ليسَ سهلًا على الإطلاق أن تتعرض لخيبة أمل.. ومن الضروري الإشادة في هذا السياق بالنجاح الدبلوماسي المهم واللافت جدا، الذي حققته المملكة المغربية الشريفة فيما يتعلق بالصحراء المغربية بمراكش. فقد نجحت المملكة بدبلوماسية هادئة رصينة ورزينة في تسجيل الكثير من النقاط لصالحها بعد احتمال كبير لحدوث تحول جذري في موقف الاتحاد الأوروبي نفسه، بدأت تتضح معالمه منذ أن انضمت ألمانيا وقبرص وإيطاليا وهولندا إلى صفوف عدد متزايد من الدول الغربية والعربية والأفريقية في التعبير عن دعمها للاقتراح الذي قدمه المغرب في 2007 بخصوص الحكم الذاتي كمخرج لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.
هذا النجاح يحسب وبجدارة للدبلوماسية المغربية التي تمكنت من إعادة العلاقات مع دولة مهمة جدا في الصعيد الاقتصادي الأوروبي والعربي والأمريكي ومن الدول المؤثرة في محيطها العام دون التنازل عن أي حق ولا التفريط في أي هدف، وبذلك تنجز المملكة المغربية بهدوء وعقل وحكمة نصرا دبلوماسيا كبيرا وتفتح صفحة جديدة مع دولة مهمة ذات ثقل، وتكتب بذلك الإنجاز درسا دبلوماسيا من الممكن أن تستفيد منه العديد من الدول حول العالم.
هذا الانتصار الدبلوماسي ، ما أغاظ الأعداء حتى اتهمت جبهة العار والانفصال البوليساريو الدول التي ساندت مقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية بـ”الارتشاء”بعد اللقاءات الثنائية التي جرت على هامش أشغال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد “داعش” بمراكش ومن بينها هولندا وتركيا ومصر والسعودية وإسبانيا وقبرص ورومانيا، مبدية أيضا غضبها من ربطها بالإرهاب.
واعتبرت البوليساريو نفسها معنية بما جاء في هذا الاجتماع من إشارة إلى العلاقة التي باتت تربط الحركات الانفصالية بالجماعات المتطرفة في إفريقيا، حيث جاء في بيان لما يسمى “وزارة الشؤون الخارجية” في مخيمات تندوف بالجزائر، أن “المغرب يلجأ إلى التزوير والمغالطات والأكاذيب بهدف تضليل رأيه الداخلي وربح الوقت لمواجهة أزمة عميقة تدفع كل يوم نحو المجهول”، وأضافت أن “ما حصل في مراكش يثبت فشلا وورطة للرباط، وأن إلصاق تهم الإرهاب والانفصال بالشعب الصحراوي يؤكد خيبة الأمل لدى السلطات المغربية”.
ولم تُخف الجبهة غضبها من البيانات المشتركة المُعلنة لدعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، لدرجة أنها وضعت نفسها في موضع المتحدث الرسمي باسم حكومات تلك الدول لنفس مضامينها، وأوردت أن المغرب “يتعمد إصدار بيانات ملفقة وأكاذيب وتصريحات ينسبها إلى بعض الوفود المشاركة تعبر فيها، حسب ادعاءاته، عن تأييدها لمشروعه التوسعي الإلحاقي تحت ما يسميه بالحكم الذاتي”
وخلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع، الذي عُقد برئاسة مشتركة مغربية أمريكية، قال بوريطة إن “التحدي الذي يواجه إفريقيا حاليا هو بروز التيارات الساعية للانفصال والمرتبطة بالإرهاب والتي لديها وسائل مالية وتكتيكية ولها علاقات قائمة مع المجموعات الإرهابية غالبا ما نجد الانفصال والإرهاب وجهين لعملة واحدة”، موردا “علينا ألا نخطئ، لأن تشجيع الانفصال يعني التواطؤ مع الإرهاب”.
تشير تقارير متطابقة إلى أن مخيمات تندوف التي تضم صحراويين خاضعين لسلطة ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية وتحت حرابها، تعيش أوضاعا مزرية وإهمالا من قبل القائمين عليها وأن هذا الوضع دفع بالكثيرين منهم إلى الانخراط في المشروع الإرهابي في المنطقة وبعض من تلك العناصر التحقت بصفوف فرعي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة في منطقة الساحل والصحراء.
وكشفت تسجيلات صوتية وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن وجود٬ أعضاء تنظيمات إرهابية يعلنون دعمهم الواضح لميليشيات الجبهة الانفصالية.
وأشار موقع هسبريس إلى فيديو متداول بعنوان “الويل للغزاة.. لقد جاؤوا أولاد الصحراويات” يظهر فيه شخص اسمه عثمان عبد المولى يتبنى خطاب ولغة المجموعات الإرهابية، موجها تهديده إلى المغرب.
