بعد زلزال الحوز..ما مصير آلاف العائلات بالمناطق المنكوبة في المغرب بعد التماطل والتأخر وهدر الوقت؟

0
442

منجزات كبيرة لكنها حبر على ورق.. وجدت آلاف العائلات المغربية نفسها أمام تماطل وتأخّر معالجة مخلفات الزلزال بشكل فعّال، واستمرار نفس السياسات والبرامج السابقة العقيمة والمفلسة، وهدر الوقت ممّا يزيد معاناة الأسر اللذين فقدوا منازلهم بفعل الزلزال الحوز، فيما تحوّل أغلب سكان قرية أسني، وتبعد نحو 50 كلم عن مراكش، إلى لاجئين في مخيم قريب من منازلهم المدمّرة.

لقد وجد من فقدوا منازلهم بفعل الزلزال أنفسهم أمام معضلة أخرى غير المأوى والسكن قبل حلول فصل الشتاء والثلوج القريب.




من جهتها، نددت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تماطل وتأخّر معالجة مخلفات الزلزال بشكل فعّال، واستمرار نفس السياسات والبرامج السابقة العقيمة والمفلسة، وهدر الزمن ممّا يزيد من تعميق عزلة الساكنة المتضررة وارتفاع منسوب معاناتها الإنسانية.

وسجلت الجمعية في بلاغ لفرعها بمراكش ضعف مستوى التأهب من حيث البنيات والتجهيزات والأطقم المتخصصة، وغياب التدخّل العاجل والفعال للتصدّي السريع في الأيام الأولى لحدوث الزلزال، مما رفع من حجم الخسائر البشرية في الأرواح وزاد من استفحال الإصابات.

كما أن المعالجة المتّبعة حاليا لتقليص المخاطر وإعادة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها في المناطق المتضررة لا تسير وفق مقاربة فعّالة وناجعة، حيث تتسم العمليات المتّبعة حاليا ومنها عمليات الإمدادات والإحصاء وتنقيل التلاميذ بالإرتجالية والبطء وغياب النجاعة، حسب ذات المصدر.

ونبه البلاغ إلى فشل الدولة والحكومة لحد الآن في تأمين الشروط الدنيا للإيواء الملائم للظروف الطبيعية والأحوال الجوية، اذ إن أولى القطرات المطرية التي تهاطلت على مناطق الأطلس الكبير بالجهة أظهرت هشاشة وعدم فاعلية المعدّات الخاصة بالإيواء.

وأكدت الجمعية عدم تحقيق هدف استئناف الدّراسة بشكل تام لجميع تلاميذ المناطق المتضرّرة، نظرا للتّسرع قبل الإعداد الكافي واللائق لأماكن الاستقبال، ولعدم اكتمال عملية نقل التلاميذ من السلك الإعدادي والتأهيلي، كما تم إيواء التلاميذ في داخليات غير مجهّزة، وتفتقد لأبسط المقوّمات الضرورية للاستقرار ناهيك عن ضعف خدمات التغذية والنظافة، ما تسبّب في أمراض جلدية وعلى مستوى الجهاز الهضمي للتلاميذ، إضافة الى اضطرار أعداد منهم إلى اللجوء الى أسرهم أو كراء منازل للاستقرار.

وانتقدت الجمعية غياب شبه تام للدراسة بالنسبة للمستوى الابتدائي في العديد من الدواوير المتضرّرة بالجهة، وعدم تدارك الخصاص الحاد بل الافتقار بشكل شبه تام للبنيات والتجهيزات والأطر الصحية والأدوية والخدمات الكافية والمجانية، والاقتصار على حملات تطوّعية من القوافل الطبية.




ولفتت إلى تخلي الدولة والسلطات في الكثير من المناطق المتضرّرة عن مسؤوليتها في مدّ الدعم وخاصة المتعلّق بالمواد الغذائية الكافية والأغطية والأفرشة المناسبة والخيام الكافية والانكباب – لحد الآن – على التخزين في مخازن بعضها يفتقر لشروط ملائمة، لتبقى الساكنة المتضرّرة تعيش من إمدادات الجمعيات والفعاليات.

كما أشارت إلى عدم معالجة الروائح الكريهة المنبعثة من تحت حطام وركام المنازل المنهارة بسبب وجود جثت الحيوانات خاصة من المواشي تحت الأنقاض، واستمرار تراكم الأنقاض وغياب أي تدخل لإزالتها، باستثناء الانهيارات الصخرية أو تلك التي تسبّبت في قطع الطرق.

وسجل ذات المصدر ارتفاع نسب تظلمات واحتجاجات سكان العديد من الدواوير بسبب عدم إحصاء المنازل المتضرّرة والمتضررين عموما، والتشكّي من الإقصاء والزبونية والمحسوبية وغياب الشفافية، فضلا عن بناء مخيّمات عبارة عن خيام لن تصمد إطلاقا حتى أمام ملمترات محدودة من التساقطات المطرية كما حدث بمناطق بالحوز يوم 20 أكتوبر، كما أن عدد الخيام لا يغطي كل الأسر.

كما أن هذه المناطق تعاني من غياب تام لشروط النظافة والوقاية داخل المخيمات، إذ يشتكي المواطنون وخاصة النساء والمرضى والشيوخ من عدم الاستحمام منذ الزلزال، في غياب الماء الساخن وعدم تجهيز أماكن لذلك.

