لم تتأخر إسبانيا في الردّ على تصريح أدلى به رئيس مجلس المستشارين المغربي، النعم ميارة، قال فيه خلال لقاء نظمته منظمة المرأة التابعة لحزب الاستقلال الذي ينتمي له، أن المغرب سيسترجع مدينتي سبتة مليلية المحتلتين، عبر التفاوض الجاد ودون اللجوء إلى لغة السلاح.
قالت وزيرة دفاع مدريد، مارغريتا روبليس، إن المدينتين المذكورتين، إسبانيتان، مثل زامورا وفالنسيا، مؤكدة أن هذا الموضوع غير قابل للمناقشة.
ونقل موقع الإذاعة والتلفزيون الإسباني عن مارغريتا روبليس قولها إن موقف حكومة بلادها من الموضوع واضح وقوي، وبالتالي فالمسألة غير قابلة للمناقشة مطلقا.
جاء رد الوزيرة مباشرًا على تصريح لرئيس مجلس المستشارين المغربي نعام ميارا الذي أكد أن المدينتين مستعمرتان ويجب إعادتهما إلى المغرب من خلال الحوار مع إسبانيا.
وكان النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) قد أطلق نهاية الأسبوع الماضي تصريحات تحدث فيها عن إمكانية استعادة سبتة ومليلية في المستقبل من خلال المفاوضات، دون اللجوء إلى السلاح.
رئيس مجلس المستشارين المغربي: سنسترجع سبتة ومليلية بدون سلاح أو تنازل
وتعليقًا على البيان ، قال روبلز إن “سبتة ومليلية إسبانيتان مثل زامورا أو فالنسيا ، ولا يوجد شيء آخر يمكن مناقشته في هذا الموضوع”.
وأضافت “زرت سبتة ومليلية مؤخرًا وأشعر أنني من كلتا المدينتين وهما إسبانيتان للغاية” ، مؤكدة أن “موقف الحكومة الإسبانية واضح وقوي ولا توجد إمكانية لمناقشة هذا الأمر. . ”
ملحمة سبتة ومليلية
كانت سبتة ومليلية جزءً من المغرب قبل الاستعمار الإسباني ، وحتى بعد أن طالب المغرب باستقلاله عن إسبانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، تشبث البلد الأوروبي بالجيبين ورفض تسليمهما إلى الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.
المدينتان هما آخر الأراضي الأفريقية الخاضعة للسيطرة المباشرة لدولة الاحتلال الإسباني.
على مر السنين ، كانت هناك مكالمات متعددة لتحرير المدينتين وإعادتهما إلى المغرب. يصف الكاتب المغربي الطاهر بن جلون القواعد الإسبانية للمدينتين بأنها “احتلال معاصر” للمغرب.
في مقابلة مع وسائل الإعلام الإسبانية في مايو 2021 ، شدد بن جلون على أن “سبتة كانت دائمًا أرضًا مغربية” ، مضيفًا أنه من “غير الطبيعي” لقوة أوروبية مستعمرة سابقة أن تحتل بلدًا في هذا اليوم وهذا العصر.
كما أظهر بعض السياسيين الإسبان قطيعة مع خطاب إسبانيا بشأن الجيبين ، حيث أعلنت وزيرة الإسكان الإسبانية السابقة ماريا أنطونيا تروخيو في سبتمبر 2022 أن سبتة ومليلية “إهانة لوحدة أراضي المغرب”.
أكد تروخيو أن المدينتين تمثلان “بقايا من الماضي” تتعارض مع العلاقات المغربية الإسبانية المعاصرة.
وقالت إن “الادعاء المغربي [بشأن سبتة ومليلية] مبرر تماما لأنه غرس في أيديولوجيته الوطنية ولا يمكن التخلي عنه” ، داعية البلدين إلى الشروع في حوار لحل القضية.
أثار تصريح الوزيرة السابقة ردود فعل عنيفة في إسبانيا ، حيث شكك العديد من السياسيين الإسبان في موقفها وجادلوا بأن المنطقتين تتمتعان بـ “إسبانية” طويلة الأمد.
أصبحت المدينتان جزءً من إسبانيا خلال الاستعمار الإسباني للمغرب بين عامي 1912 و 1956.
انتقدت المتحدثة باسم حزب تروخيو الاشتراكي في الكونجرس الإسباني ، باتشي لوبيز ، تصريحاتها قائلة إن حزبه لا يشك في “إسبانية” المدينتين.