مركز إرهابي
ووفقا للتسريبات فإن البوليساريو تنسق مع متطرفين في مالي وليبيا، للحصول على عناصر ودعم من أجل تنفيذ عمليات ضد الجيش المغربي.
والتحق المئات من عناصر البوليساريو في السنوات الأخيرة بصفوف تنظيمات إرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وتحديدا التابعة لفروع القاعدة التي تنشط بكثافة في منافسة مع الفرع الإفريقي لتنظيم داعش.
وانتقل التخوف إلى أوروبا، بعد ارتفاع ظاهرة التحاق عناصر من ميليشيات البوليساريو بتنظيمات الإرهاب والتطرف، حيث حذر فيديل سينداغورتا، المدير العام للسياسة الخارجية والأمنية بوزارة الخارجية الإسبانية والاتحاد الأوروبي والتعاون، من التهديد الإرهابي الحقيقي الذي تشكله جبهة البوليساريو في منطقة الساحل على الجوار الأوروبي.
وعبّر المسؤول الإسباني عن قلق مدريد من تزايد تجنيد الصحراويين ضمن التنظيمات الإرهابية التي تنشط بمنطقة الساحل والصحراء.
وقال إنه “صدم” حين علم أن عدنان أبو الوليد الصحراوي، زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، ينحدر من مخيمات تندوف، منبها إلى أن هذه المنطقة أضحت أرضا خصبة للإرهاب.
ووفقا للمسؤول الإسباني فإن الإرهاب في منطقة الساحل قد نما بشكل كبير، حيث قتل 4500 شخص العام الماضي، مسجلا ارتفاعا بحوالي 1300 قبل العام الماضي.
وكانت هناك تحذيرات على لسان مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية المغربية عبدالحق الخيام من تنامي النشاط الإرهابي في منطقة المغرب العربي تحديدا بسبب عمليات الاستقطاب للمتطرفين ومنهم من ينتمون للبوليساريو.
وتمتد الصحراء المغربية على مساحة 252 ألف كيلومتر على الساحل الشمالي الغربي للقارة. وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة إذ يبلغ تعداد سكانها 567 ألف نسمة وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة والبنك الدولي.
المغرب يتمكن من تحقيق مكاسب دبلوماسية في ظل عزلة متفاقمة لجبهة البوليساريو
وصفت هولندا اليوم الأربعاء خطة المغرب للحكم الذاتي في اقليم الصحراء بأنها جادة وذات مصداقية، مقتربة من موقف الرباط بشأن المنطقة المتنازع عليها والتي تسعى جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر لإقامة دولة مستقلة فيها.
وفي بيان مشترك مع المغرب، بعد اجتماع لوزيري خارجية البلدين في الرباط، قالت هولندا أيضا إنها تدعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى “حل عادل ودائم ومقبول للطرفين”.
وتنضم هولندا إلى صفوف عدد متزايد من الدول الغربية والعربية والأفريقية في التعبير عن دعمها للاقتراح الذي قدمه المغرب في 2007 بخصوص الحكم الذاتي كمخرج لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.
ويسيطر المغرب، الذي يعتبر نفسه مالكا للصحراء، على المنطقة منذ منتصف السبعينيات عندما انسحبت منها إسبانيا القوة الاستعمارية السابقة، ويقول إن أقصى ما يمكن أن يقدمه هو الحكم الذاتي تحت سيادته.
وتجمد صراعه مع جبهة البوليساريو في 1991 بوقف لإطلاق النار بدعم من الأمم المتحدة والذي تضمن خطة لإجراء استفتاء لتحديد وضع الإقليم.
بالرغم من ذلك، لم يتم قط الاتفاق على قواعد للاستفتاء وتوقفت الأمم المتحدة عن الإشارة إليه كخيار، ودعت، بدلا من ذلك، الأطراف للمرونة والعمل من أجل “حل مقبول للطرفين”.
وقالت البوليساريو في أواخر 2020 إنها ستستأنف نشاطها المسلح رغم عدم وجود دليل على قتال كبير فيما تدعم الجزائر النوايا الانفصالية للبوليساريو ما يهدد امن المنطقة.
ويحشد المغرب الدعم لخطة الحكم الذاتي من الدول الغربية، منذ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الإقليم في 2020.
ومع النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الرباط فيما يتعلق بالصحراء المغربية قررت الجزائر في اغسطس/اب الماضي قطع علاقتها مع جارتها الغربية بذريعة تعرضها لتهديدات وهو امر نفته الرباط جملة وتفصيلا.
أعلنت مدريد ي 18 مارس/اذار دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، معتبرة إياها حاليا “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”. واستنكرت الجزائر “تحوّل” موقف مدريد واستدعت في اليوم التالي سفيرها في إسبانيا.
وامام تلك التطورات أشهرت الجزائر ورقة الغاز في وجه اسبانيا ويبدو ان هولندا ستواجه بدورها الغضب الجزائري.