هل يتمكن وزير العدل واليسار من تطبيق المساواة بالميراث وإسقاط حضانة الأم وتجريم تعدد الزوجات في المغرب؟

0
322

بين فترة وأخرى، يثار النقاش في الشارع المغربي حول “المساواة في الإرث”، إذ يستند من يطالبون بتفعيله إلى نص الفصل 19 من الدستور المغربي، الذي نص على المساواة وعدم التمييز.

المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث مطلب قديم يتجدد بين الحين والآخر، وهو مطلب استشراقي في منشئه كما ذكر كولسون في كتابه الميراث في الأسرة المسلمة وكذلك جولدتسهير وسميث، ثم تبعهم نصر حامد أبوزيد وحسن حنفي والتيار الحداثي بشكل عام، وبالجملة فهناك قرابة 10 مسائل كل من يتحدث عن التجديد لابد أن يطرحها في مقدمتها المساواة في الميراث

في هذا الصدد، جدّدت فيدرالية اليسار الديمقراطي،مطالبها في مذكرة اقتراحية خاصة بتعديل مدونة الأسرة، من أجل إدخال تعديلات بعد مرور 18 سنة على آخر تعديل.

وتنصبّ القضايا الخلافية بين اليساريين والإسلاميين وهم الأكثرية في المغرب حول تعدد النساء بالنسبة للرجل الواحد، وتزويج القاصرات، ورفع الحضانة عن الأم في حال زواجها من رجل ثان.

وقد تضمنت مذكرة اليسار الجديدة مجموعة من المطالب، تؤكد فيها على ضرورة تحديد السن القانوني للزواج في 18 سنة للرجل والمرأة معا وبدون استثناء، والتجريم القانوني لتعدد الزوجات.

واقترحت الفيدرالية، “اتخاذ الإجراء ات الكفيلة بعدم تحول دعوى ثبوت الزوجية إلى طريقة للتحايل على منع زواج القاصر وعلى منع التعدد، وتحديد السن القانوني للزواج في 18 سنة للرجل والمرأة معا وبدون استثناء”، و”المتابعة الجنائية للراشد الذي يكون طرفا فيه، ولكل من ساعد في حصوله بأية صورة من الصور أو حاول ذلك”.

وأكدت الفيدرالية، على ضرورة”فتح إمكان حصول خطبة في سن 16 سنة، على ألا يتم الانتقال من الخطبة إلى عقد الزواج إلا بعد بلوغ سن الرشد حيث يقرر آنذاك الطرف، الذي لم يكن بالغًا 18 سنة قبل هذا التاريخ، هل يستمر في اختياره أم لا، ولا يترتب عن عدوله أي تحملات”.

وضمن مقترحات التعديلات التي وجهتها فيدرالية اليسار الديمقراطي، “التجريم القانوني لتعدد الزوجات، وحذف المواد التي تشير إليه (40 – 41 – 42 43 – 44 – 45 – والإشارة الواردة في المادة 51)، وذلك من منطلق أن كرامة المرأة لا تسمح بأن يكون لها نصف زوج أو ثلث أو ربع زوج، وأن الزواج تعاقد على وجه الدوام في السراء والضراء”.

كما أكدت الهيئة، على ضرورة “التنصيص على أن ما يُشترط في الشاهدين على عقد الزواج، هو إتقان اللغة التي يكتب بها العقد وليس الانتماء الإسلامي”. مطالبة بـ”إلغاء كافة المقتضيات التي تربط الصداق بالعملية الجنسية (المواد 27– 31 – 32) لما في ذلك من إهانة للمرأة، ولمخالفته لتعريف الصداق الوارد في المادة 26″.

وأضافت الفيدرالية، “يجب التأكيد على أن الهدايا (بما فيها الصداق) تعبير عن المودة والحب (ولا ترمز إلى عقد شراء) وبالتالي، فالصداق لا يرد، بعد عقد الزواج، بغض الطرف عن حصول علاقة حميمية أو عدم حصولها”، مقترحة“التنصيص على أن من يتسبب في العدول عن الخطبة لا يسترد ما دفعه ويَرُدُّ ما أخذه، وفي حالة العدول الاتفاقي يتفق الطرفان على مصير الهدايا، أما في حالة موت أحد الطرفين فلا يجب أن يتحمل الطرف الثاني تبعة ذلك”.

