يعد المغرب من البلدان المتوسطية المتنوعة المجال البيولوجي والمناخي، بموقعه الجغرافي المتميز بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والصحراء الكبرى، واحتوائه على سلسلة جبلية يفوق ارتفاعها 1460 متراً. وتمثل الغابات ثروة مهمة تمتد على 8 في المئة من مساحة التراب الوطني. وتصنف هذه النسبة المغرب من أفضل الدول الجنوب المتوسطية غابياً، علماً أن 91 في المئة من أراضيه جافة الى شبه جافة. ويوفر القطاع الغابي نحو 10 ملايين يوم عمل سنوياً في العالم القروي، و28 ألف وظيفة في المقاولات، و14 وظيفة في مجال التحويل، و26 ألف فرصة عمل في جمع الخشب.
بدوره ، نبّه رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي إلى أن النظم البيئية الغابوية تتعرض لتدهور مقلق يُقدر بحوالي 17 ألف هكتار سنويا.
وقال الشامي خلال تقديم رأي المجلس حول “النظم البيئية الغابوية بالمغرب: المخاطر والتحديات والفرص” أن هذا التدهور يرجع بالأساس إلى الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، وممارسات الرعي الجائرة، والاستغلال المفرط لجميع الموارد الغابوية الذي يتجاوز بشكل كبير قدرات التجدد الطبيعي (التخليف)، بحيث يبلغ مثلا الاستخراج المفرط للحطب سنويا حوالي 3 ملايين طن، وهو ما يفوق مرتين إلى ثلاث مرات القدرة الإنتاجية للنظم البيئية الغابوية.
وعدد الشامي الوظائف المهمة للرأسمال الغابوي الذي يغطي حوالي 13% من مجموع المساحة الوطنية؛ ومنها مُساهمته في تنظيم الموارد المائية، وتعزيز القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، والمساهمة في تأمين الحاجيات الطاقية، وتوفير خدمات إيكولوجية لفائدة الساكنة المحلية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يساهم قطاع الغابات بنسبة 1,5% من الناتج الداخلي الإجمالي، أي بحوالي 17 مليار درهم سنوياً، كما يوفر ما بين و 10 ملايين يوم عمل، أي ما يعادل 50 ألف منصب شغل قار، و يساهم في توفير خشب البناء وخشب الصناعة بنسبة 30%، فضلا عن توفير 4 % من العرض العالمي لبلوط الفلين، و 17% من احتياجات كلأ الماشية على الصعيد الوطني.
وبالنظر للانعكاسات السلبية لتدهور الرأسمال الغابوي، قدم المجلس مجموعة من التوصيات، على رأسها تكثيف عمليات إعادة التشجير والتخليف من خلال تنظيم حملات وطنية، وتحديد المساحات المستهدفة وتعزيز الاستثمارات المستدامة، وتقديم التحفيزات الضريبية للمقاولات المعنية؛ وإعادة النظر في الاختيارات المتعلقة بالأصناف الغابوية المعنية بإعادة التشجير والتخليف.
كما دعا إلى اعتماد نمط الرعي بالتناوب على المناطق المخصصة للرعي، وتحديد قدرتها الاستيعابية، ومواكبة ودعم الساكنة المحلية والرعاة من خلال الصندوق الوطني الغابوي لتشجيع مشاريع زراعة الأشجار الغابوية المثمرة والنباتات العطرية والطبية في الأراضي الخاصة والجماعية.
وأكد المجلس على أهمية تقاسم رؤية منسقة بين مختلف الأطراف المعنية مع إشراك الساكنة المحلية من أجل تحويل المجال الغابوي إلى مجال قادر على الصمود في وجه المخاطر، وتعبئة الاستثمارات ذات الطابع المستدام، وتعزيز القطاعات الواعدة التي من شأنها تثمين موارد هذا المجال الطبيعي، وايجاد بدائل اقتصادية للحد من اعتماد الساكنة على الموارد الغابوية.
وأوصى بإعادة تأهيل النظم البيئية الغابوية من خلال الانتقال التدريجي من صيغة الحق الانتفاع الممنوح للساكنة المعنية إلى استرجاع هذه الحقوق من قبل الدولة في جميع المناطق المحمية، مع إدماج الساكنة المحلية في أنشطة اقتصادية بديلة، والرفع التدريجي من مساحة المناطق المحمية من 3.76% إلى 30% بحلول عام 2050، وذلك تفعيلا للالتزامات الدولية في مجال التنوع البيولوجي.
وأكد المجلس على ضرورة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تتبع عمليات التشجير، ومراقبة ومكافحة حرائق الغابات، وذلك بالاستفادة من خبرة وتجارب القطاع الخاص في هذا المجال.
كما دعا إلى إحداث مُدَوَّنَةٍ للغابات يتم بموجبها تجميع وتحيين النصوص القانونية المعمول بها؛ وتحديد حقوق والتزامات جميع الأطراف المتدخلة؛ وتدقيق طرق وكيفيات حماية التنوع البيولوجي، وتحسين سلامة النظم البيئية الغابوية، ومكافحة حرائق الغابات وتأمين الملك الغابوي من خلال استكمال تحفيظ المساحات الغابوية المتبقية.
وتساهم الغابة المغربية بمداخيل للسكان القرويين والجماعات المحلية تقدر بأكثر من 5 بلايين درهم سنوياً (630 مليون دولار) طريق الاستغلال المباشر وفق حقوق الانتفاع، من خشب وحطب للتدفئة ورعي للمواشي. كما تساهم بنحو 2 في المئة من الناتج الداخلي الزراعي و0,4 في المئة من الناتج الداخلي الوطني. وهذه المساهمة لا تأخذ في الاعتبار سوى قيمة الاستهلاكات المباشرة في إطار سلاسل الانتاج المنظمة للسوق الوطنية، أما اذا أخذت في الاعتبار المداخيل المباشرة للسكان المجاورين للغابات فيمكن تقديرها بنحو 10 في المئة من الناتج الداخلي الزراعي.
وتصل قيمة المواد الغابية ومشتقاتها التي يستوردها المغرب الى 5,5 بليون درهم (690 مليون دولار). وتبقى الصادرات في هذا الباب محدودة تقتصر على عجينة الورق والفلين بقيمة 1,3 بليون درهم (165 مليون دولار)، وبذلك لا تتجاوز نسبة التغطية 23 في المئة.
وتشكل الغابة ثروة اقتصادية، اذ تنتج سنوياً 600 ألف متر مكعب من خشب النشارة والصناعة بنسبة 30 في المئة من الحاجات الوطنية، و10 ملايين متر مكعب من حطب التدفئة بنسبة 30 في المئة من الحصيلة الطاقيّة، و1,5 بليون وحدة علفية سنوياً بنسبة 17 في المئة من حاجات القطيع الوطني، فضلاً عن منتجات مختلفة تتضمن 15 ألف طن من الفلين و4000 طن من العسل و850 طناً من الفطر.
لكن حجم الاستنزاف الذي يتعرض له هذا المجال الطبيعي يتفاقم باستمرار بفعل عوامل طبيعية وبشرية، كالرعي الجائر والقطع غير القانوني للأشجار والهجمات الطفيلية التي تتسبب، إضافة الى العوامل المناخية، في تطور غير عادي لبعض أجزاء هذه الغابات. وتشهد الغابة المغربية تراجعاً يبلغ نحو 31 ألف هكتار سنوياً على مستوى كثافة الأشجار (وهذه مساحة فرضية لترقيم التراجع، ولا تعني فقداناً فعلياً لمساحة الغابة).