اليماني : استمرار غلاء المحروقات وانعكاساته على القدرة الشرائية للمغاربة ومراكمة الأرباح الفاحشة على حساب جيوب المواطنين

0
457

عرفت حملة الرفض المتنامي لغلاء الأسعار في المغرب اتساعا وتمددا، لا سيما أنها اتجهت رأسا إلى معضلة تتداخل فيها الثروة بالسلطة، والمصالح الشخصية بالمصالح العامة، ويتعلق الأمر بسوق المحروقات التي يملك فيها رئيس الحكومة حصة الأسد، وذلك ما جعل الاحتجاج الصامت على منصات التواصل الاجتماعي في المغرب يتخذ منحى سياسيا من خلال المطالبة بمساءلة رئيس الحكومة وتنحّيه، باعتباره طرفا في الاستفادة غير المشروعة من ارتفاع أسعار المحروقات.

تزامنا مع التغيير الذي يطرأ على أسعار المحروقات عند منتصف الشهر، تجددت الانتقادات بسبب استمرار شركات المحروقات في مراكمة الأرباح الفاحشة على حساب جيوب المواطنين.

وقال الحسين اليماني رئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول إن الأسعار المفروض اعتمادها في النصف الثاني لشهر مارس الجاري، هي 11,38 درهما للغازوال، و12,77 للبنزين، وذلك بالحساب على الطريقة التي كانت معتمدة قبل تحرير الأسعار في نهاية 2015 من طرف حكومة بنكيران.

وسجل اليماني في تصريح صحافي أن الأسعار المعتمدة في المحطات، تفوق الثمن المفترض، ب 1.52 درهما للغازوال و ب 1.63 للبنزين، مع تقارب كبير في الأسعار بين جميع الماركات.

ولفت إلى أن الهدف من تحرير الأسعار ، هو خلق التنافس بين الفاعلين بقصد تكسير الأسعار ، حتى يستفيد المستهلك الكبير والصغير، ولكن في حالة المغرب، فالخاسر الوحيد، هو المستهلك من خلال ارتفاع الأسعار وتضاعفها ومن خلال ارتداد هذه الأسعار على أسعار المنتجات والمواد الاستهلاكية، ما نجم عنه إشعال الأسعار في كل الاتجاهات وتدمير القدرة الشرائية لعموم المواطنين.

وأكد المتحدث على أن الحرص على استقرار البلد يتطلب إلغاء تحرير أسعار المحروقات، ووقف مسلسل حذف الدعم التدريجي على غاز البوطان في أفق التحرير، فلا يمكن للأجور ولا لمدخول عامة الشعب والطبقة الوسطى، أن تساير مستوى التضخم والأسعار التي لا تطاق.

حزب الاستقلال: خرجات تيار طنجة مشبوهة التوقيت وهدفها التشويش على الحزب!

ذلك أن اقتصاد الريع والتجاوزات الحاصلة في قطاع المحروقات والتي تعبر عن فساد بنيوي يستفيد من طبيعة المنظومة السياسية، يفقد الثقة بالمؤسسات والوسائط السياسية، وعجزها عن حماية المصالح أو الصمت على تجاوزات “لوبي” يشكل تهديدا وخطرا على السلم الاجتماعي والنسق السياسي برمته، مما يعني أن المدخل كامن في ترسيخ الديمقراطية التي تسمح بإفراز نخب يمكن مساءلتها ومحاسبتها، وهو في الواقع ما يغيب عن إفرازات المشهد السياسي الحالي، الذي يزيد من تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع.

والواقع أن الرهان على التنمية برؤية تستبعد المضمون السياسي يحمل أخطارا مجتمعية محدقة، ذلك أن جانبا من الرفض المجتمعي يسائل زواج المال بالسلطة، ويتجه إلى ضرورة الفصل، تجنبا لتحويل المؤسسات إلى مجرد أدوات في يد “لوبي” لا ينشغل بالاستقرار والسلم المجتمعي، إنما بالربح والثروة، وحينما تكون المآسي فرصة للاغتناء من طرف القلة المحتكرة، فإن هذا يكون مهددا للدولة في أحد أسس وجودها واستمرارها.

وهذا على صلة مباشرة بالمستوى السابق، ذلك أن “لوبي” المحروقات وغيره من أشكال اقتصاد الريع وتمظهرات الفساد، إنما ينتعش في ظل غياب استقلالية المؤسسات عن دوائر النفوذ، كما تجلى في تقرير اللجنة الاستطلاعية، ثم لاحقا مع مجلس المنافسة في نسخته السابقة والحالية التي عبّر رئيس المجلس فيها عن انتظاره تحيين قانون المجلس، وهذا يعبر عن أزمة تخفي خلفها حالة عجز قد يتطور معها الرفض المجتمعي إلى ما هو أبعد من احتجاج صامت.

 توقف الشركة الوحيدة بالمغرب المختصة بتصفية وتكرير البترول عن العمل، وعدم تدخل الدولة في حل المشكلة أو في القطاع برمته؛ سمح للوبي المحروقات بالهيمنة على سوق التوزيع، أما الضرورة فتقتضي تدخل الدولة في القطاعات التي تمس بشكل أو بآخر الاستقرار المجتمعي، فالمحروقات مجال حيوي ترتبط به جملة من القطاعات، ويتطلب حضور الدولة لضمان التوازن وعدم وقوع المجتمع تحت رحمة الشركات، في سياق اقتصادي تغيب فيه آليات الحكامة وتشوبه شبه الفساد.

حينما يكون الفساد حالات فردية، فإن تأثيره يظل معزولا، لكن واقع الحال كما تجلى منذ تحرير قطاع المحروقات، ومع توالي تقارير اللجنة الاستطلاعية ومجلس المنافسة، ثم في السياق الراهن في عدم التناسب بين تحولات سعر الخام على المستوى الدولي وسعر البيع للعموم، مما نتج عنه رفض مجتمعي، فإننا أمام فساد بطابع مركب ومؤسسي، تلحق أضراره الدولة ويشكل تهديدا وجوديا لها، مستفيدا من الفراغ القانوني وآليات الرقابة، بما يقتضي حكم القانون وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة. غير ذلك، فإن الدولة/السلطة قد تصبح أداة في يد قلة محتكرة، مما يفرز أزمات تهدد السلم والاستقرار المجتمعي، لذلك ينبغي النظر إلى يقظة المجتمع باعتبارها منبّها لطبيعة الخلل والأزمة، ومن ثم مدخلا للإنقاذ ومصالحة الدولة بالمجتمع، وبصيغة أخرى استعادة الثقة المهدورة.

ويعكس استحضار هذا الجانب، حسب بعض القراءات، انتباها من المؤسسة الملكية في المغرب لمخاطر الاستثمار في سياقات الأزمة، لكن ذلك يبقى في واقع الأمر رهين الخطب على الرغم من أهميتها في المشهد السياسي من حيث إنها تحمل صبغة توجيهية.