واقترحت الفيدرالية كذلك “حذف (الولاية عند الاقتضاء) في إبرام عقد الزواج، وللمرأة، كما للرجل، حق الوكالة عوض الولاية إذا فرضت ذلك ظروف خاصة واستثنائية”.، مع “إلغاء زواج التفويض (أي عدم تحديد الصداق وقت إبرام العقد) وليس للمحكمة أن تحدده لأنه أمر يهم الطرفين فقط”.

وفيما يخص الإرث، اقترحت فيدرالية اليسار الديمقراطي، “ضمان المساواة في الإرث، عندما لا يكون المتوفى قد ترك وصية تفصل مآل تركته، بين الرجل والمرأة، عندما يشغلان نفس المراكز في سلم القرابة، وذلك لأن مبررات قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين انتفت، فواجب النفقة يطال الزوجين معا، ولم يعد الذكور هم من ينفق، في جميع الأحوال، على الإناث”,  و“السماح بحق التوارث بين الأزواج رغم اختلاف الديانة، و”السماح بزواج المسلم بغير المسلمة سواء كانت كتابية أم لا، كذلك “السماح بزواج المسلمة بغير المسلم إذا التزم في العقد بعدم عرقلة التزاماتها الدينية أو حملها على تغيير ديانتها”.

كما اقترحت الفيدرالية، “اعتماد الوصية كأصل عام، مع تحريرها من القيود التي أدخلها عليها الفقه التقليدي (مثل قيد : الوصية في حدود ثلث التركة – وقيد: لا وصية لوارث)، وعدم اللجوء إلى قسمة الإرث، كليًا أو جزئيا، إلا في حالتي انعدام الوصية تماما أو وجودها مع تغطيتها لجزء فقط من التركة”، مشددة على أنه “لكل شخص الحق في أن يحدد في نص وصيته، بصورة عامة وحتى بدون تحديد الأسماء والأشخاص بذواتهم، طبيعة النظام القانوني الذي يود تطبيقه في تقسيم تركته بما في ذلك رغبته في إعمال القواعد الواردة بالمدونة الحالية للأسرة”.

وعبرت الفيدرالية، عن رفضها إسقاط الحضانة عن الأم الحاضنة بمجرد زواجها، مطالبة بجعل الولاية على الأولاد بيد الزوجين معا، انسجاما مع منطوق المادة الرابعة من مدونة الأسرة التي تنص على أن الأسرة تخضع لرعاية الزوجين، وجمع الحاضنة، بعد الطلاق، بين الحضانة والولاية على المحضونين، مع حق الزوج في الطعن في كيفية تدبيرها.

واقترحت فيدرالية اليسار، أيضا “اعتماد الخبرة الجينية للاستبراء وإثبات الحمل والنسب، (وليس الإقرار/ الفراش/ الشبهة) باعتبارها وسائل قديمة. “ومراعاة المصلحة الفضلى للطفل في تحديد مصير جميع الأطفال المزدادين خارج إطار الزواج، وضمان حق الأمهات في اللجوء إلى القضاء لتقرير الحق في نسب هؤلاء، مع مساعدتهن في ذلك”.

في المقابل، كان حزب العدالة والتنمية في المغرب قد أبدى اعتراضه على ما أسموه “الاختراقات” التي قد تشمل إصلاح مدونة الأسرة.

وفي وقت سابق نقل موقع حزب “العدالة والتنمية” عن الأمين العام عبد الإله بن كيران، تحذيره من الاختراقات التي قال إنها تتهدد الأسرة المغربية من قبل جهات معينة. وقال خلال افتتاح مؤتمر المنظمة النسائية التابعة للحزب الإسلامي أنذاك : “يجب أن تحذروا إلى ماذا نحن فيه سائرون، كل حاجة يضعون لها اسماً ويبدلونها عن حقيقتها، ونحن لا يمكننا أن ننساق وراء دعوات تهدد الأسرة”.

