لقجع، الإعلام، و”الاتحاد المقدس”: حين تُدار الكرة بمنطق السياسة الهادئة وصوت الشارع

0
120

في لحظة محورية تسبق الاستحقاقات الكبرى للمنتخب المغربي، اختار فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أن يخاطب الإعلاميين بنفسه، لا لإملاء تعليمات أو فرض رواية رسمية، بل—وفقًا لما قاله—لسماع النبض الحقيقي للشارع الكروي.

لكن خلف الكلمات الهادئة، تتوارى أسئلة أعمق حول علاقة الجامعة بالإعلام، ومسافة النقد المقبول، وحدود ما يُسمّى “الاتحاد المقدس” بين الجميع.

“أنا ما تندخلش فالخدمة ديال المدرب… ولكن تنقل ليه شنو تيقول الشارع”

بهذه العبارة، التي تجمع بين الصراحة والمراوغة، عبّر لقجع عن موقفه من علاقة المسؤول الإداري بالتقني. ورغم تأكيده على استقلالية وليد الركراكي وطاقمه، لم يخفِ أنه يبلغه بانطباعات وتحليلات الشارع والإعلام، ما يثير سؤالًا بالغ الأهمية:

هل هذه “الوساطة الناعمة” شكل من أشكال التدخل غير المباشر؟ أم أنها مجرد تواصل طبيعي داخل منظومة رياضية معقدة؟

لقد سبق للعديد من التجارب الدولية أن أبرزت التوتر بين الأجهزة الفنية والرؤساء، من فرنسا مع نويل لوغريت، إلى مصر مع حسام البدري. فهل المغرب استثناء؟ أم أننا بصدد ممارسة مؤطرة تظهر بشكل لبق؟

بين الصمت الاستراتيجي والانفتاح المدروس

اختار لقجع أن ينسحب من القاعة بعد كلمته، ليعود في نهايتها. خطوة رمزية توحي برغبة في عدم التأثير على النقاش بين الركراكي والإعلاميين. لكن في المقابل، يفرض هذا الغياب المؤقت سؤالًا آخر:

هل هو تعبير عن احترام حرية النقاش؟ أم محاولة لإبعاد الذات عن نار الأسئلة الحارقة؟

الحدث في حد ذاته كان غير مسبوق: لقاء مفتوح مع الإعلام الوطني بمختلف وسائطه، من الصحافة المكتوبة إلى الرقمية. لكن قيمته الفعلية تتوقف على أمرين:

  • هل سيكون لقاءًا سنويًا ضمن رؤية إستراتيجية؟

  • وهل الصحافة الوطنية قادرة على استثمار هذه النوافذ لمساءلة الاختيارات، لا فقط تبريرها؟

كأس إفريقيا على الأبواب… هل الجاهزية تنظيمية فقط؟

لا تخلو تصريحات لقجع من بعد تعبوي واضح: “نحتاج إلى اتحاد مقدس قبل المنافسة”. ومع اقتراب كأس إفريقيا 2025 التي ستحتضنها المملكة، يصبح هذا الخطاب أكثر راهنية، بل أكثر حساسية.

لكن:

  • هل الاتحاد المقدس يعني غلق باب النقد؟

  • أين تقف حرية الصحافة أمام “روح المنتخب”؟

  • هل هناك مؤشرات تقنية حقيقية لتقييم مستوى الفريق منذ مونديال قطر؟

في تقرير للبنك الدولي (2023) حول حكامة الرياضة، تم التأكيد على أن وضوح الرؤية، وتواصل الأهداف بين المؤسسات الرياضية والجمهور، يعدّ أحد مؤشرات النجاعة.

فهل تنهج الجامعة المغربية هذا التوجه؟ أم أن الأمر لا يزال يرتكز على المبادرات الظرفية؟

من “انتقادات الشارع” إلى “أفكار قابلة للتجريب”

من بين أبرز ما جاء في كلمة لقجع قوله:

“حتى أنا تنسمع انتقاداتكم وتحليلاتكم وتنقل ليه (أي الركراكي) نبض الشارع الرياضي… ويمكن نلقاو في هذه التحليلات أفكار جديدة، لم لا، يتم تجريبها أو مناقشتها مع الطاقم”.

في هذه الجملة تكمن مفارقة ذكية: لقجع يقرّ بأهمية الإعلام لا كوسيلة ترويج، بل كمصدر لأفكار فنية. لكن:

  • هل يوجد إطار منهجي حقيقي لهذا الإصغاء؟

  • وهل هناك لجنة تقنية تتلقى هذه المقترحات وتناقشها علميًا؟

  • وأين هو المجلس الاستشاري للجامعة الذي يُفترض أن يمثل تنوع وجهات النظر؟

في دول مثل ألمانيا أو إنجلترا، تلعب لجان الخبراء الخارجيين دورًا واضحًا في تقييم عمل المدربين، ومرافقة الأطر التقنية، بل وحتى الضغط المؤسساتي من أجل التجديد أو التغيير. هل يمكن للمغرب بناء تجربة مشابهة، بدل الاكتفاء بتواصل مناسباتي؟

الإعلام الرياضي بين النقد والتحشيد

رسالة لقجع تضمنت أيضًا نبرة لينة توجه للإعلاميين:

“ما جيناش نقول ليكم شنو تكتبو… حنا يمكن نتبادلو الكاسكيطات نوليو حنا صحافيين وانتوما مسؤولين”.

هل هذا تسامح؟ أم تذكير بأن الجميع تحت الرقابة؟ الإعلام المغربي الرياضي يعاني أصلًا من أزمات هيكلية: ضعف التكوين، غياب مراكز الدراسات الكروية، وقلة منصات التحليل المستقل. لهذا، يصبح من الحيوي أن تُرافق هذه اللقاءات بخطوات ملموسة:

  • برامج دعم للصحافة الرياضية الجادة.

  • شراكات مع معاهد دولية (مثل معهد FIFA أو UEFA للتكوين الإعلامي).

  • وإشراك الصحافيين في دورات المنتخب كملاحظين حقيقيين.

خلاصة: “الاتحاد المقدس” لا يُبنى بالخطابات بل بالثقة المؤسسية

لقجع يُجيد اللغة الرمزية، ويعرف كيف يمسك العصا من الوسط. لكن المطلوب الآن ليس فقط تهدئة الأجواء، بل بناء إطار دائم للنقاش والتقييم والمحاسبة داخل منظومة المنتخب الوطني. فالجماهير تنتظر، والرهانات القادمة لا ترحم.

وإذا كان المغرب قد نجح في تنظيم كأس العالم للأندية ومونديال 2030 على الورق، فإن الرهان الحقيقي يبدأ من الداخل: هل نملك نموذجًا مؤسساتيًا يحتضن النقد بدل تهميشه؟