بعد مبدع..محكمة النقض تؤيد إدانة البرلماني عيدودي في قضية “تبديد المال العام”..هل بداية اعلان الحرب على الفساد أم المعارضة؟

0
491

اعتقال البرلماني الحركي الوزير الأسبق محمد مبدع الكثير واليوم تأييد حكم قضائي ضد برلماني من نفس الحزب ، هل البلاد تشهد  تحريك المياه الراكدة في الساحة السياسية الوطنية، أم هي حملة “محتملة” لمحاربة العديد من الأسماء السياسية المشتبه تورطها في قضايا فساد إلى القضاء، تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

عدد المنتخبين المحليين المتابعين أمام القضاء إلى غاية سبتمبر الماضي 39 منتخباً، من بينهم 17 رئيس بلدية و6 نواب للرئيس و7 أعضاء و9 رؤساء سابقين.

من جهتها، رفضت محكمة النقض، الأربعاء،  طلب الطعن الذي تقدم به البرلماني عن الفريق الحركي عبد النبي عيدودي صاحب عبارات “هشة بشة”، بنقض الحكم الاستئنافي الصادر عن غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط.

وكانت محكمة الاستئناف بالرباط، في يوليوز 2022، أيدت حكماً ابتدائياً يقضي سنتين موقوفة التنفيذ في حق البرلماني  عن حزب المعارضة، بتهمة تبديد المال العام خلال فترة رئاسته لمجلس جماعة الحوافات بسيدي قاسم.

فيما قال رئيس جمعي حمياة المال العام ، محمد الغلوسي، في تدوينة على الفايسبوك، :برلماني هشة كشة ورئيس جماعة الحوافات سابقا اقليم سيدي قاسم ورئيس جماعة الكداري حاليا التابعة ترابيا لنفس الإقليم يجد نفسه مطوقا بقرار قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به بعدما رفضت محكمة النقض طلبه الرامي إلى نقض القرار الجنائي الإستئنافي الصادر عن محكمة الإستئناف بالرباط والتي قضت في وقت سابق بتأييد الحكم الصادر عن غرفة الجنايات الإبتدائية بذات المحكمة وذلك بإدانة السيد عبد النبي العيدودي من أجل جناية تبديد اموال عمومية طبقا لمقتضيات الفصل 241 من القانون الجنائي بسنتين موقوفة التنفيد وغرامة نافذة قدرها 5000 درهم .

في وقت سابق قبل تأيد محكمة النقض الحكم، كتب البرلماني عيدودي على حسابه بـ”فيسبوك” سلسلة من التدوينات قبل صدور الحكم وبعدها من بينها: “النهاية” و”لن نستسلم” و”لم يبقى منا ولنا منكم ولكم إلا الدعاء”، و”انتهى الكلام”.

وكان قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمدينة الرباط، قد أصدر في فبراير 2022، حكما في حق النائب البرلماني الحركي، بسنتين حبسا موقوفة التنفيذ بتهمة تبديد المال العام خلال فترة رئاسته لمجلس جماعة الحوافات بسيدي قاسم، بعد تقدم مستشاري جماعة الحوافات، بشكاية اتهموا فيها عيدودي الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس الجماعة، باختلاس أموال عمومية، لعدم مطابقة ما تم إنجازه، في مشاريع أنجزتها الجماعة، على أرض الواقع مع ما هو مضمن في دفتر التحملات خاصة ما يتعلق بنوعية الزليج وأحجار الرصيف وأعمدة الإنارة الكهربائية.

في المغرب يتصارع في المعركة على الفساد طرفان، كلاهما يعتمد أسلحة وعتاداً خاصة بهما. فالذي اختار شقّ مكافحة الفساد يعتمد وسائل تبدو محدودة وضعيفة أمام حجم الفساد كتنظيم الندوات واللقاءات وإلقاء الخطب. ومن حين إلى آخر، تتخذ بعض القرارات المعزولة من دون أيّ أثر فعلي. بالمقابل، يلجأ الداعمون لبقاء بيئة داعمة للفساد إلى آليات أكثر تطورا، في سعيهم للتحكم في كواليس الحكم بالوسائل المؤثرة في اتخاذ القرارات، سواء بإفراغ أيّ تحرك لمكافحة الفساد من محتواه وإدخاله في دوامة مفرغة من التعطيل، أو باعتماد آليات التحكم السلطوي للسيطرة وبسط النفوذ والتي تراوح بين التحكم الناعم والتحكم العنيف من خلال الترغيب والمكافأة أو استعمال العنف والتهديد. فمن يصمت ويقبل أن يكون جزءا من دورة الفساد يغنم المغانم من مناصب ومال وجاه، ومن يواجه ويتحدى ويندّد، فمصيره العزل والتشويه والهرسلة.