وتابع مخاطباً المواطنين: “أيها المغاربة إنهم يتهددون أسركم”، واعتبر أن مواجهة “هذه الاختراقات” يجب أن يكون بالتمسك بالمرجعية الدينية.

وأعلن رفضه القاطع لدعوات المساواة في الإرث بين الجنسين، معتبراً أن هذه القضية محسومة بنص القرآن، ولا يمكن الاعتماد على القوانين الأوروبية في هذا المجال.

وفي اعتقاد بنكيران ، فإن المغاربة لا يريدون المساواة في الإرث بحسب الإحصائيات، واعتبر أن المطالبين بتغيير مثل هذه الأحكام الشرعية يستجيبون “للأعداء” الموجودين وراء البحار ويضرهم أن المرأة المغربية تلقن أبناءها القيم والمبادئ والعقائد، التي بها فتح أجدادهم الأندلس وأفريقيا ووصلوا إلى الهند وباكستان، وقال: “بلادكم اليوم محتاجة إليكم للدفاع عنها، والدفاع يكون عبر الدفاع عن القيم والمبادئ”.

وينص الدستور المغربي في الفصلين 19 و164 على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، فيما يلزم الفصل 6 الدولة بتفعيل القوانين التي تضمن المساواة بين المواطنين والمواطنات.

الحديث عن أن إعطاء المرأة النصف كان من قبيل التدرج مع العرب الرافضين لمبدأ إعطاء المرأة حديث مغلوط، ومنقوض بما جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهَا مَا فَرَضَ لِلْوَلَدِ الذِّكْرِ وَالأُنْثَى وَالأَبَوْينِ كَرِهَهَا النَّاسُ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَقَالُوا : تُعْطَى الْمَرْأَةُ الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ، وَتُعْطَى الاِبْنَةُ النِّصْفَ، وَيُعْطَى الْغُلاَمُ الصَّغِيرُ، وَلَيْسَ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ يُقَاتِلُ الْقَوْمَ وَلاَ يَحُوزُ الْغَنِيمَةَ اسْكُتُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَاهُ، أَوْ نَقُولُ لَهُ فَيُغَيِّرُهُ فَقَالْ بَعْضُهُمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُعْطِي الْجَارِيَةَ نِصْفَ مَا تَرَكَ أَبُوهَا، وَلَيْسَتْ تَرْكَبُ الْفَرَسَ، وَلاَ تُقَاتِلُ الْقَوْمَ، وَنُعْطِي الصَّبِيَّ الْمِيرَاثَ، وَلَيْسَ يُغْنِي شَيْئًا ؟ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لاَ يُعْطُونَ الْمِيرَاثَ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَ، وَيُعْطُونَهُ الأَكْبَرَ فَالأَكْبَرَ. فالعرب إذا اعترضوا على مبدأ إعطاء من لا يقاتل حتى الأطفال الذكور، ولو كان الأمر بالتدرج ومسايرة الناس فيما يقبلون لتركهم الإسلام على ما هم عليه، لكنه حسم الأمر بالآيات البينات قطعية الثبوت والدلالة من نزولها إلى قيام الساعة.

النص الذي قرر أن المرأة ترث نصف الرجل ليس نصا أو قاعدة عامة في الميراث وإنما في حالتين اثنتين فقط: الأولي: في حالة ميراث الأبناء والبنات إذا ورثوا بالتعصيب، فيكون للذكر ضعف حظ الأنثى، يقول تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” النساء: 11. الثانية: في حق ميراث الإخوة والأخوات، يقول تعالى: “وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” (النساء: من الآية176)، ومن درس الفرائض والمواريث يعلم أن هناك عشرات الحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أوترث ولا يرث. وهذا النص قطعي الدلالة يعني أن دلالة ألفاظه لا تحتمل سوى تفسير واحد. وهذا الموضع هو الذي تنطبق عليه القاعدة الأصولية: لا اجتهاد مع النص، أي: لا اجتهاد في معارضة النص قطعي الثبوت والدلالة، وإنما الاجتهاد في تطبيقه وتنزيله والقياس عليه.. إلخ.