هذه التصريحات قوبلت برفض مماثل من قبل فرعي الحزب في سبتة ومليلية ، وحكومتي المدينتين اللتين وصفتا الموقف المؤيد للمغرب بأنه “خائن” وجادلا بأنه “لا يمكن مناقشة السيادة والإسبانية للمدينتين أو الشك”.
في شهر فبراير المنصرم ،دخلت العلاقات بين المغرب واسبانيا منعطفا جديدا من التعاون في مختلف المجالات وسط تقارب في الرؤى فرضه تغيير مدريد لموقفها من ملف الصحراء المغربية وتأييد مشروع الحكم الذاتي ما يفتح المجال أمام شراكة إستراتيجية غير مسبوقة ستتعزز بتوقيع العديد من الاتفاقيات من بينها 24 اتفاقية لتسهيل الاستثمارات الاسبانية في المغرب.
وقد مثلت زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الرباط للمشاركة في اجتماع وزاري ثنائي رفيع المستوى تكريساً “للشراكة الإستراتيجية” بين البلدين .
وجاء سانشيز على رأس وفد حكومي يضم عددا من الوزراء للقاء نظرائهم المغاربة الخميس في الاجتماع الرفيع المستوى الذي لم يلتئم منذ ثمانية أعوام.
ويكرس الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية المصالحة التي توصّلتا إليها في آذار/مارس الماضي، حين أعلن سانشيز تأييد اسبانيا مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع في الصحراء المغربية.
وأشاد الملك المفدى محمد السادس، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الاسباني قبيل وصوله الرباط، “بالمرحلة الجديدة للشراكة الثنائية” بين الجارين، وفق ما أفاد بيان للديوان الملكي.
كما دعا العاهل المغربي رئيس الحكومة الإسبانية لزيارة المملكة مجدداً “في زيارة رسمية في أقرب الآجال”، من أجل “تعزيز العلاقات الثنائية بمشاريع فعلية في مختلف المجالات”.
بدوره ثمن رئيس الحكومة المغربي عزيز اخنوش خلال المنتدى الاقتصادي المغربي الاسباني الذي عقد الأربعاء في الرباط تطور العلاقات بين البلدين قائلا انها “عميقة ووثيقة” وبأنها دخلت مرحلة جديدة مع دعم السلطات الاسبانية لمشروع الحكم الذاتي.
كما أشاد اخنوش وفق ما نقله موقع “هسبرس” المغربي بشجاعة الحكومة الاسبانية في تبني مشروع الحكم الذاتي مشددا على ان المنتدى الاقتصادي سيكون “مناسبة لتعزيز ودعم الشراكات الاقتصادية وتسريع وتيرة الاستثمار المشترك في ظل الدينامية السياسية التي تشهدها العلاقات بين البلدين”.
وقال “بان العلاقات التي تجمع المغرب واسبانيا عميقة ووثيقة مشيرا إلى ان “ان المبادلات بين المغرب واسبانيا غنية وتتجدد باستمرار”.
وتطرق للصعوبات التي عرفتها العلاقات بين البلدين ونجاحهما في تجاوزها قائلا ” “إن كانت هذه العلاقات قد عانت، في بعض الفترات، من سوء الفهم، فقد كنا دائما نجد السبل الكفيلة بتجاوز ذلك”.
وتحدث اخنوش عن تعزيز التعاون مع اسبانيا في مجال مكافحة الإرهاب بتفكيك خلايا إرهابية لداعش وفي ملف الهجرة غير النظامية ” بالنجاح في منع 63 الف محاولة للهجرة غير الشرعية و تفكيك 250 شبكة لتهريب المهاجرين في 2021″.
ويعد ملف الهجرة استراتيجيا في علاقات البلدين، إذ تراجع تدفق المهاجرين غير النظاميين على إسبانيا بنسبة 25 بالمئة في العام 2022، وفق أرقام رسمية اسبانية، بفضل استئناف التعاون الأمني بين البلدين في هذا المجال.
وتناول اخنوش مسالة التعاون الطاقي مع اسبانيا مشيرا لأهمية أنبوب الغاز المغاربي-الأوربي حيث مكن اسبانيا بالتزود بالغاز طيلة 25 سنة عبر الأراضي المغربية .