والغاية هي الإبقاء على منظومة الفساد ونشر ثقافة تطبّع معها باعتماد أساليب متسلطة لترويض المواطنين وجعلهم يتقبلون الفساد كمعطى لا يثير الاعتراض والعمل على تمجيده ليصبح الفاسدون محل إعجاب ومثالا يحتذى على أساس نجاحهم الاجتماعي وقدرتهم على كسب ثروات طائلة من دون الإهتمام بمصدرها. تتم عملية “الترويض” وهو مصطلح مستعمل في أدبيات علم النفس السلوكي من خلال التحكم في تحديد نتائج السلوك، أي في تحديد ما يستدعيه من مكافأة أو عقاب. وهي آلية تستعملها أنظمة الحكم المتسلطة لبسط نفوذها. وتعتمد هذه الآلية لفرض الفساد كواقع على “ترويض” وتعويد العموم على أنه لا فائدة من مكافحة الفساد وأن كل المحاولات للتصدي له مصيرها الفشل ويمكن أن تعود بالوبال على أصحابها. فلم تؤدّ القضايا المرفوعة ضد جرائم الفساد في أغلبها إلى نتيجة وخرج أغلب المتهمين فيها بأخف الأضرار ولم تصدر أحكام إلا على شريحة صغيرة من الفاسدين.

وبحسب تقديرات الجمعيات العاملة في مجال حماية المال العام، يكلف الفساد في المغرب خسائر مالية كبيرة تصل إلى 50 مليار درهم (الدولار يساوي 10 دراهم) سنوياً، أي ما يعادل 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

ووفق تقرير حول إنجازات وزارة الداخلية لسنة 2022، تم تقديمه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أثناء مناقشة موازنة العام الحالي، فقد بلغ عدد المنتخبين المحليين المتابعين أمام القضاء إلى غاية سبتمبر/ أيلول الماضي 39 منتخباً، من بينهم 17 رئيس بلدية و6 نواب للرئيس و7 أعضاء و9 رؤساء سابقين.

وفي وقت ينتظر فيه أن تبدأ، خلال الأيام المقبلة، فصول التحقيق بشكل تفصيلي مع القيادي الحركي في سياق متابعته القضائية، اتسم تعامل السلطات المغربية مع مكافحة الفساد داخل الجماعات الترابية (البلديات) بين تسريع تحريك المتابعة القضائية في حق بعض رؤساء البلديات، بناء على التقارير التي تنجزها المفتشية العامة للإدارة الترابية في بعض الأحيان، وإبقائها حبيسة الأدراج في أحيان أخرى.

وفي السياق، رأى عزيز غالي، رئيس “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” (أكبر تنظيم حقوقي مستقل في المغرب)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن اعتقال البرلماني محمد مبدع غير كافٍ للقول بوجود توجه لمحاربة الفساد، لافتاً إلى أن المغرب بحاجة إلى مؤشرات أكثر قوة لتأكيد ذلك.

واعتبر غالي أن “اعتقال البرلماني لا يمكن إلا أن نعتبره خطوة إيجابية، لكن المسار الذي سيأخذه الملف هو الذي سيحدد الكثير من الأشياء”.

وأوضح أن “الإشارة القوية التي ستؤكد التوجه نحو محاربة الفساد، هي فتح مجموعة من الملفات التي يتورط فيها عدد من البرلمانيين والمسؤولين السياسيين، الذين كانوا موضوع شكايات متعددة حول نهب المال العام والفساد”.

وتابع: “إذا كانت هناك فعلاً إرادة سياسية لمحاربة الفساد، فهناك مجموعة من الملفات التي يجب فتحها، وأن يتقدم فيها التحقيق إلى نهايته، وليس الاكتفاء فقط بممارسات معزولة”.

يبقى مفتاح الحرب على الفساد بيد السلطة. فكل النجاحات في دحر هذه الآفة على مستوى دولي ارتبطت بعزم الساسة على مكافحة الفساد وقدرتهم على خوض هذا الصراع بكل قوة وفاعلية وديمومة. ورغم أن كل الحكومات المتعاقبة ما بعد 2011 أعلنت في خطابات البداية وتصريحات جلها الحرب على الفساد واستعدادها لمكافحته وأعربت عن جديتها في اتخاذ بعض الإجراءات. إلا أن إعلانات النوايا سرعان ما تصطدم بواقع يبرز تغلغل الفساد وسطحية التعامل مع هذا الوضع. وهي سطحية لا يعرف إن كانت مرتبطة بسوء نية أم هي ناتجة عن عدم قدرة حقيقية على خوض الصراع، وفي كل الحالات فإن النتيجة واحدة: فشل متواصل في التحكم في الفساد.