ومقابل التنديد بتقاعس الدولة والحكومة في معالجة تداعيات الزلزال، أكدت الجمعية على ضرورة تجاوز سياسة الترقيع والدعاية، والإسراع بتأمين موارد العيش، و إيواء السكان المتضرّرين في شروط ملائمة وتوفير الدعم الكافي من المواد الأساسية وكل متطلبات العيش الكريم، لتجنب كارثة إنسانية أخرى قد تحلّ بالساكنة المتضررة.

وشدد البلاغ على ضرورة اعتماد معايير الشفافية والنزاهة وإجراءات واضحة في عمليات إحصاء المباني المتضرّرة والمقيمين بها والسكان المتضررين، ووقف كل أشكال التسلّط والزبونية والمحسوبية والإقصاء، محذرة من أن يتحوّل برنامج إعادة البناء وتأهيل مناطق الزلزال إلى برنامج للاستهلاك الإعلامي والتدوير السياسي فقط، وأن يكون مصيره الفشل الذريع كسابقيه من البرامج التنموية.

وخلص البلاغ إلى إبراز ضرورة إعطاء الأولوية، وفي زمن معقول، لبناء السكن اللائق وفي المناطق الملائمة وتشييد أو إصلاح البنيات والمؤسسات والمرافق ذات الأولوية خاصة المتعلّقة بالتعليم والصحة والطرق والماء والكهرباء، وعلى توفير متطلبات العيش الكريم للساكنة.

وقوبل هذا الزلزال بتعاطف دولي كبير مع المغرب جرّاء ما وقع، وكذا تعاطفاً مغربياً محلياً كبيراً تجسّد في حملات التبرع بالدم وإرسال قوافل تحمل المواد الغذائية والمساعدات العينية، من مختلف المدن المغربية.

وانخرط في الحملة التضامنية الجميع وعلى رأسهم صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس الذي تبرع من ماله الخاص بمبلغ مليار درهم (نحو مئة مليون دولار أمريكي) في الحساب البنكي المخصص لضحايا “زلزال الحوز”.

لكن السؤال الملحّ كان مسألة إعادة الإعمار التي تتطلب سنوات، ولا تقتصر على إعادة تشييد المباني، بل على دعم وتأهيل السكان، ليعيشوا في كرامة، ووفق سياسات تحترم العدالة المجالية.

حيث وعد الملك المفدى محمد السادس، خلال اجتماع للجنة متابعة المشروع، بأن ترمم كل المناطق التي ضربها الزلزال، ورصد لأجل ذلك ميزانية تقدَّر بـ”11.7 مليار دولار أمريكي”، لإعمار المناطق التي تعتمدُ بشكل أساسي على السياحة، أبرزها مدينة مراكش الحمراء، فما سياسة الإعمار التي ستتبناها المملكة لمعالجة مخلفات الزلزال؟

لقد رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها إبانه، أنّ “زلزال الحوز”، أوجعَ الاقتصاد المغربي، بسبب اعتماد المغرب على قطاع السياحة الذي يشكلُ نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي، والزلزال ضربَ عاصمة السياحة بالمغرب مراكش قبل أسابيع من ذروة موسمها، والأقاليم التي حوَّلها أمثال “إقليم الحوز” (بؤرة الزلزال) و”إقليم شيشاوة” و”إقليم تارودانت” و”إقليم ورزازات” المعروفة بهوليوود إفريقيا.

كما أنّ الاقتصاد المغربي كان بالفعل يعاني تزايد مؤشر التضخم الأساسي، مما رفع -حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية)- من مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.4%، حيث أصبحت قيمة التضخم في المغرب تُقدَّرُ في شهر أكتوبر بـ8.1%، حسب ما صرَّح به بنك المغرب (البنك المركزي).

وعليه قدّرت “وول ستريت جورنال” أنّ خسائر محتملة قد تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنّ الزلزال سيخلِّف خسائر تتراوح بين مليار واحد و10 مليارات دولار.

مشروع “مارشال” مغربي

وخلال المجلس الوزاري المخصص لملفّ إعادة إعمار ست مناطق منكوبة إثر الزلزال، الذي ترأسه الملكل المفدى محمد السادس، تقرر رصد مبلغ 120 مليار درهم (نحو 11.7 مليار دولار) تُصرف على مدى خمس سنوات، لإعمار المنطقة التي تضرر منها الزلزال، حسبما أفتد به بيان للديوان الملكي.

ويستهدف برنامج الإعمار 4.2 مليون شخص في المناطق الست الأكثر تضرراً وهي: مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات، كما سيركزُ على إعادة إيواء السكان المتضررين، عبر إعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البِنى التحتية.

وهنا تجدرُ الإشارة إلى أنّ الديوان الملكي صرَّح في بيانه، عقب اجتماع عمل ترأسه جلالة الملك محمد السادس، خُصص لـ”تفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضرراً من زلزال الحوز”.

كما سيجري بناء وترميم نحو 50 ألف مسكن شهدت انهياراً كلياً أو جزئياً إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب أقاليم المملكة المغربية، وعليه فالدولة ستقدم 30 ألف درهم (نحو 3 آلاف دولار) لكل أسرة متضررة على مدار عام، كما ستقدم نحو 14 ألف دولار للأسر التي انهارت مساكنها كليّاً، ونحو 8 آلاف للأسر التي انهارت مساكنها جزئياً.

ولن يكتفي البرنامج بإعادة الوضع السابق بل يطمح إلى التركيز على فك العزلة عن المناطق، وتأهيل المجالات الترابية، وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خصوصاً في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛ وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والعمل وكذا تثمين المبادرات المحلية.

سأترك لكم التعليق ؟