب وتوجهات وإديولوجيات مختلفة، اتفقنا في البرلمان على الحفاظ على الحد الأدنى من اشتغالنا، وهذا لا يمنع أن نضع قياداتنا في الصورة وطلب الدعم والتوجيه منها”، لافتا إلى أن المعارضة نسقت بينها في الجانب التشريعي وأساسا قانون المالية، ثم نسقت في مسائل الرقابة، وقد بلغ التنسيق لتنظيم أيام دراسية مشتركة.
ومن جانبه، صرح رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أن التسيق بين المعارضة يأتي في سياق غياب الحكومة في الساحة السياسية وتواصلها، وعدم تفاعلها مع اقتراحات وملتمسات المعارضة، والتضييق على عملها.
من جهته، صرح عبد الرحيم شهيد رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي، لموقع البيجيدي، بأن سلسلة اللقاءات مع الأمناء العامين لأحزاب المعارضة غايتها التنسيق في عدة ملفات، وقد سجل رؤساء الأحزاب أهمية اشتغال المعارضة موحدة في مجموعة من القضايا، فمصلحة الديمقراطية تقتضي أن تأخذ المعارضة المبادرة لتحقيق التوازن أمام عجز الحكومة في كثير من الملفات.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن تطلّع الشارع المغربي لمرحلة جديدة مع تشكل حكومة أخنوش بعد تبنيها نهج التغيير والتجاوب مع انتظارات المغاربة الكثيرة والملحة، بدأ في التراجع، فإن أحزاب المعارضة وجدت في ارتفاع الأسعار، الذي طاول العديد من المواد الاستهلاكية، فرصة لتصفية حساباتها مع الحكومة.
واتهمت أحزاب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، و”التقدم والاشتراكية”، و”الحزب الاشتراكي الموحد”، أخيراً، الحكومة بـ”التقصير” في حلحلة الملف الاجتماعي، و”عدم التدخل لحماية القدرة الشرائية للمواطن”، و”الاستمرار في سياسات الهروب إلى الأمام، والبحث عن المبررات غير المقنعة”.
وحذرت هذه الأحزاب في بيانات لها من أن الأوضاع الاجتماعية والسياسية تهدد بـ”الانفجار”.
في المقابل، أكدت الحكومة أنها قامت بجهود كبيرة للحفاظ على أسعار عدد من المواد الأساسية لتفادي ارتفاع أثمانها على المواطن المغربي، من بينها الحفاظ على أسعار غاز البوتان والدقيق، والماء الصالح للشرب والكهرباء، على الرغم من أن هذه الأخيرة ارتفع ثمنها، لارتباطها بأسعار الغازوال (الديزل)، معتبرة أن هذه الإجراءات عملت على تقديم دعم غير مباشر للمواطن المغربي.
وعى النظام في المغرب مبكراً أهمية العمل النقابي وخطورته. لذلك، عمل منذ الاستقلال على تشتيت النقابات وتدجينها وقمعها. وعندما نتأمل، اليوم، مآلات ثورات الربيع العربي، ونلاحظ أن التجربة التونسية وحدها التي نجحت، نجد أن من بين العوامل الرئيسية التي ساعدت على هذا النجاح وجود نقابة عمالية واحدة قوية، اختارت الوقوف إلى جانب الثورة في لحظة حاسمة، ولعبت، ومازالت تلعب، بفضل حيادها واستقلاليتها، دور الحكم بين الفرقاء السياسيين، في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تعبرها تونس اليوم.
فالتجربة البولونية، في ثمانينيات القرن الماضي، من خلال نقابة “تضامن” بقيادة ليش فاليسا، والتجربة التونسية الحديثة في عهد “الاتحاد العام التونسي للشغل”، خير مثال على الدور الذي يمكن أن تلعبه النقابات في التحولات التاريخية الكبرى في بلدانها، وفي محيطها، بل وفي العالم. لذلك، لا غرو أن تفشل كل الثورات والتحولات التي عرفتها باقي الدول العربية التي لا توجد فيها حركة نقابية قوية، أو توجد فيها نقابات ضعيفة ومشتتة، كما الحال في المغرب.
كان إضعاف العمل النقابي استراتيجية مهمة في احتواء المعارضة السياسية في المغرب، وكسر أذرعها الاجتماعية. لكن، إذا كانت هذه الاستراتيجية قد نجحت، في الماضي، في احتواء احتقان الشارع، فإن ضعف النقابات، اليوم، أدى إلى ظهور حركات احتجاجية غير مؤطرة، مستفيدة من انكسار حاجز الخوف الذي أسقطته رياح “الربيع العربي”، ومن ثورة تقنيات التواصل الحديثة التي غيرت المفاهيم، وقرّبت المسافات، واختزلت الزمن.
ظهور مثل هذه الحركات الاحتجاجية بقوة دليل على موت العمل النقابي التقليدي، ومؤشر على ما يمور داخل المجتمع من تحولات كبرى، لا تتحكم فيها الأحزاب أو النقابات، وإذا كانت مطالب هذه الحركات، اليوم، ذات طابع اجتماعي، فما الذي يمنع من أن ترفع غداً مطالب سياسية.