من أهم مقاصد الشريعة في الأمور المحددة والمعينة والمقدرة، كأنصبة المواريث، وأعداد الركعات، ومقادير الزكوات وغيرها مقصد الضبط والحسم لإخراج الناس من الحيرة والاضطراب والاختلاف والتنازع، والغموض والإبهام والإفراط والتفريط عند التقدير والتنفيذ، وهذا المقصد موجود في جميع الشرائع والقوانين، فالعقوبات في القوانين محددة بطرائق مختلفة ك5 سنوات أو7 وكذا الغرامات المالية، مع أنه يمكن الزيادة عليها أو التنقيص منها، والقصد من ذلك كله الضبط والحسم بكيفية واضحة للناس يسهل عليهم ضبطها والاحتكام إليها والعمل بها كما ذكر الفقيه المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني. ومقصد الضبط والحسم يتضح أكثر في دعاوى ومطالبات المساواة، فقد قرأت لبعض الاخوة والأخوات الداعين للمساواة يقولون: سنعطى البنات أكثر من الذكور! تجاوزنا المساواة إذاً إلى الهوى والتشهي وعدم الضبط والفوضى.

القول بالمساواة يلزم منه تغيير المنظومة بكاملها، منظومة الإرث والأسرة، فتقرير عدم العدل في صورة لعدم تساوى الأنصبة بين الرجل والمرأة، يلزم منه وجوده في كل الصور التي تختلف فيها الأنصبة، كما يجب طرد المساواة في ملف الأسرة بكامله في المهر، والحضانة، والنفقة وهكذا. تأسيس المطالبة بالمساواة على اختلاف وضعية المرأة في عصرنا من حيث عملها ودخلها وإنفاقها، يعني تغيير سبب الإرث وتعديله من القرابة كما حددها الشرع إلى التنمية أو العمل، وعليه فلابد من تعديلات أخرى في المنظومة حسب دعوى التنويريين فيُحرم المعاق والطفل مثلا من الإرث؛ لأنه لا يعمل ولا ينتج مثل المرأة اليوم! والقول به يعنى العودة إلى الجاهلية فقد حرموا الأطفال من الميراث؛ لأنهم لا يقاتلون، ثم جاء الإسلام فأعطى الطفل بمجرد الاستهلال أي الصراخ عند الولادة.

وظيفة الإجماع الأصولي -إذا ثبت بشروطه- كدليل من الأدلة النصية المتفق عليها، نقل الأحكام من الظنية إلى القطعية، ونفي الاحتمالات الواردة على النص، ولهذا شُرط في المجتهد أن يعرف المسائلَ المجمع عليها، حتى يُخرجها من حسابه في الاجتهاد والنظر. فإذا أجمع الفقهاء قديما وحديثا على حرمة زواج المسلمة من الكتابي، أو على أنصبة الوارثين رجالا ونساء، فدائرة الاجتهاد والنظر في الحُكمين أُغلقت بالإجماع السابق، وانحصر الاجتهاد في فهم فلسفة الحكم وحكمته، وكيفية تنزيله في الواقع، لا في نقضه وتغييره، ولهذا فإن بعض الأصوليين قدَّم الإجماع كدليل على الكتاب والسنة، والسبب أنه اعتمد في مستنده على الكتاب والسنة، لكن بحث ونظر واجتهاد في دلالة النص على الحكم. والقضايا الإجماعية المستقرة على الأقل نظريا في تاريخ الأمة تمثل الثوابت التي لا يجوز الخروج عليها، وهي تجسد الوحدة الفكرية والشعورية والعملية للأمة وتعصمها من التفكك والذوبان.

