مسلسل “كاينة ظروف” يثير غضباً واسعاً ويفتح النقاش حول صعوبات الاندماج بعد السجن

0
586

أثار مسلسل “كاينة ظروف” الذي تعرضه القناة المغربية الأولى خلال شهر رمضان 2023 غضباً واسعاً بعدما اختار القائمون عليه موت الشخصية التي بادرت إلى التبرع بكليتها. وحذّر الغاضبون من أن مثل هذا المشهد قد يتسبب في عزوفٍ عن التبرع في الوقت الذي صارت فيه العملية آمنة وسريعة.  

و”كاينة ظروف” دراما اجتماعية من 30 حلقة، من بطولة ثلة من الممثلين، من بينهم راوية وسامية أقريو وابتسام العروسي وأسامة بسطاوي وعبد النبي البنيوي وعبد الرحيم المنياري ومن تأليف السيناريست بشرى ملاك وإخراج إدريس الروخ.




 

وتدور أحداث المسلسل حول قصص ثلاث نساء اختلفت الظروف التي رمت بكل واحدة منهن إلى السجن، فيتعرف المشاهد في حلقاته الأولى على أحلامهن ورغباتهن البسيطة داخل السجن، بينما تتناول باقي حلقات المسلسل حياتهن الجديدة بعد معانقة الحرية.

واستطاع هذا العمل الدرامي الذي يعرض في القناة المغربية “الأولى” أن يحقق نسب مشاهدة عالية، كما تفرد بمعالجته قضايا اجتماعية لم يألفها الجمهور المغربي.

وركزت حلقات المسلسل على تناول مختلف العراقيل والصعوبات التي تعترض السجينات بعد انقضاء العقوبة السجنية، من الوصم الاجتماعي الذي يحول دون قبولهن في المجتمع ورفضهن من طرف الأقارب والأبناء ومعاناتهن في الحصول على فرصة عمل، معاناة تحول حياتهن الجديدة إلى زنازين مفتوحة دون قضبان.




كتب الصحافي أنس عياش: “لا أدري أيّ شيطان ركب كاتبة مسلسل “كاينة ظروف” كي تدمر بمشهد كهذا جهوداً يبذلها كثيرون على مدار العام لإشاعة ثقافة التبرع بالأعضاء! مشهدٌ صادم في مسلسل أحيا كثيراً من معاني التضامن والإنسانية، ثم نَسَفها سريعاً بضربةٍ قُبيل النهاية”. 

أستاذ طب الكلي، طارق الصقلي الحسيني، كتب “كم خاب ظني وظن من حاورتهم حين اختار الساهرون على المسلسل أن يكون الموت مصير المتبرعة. لقد جانبوا الصواب بهذا الاختيار الدرامي، وضاع بذلك أملنا أن يكون لهذا “العمل الفني” دور تحسيسي إيجابي يساهم في نشر ثقافة التبرع بالأعضاء لدى المغاربة”.

وتابع: “أتأسف لوضع الإنتاج الإعلامي المغربي الذي ينقل رسائل سلبية مغلوطة ويغفل عن رسائل إيجابية ومبادئ إنسانية مهمة. فالإنتاج الإعلامي ليس مجرد ترفيه أو إثارة أو تسلية، بل هو أداة قوية لتشكيل الرأي العام والثقافة الشعبية وتوجيههما نحو الإيجابية والتقدم. لكن هيهات!”. 

ووصفت ملاك حياة السجينات بعد انقضاء المدة الحبسية بـ”السجن الكبير”، مستعرضة في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، جملة من المتاعب والعراقيل التي تحول دون تحقيق اندماج سلس في حياتهن الجديدة.

وقالت مالك في حديث لموقع العمق المغربي “لقد كنت واعية بهذه المسألة أثناء الكتابة. ولهذا لم أقتل زهور في المستشفى، إذ ما قتلها هو إهمالها لصحتها”، “أخ زهور كان يشجعها باستمرار على الذهاب إلى الطبيب لكنها كانت ترفض وتقول إنها ستنتنظر حتى موعد الزيارة العادية”. 




 

وتتمنى ملاك أن يساهم مسلسل “كاينة ظروف” في تغيير مختلف تلك الصور النمطية المرتبطة بالسجناء، وتعول على انفتاح الأعمال الدرامية مستقبلا على معالجة باقي الظواهر المسكوت عنها في المجتمع.

وفي السياق نفسه، ترى السيناريست المغربية أن الدراما المغاربية “تعشق تقليد الدراما الأجنبية” وتتغاضى عن تناول الوقائع الاجتماعية المحلية التي تلامس واقعهم اليومي.

وتابعت “يتطلع الجمهور المغاربي إلى دراما تنهل من واقعه اليومي، فنجاح ‘كاينة ظروف’ أو مسلسلي السابق ‘بنات العساس’ راجع إلى تناولهما جانبا من الحياة المعيشية للمغاربة، وكما هو الشأن في الجزائر بالنسبة لمسلسل ‘أولاد الحلال’، فهذه الأعمال الدرامية نجحت في الوصول إلى الجمهور وأحبها لأنها تشبهه وتتناول واقعه اليومي”.

من جانبه، تأسف رئيس المرصد المغربي للسجون، عبد اللطيف رفوع، لحال السجناء وخاصة السجينات ما بعد فترة السجن، لافتا إلى وجود صور نمطية ووصم اجتماعي يحول دون اندماجهن في حياتهن الجديدة.

ويرى رفوع، في تصريح لـ”أصوات مغاربية”، أن النقاش حول واقع السجينات بعد الإفراج عنهن “غائب عن مختلف الدوائر”، وأنهن يعانين بسبب صور نمطية يساهم الإعلام في تكريسها، وفق تعبيره.

وتابع: “يعاني السجناء لإيجاد عمل بسبب وثيقة السجل العدلي (وثيقة السوابق القضائية) فهذه الوثيقة التي يشترطها أرباب العمل تحرم السجناء السابقين من العمل، بمعنى أن هذه الصور النمطية اللصيقة بالسجناء موجودة أيضا في القوانين المغربية وفي المؤسسات المغربية سواء كانت عمومية أو خاصة”.

وتساءل رفوع عن جدوى برامج إعادة إدماج السجناء داخل المؤسسات السجنية، لافتا إلى أنه “آن الأوان أن يفتح المجتمع نقاشا من أجل خلق مصالحة مع المؤسسات المغلقة، وأعتقد أن الدراما والإعلام مدعوان إلى المساهمة في هذا النقاش، لأنه وللأسف الشديد قليلة هي المسلسلات والأفلام التي تناولت حياة السجينات وما يتعرضن له من عنف وتمييز”.

وأضاف “بعد مغادرتها أسوار السجن تعاني المرأة من استغلال للحصول على عمل، وتحول الوصمة الاجتماعية دون زواجها ودون حصولها في بعض الأحيان على حضانة أبنائها، بمعنى أن القانون بحد ذاته لا يرحم المرأة السجينة وينظر إليها في إطار مدونة الأسرة على أنها فاقدة لمختلف الحقوق الأساسية، وأستطيع أن أقول إن 1122 امرأة سجينة الموجودات حاليا في السجون سيعاني أغلبهن من مختلف أشكال الاستغلال بعد مغادرة السجن”.