عندما يقول الله عز وجل في آيات المواريث: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) } [النساء: 11]، ويقول: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12]، ويقول {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13، 14]، ويقول: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، ويقول: “يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله أعطى كل ذي حق حقه” بعد كل هذا البيان والتأكيد والتشديد يأتي من يقول: إن الحكم لا يناسب عصرنا ولابد من المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث! هذا اتهام للشريعة بالنقص، وللمولى الجليل بالظلم وعدم العدل، أفكلما غابت عنا حكمة تشريعية، أو بعداً فلسفياً لحكم من الأحكام نادينا بإلغائه، وطالبنا بتعديله؟! على أن التوارث قائم على فلسفة مقاصدية ومصلحية، وقد فتح بابها وبين بعضها الدكتورين: محمد عمارة، وصلاح سلطان، ويقيني أن الدراسة الفلسفية المتعمقة لمنظومة الإرث في الإسلام ستنتج تصورات مذهلة عندها سيرتد بصر المطالب بالمساواة خاسئاً وهو حسير.

لقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم الفرائض، واختص بإتقانها وإجادتها بعض الصحابة كزيد بن ثابت، وجاءت آياتها حاسمة قاطعة لمنع التبديل والتحريف والتغيير بمرور الزمن، ولمنع التنازع والتقاتل والاختلاف بشأنها، وهي من الأحكام النادرة التي فُصلت تفصيلا دقيقا وشاملا محكما في القرآن الكريم. لقد كشف الجدال بشأن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث عن خلل كبير في خطابنا الديني، ومناهج وعمل مؤسسات ومعاهد التعليم الشرعي في العالم العربي والإسلامي في مقدمتها الأزهر الشريف الذي عارض توجه المساواة بوضوح؛ إذ لم تنجح هذه المؤسسات في تحصين المسلمين ثقافيا، وتوعيتهم إلى ثوابت ومحكمات دينهم، بالبيان المقاصدي والفلسفي المعمق، وجاءت مناهج الفقه والمواريث خالية من بيان المقصد والعلة والحكمة، فلاقت تلك الدعوات قبولا عند شرائح من الناس، ومن الطريف أنه لم يخل بيان علمائي رافض للمساواة من الاستشهاد بما أنتجه الدكتورين العالمين: محمد عمارة، وصلاح سلطان وهما ليسا بأزهريين!

ومؤخرا أظهرت نتائج دراسة حديثة أنجزتها “جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية”، بشراكة مع “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، هيمنة الرأي الرافض لأي تعديل لمنظومة الإرث وسط المجتمع المغربي.

وأفادت الدراسة بأن 86.6 في المئة يعرفون قواعد نظام الميراث، 90.4 في المئة منهم في الوسط الحضري، و79.5 في المئة في الوسط القروي.

كما عبّر 82 في المئة من المستجوبين عن أنهم يؤيدون قاعدة “صف النصيب للفتاة”، ويؤيد 73.6 في المئة هذه القاعدة حتى داخل الأسر التي ليس لها ذكور، ويبرر 89.7 في المئة موقفهم لكون هذه القاعدة لها مرجعية دينية.

وتؤيد الحركة النسائية والجمعيات الحقوقية والقوى والأحزاب السياسية اليسارية والتقدمية طرح المساواة في الإرث.

وبحسب الدراسة التي أجريت في عام 2020، وعُرضت نتائجها في ندوة بجامعة محمد الخامس الرباط، فقد أشارت إلى موقفين رئيسيين: الأول هو الموقف المهمين الذي يرفض أي تعديل لمقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالإرث، ويمثل 44 في المئة من عيّنة البحث.

ويؤيد الموقف الثاني تغيير “لمقتضيات القانونية التمييزية تجاه النساء في الإرث”، وفق التعبير الوارد في الدراسة، ويمثل هذا الموقف 36 في المئة من العينة المستجوبة، بينما لم يعبّر 20 في المئة عن رأيهم، بحسب صحيفة “هسبريس” المغربية.