134,7 مليون أورو قرض فرنسي لدعم إصلاح التعليم بالمغرب بعد 60 سنة من الفشل المتكرر

0
167

الفشل  ظل على الدوام ميزة منظومة التربية والتكوين بالمغرب، رغم التقارير التي أعدتها الدولة، و المخططات التي وضعتها بداء بميثاق التربية والتكوين، مرورا بالمخطط الاستعجالي، وصولا إلى الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين (2015-2030)، والميزانيات الضخمة التي رصدت لإنقاذ التعليم العمومي بالمغرب، كل هذه المشاريع كما يقول المثل العربي، تردف “لوموند” ، ظلت حبرا على ورق”.

الرباط – وقع المغرب، ممثلا في الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي القجع، والوكالة الفرنسية للتنمية، ممثلة في سفير فرنسا بالمملكة المغربية كريستوف لوكورتييه، ومديرة الوكالة الفرنسية للتنمية بالرباط بنسن كيتري، اليوم الاثنين بالرباط، اتفاقية تمويل وبروتوكول قرض بمبلغ إجمالي قدره 134,7 مليون أورو لتمويل برنامج دعم خارطة طريق إصلاح منظومة التربية الوطنية 2022-2026.

وتهم الاتفاقية والبروتوكول الموقعان بحضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، تواليا تمويل الميزانية العامة بقيمة 130 مليون أورو ومنحة بقيمة 4,7 ملايين أورو لتعبئة الدعم التقني ومواكبة تنفيذ الإصلاحات والآليات التجريبية المسطرة في إطار خارطة الطريق.

وفي كلمة بالمناسبة، أبرز بنموسى أن التمويل يستهدف، بالخصوص، مؤسسات التعليم الإعدادي، بهدف خفض نسبة الهدر المدرسي، بما يشمل الدعم المدرسي والتربوي والاجتماعي، فضلا عن تحسين الكفاءة اللغوية، وخاصة الفرنسية، بدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية.

وأوضح أن الدعم التقني سيشمل أيضا مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالتنفيذ والنتائج المنتظرة، وتتجلى غايته الرئيسية في تعزيز خارطة الطريق المسطرة، ومواكبة عدد من الإصلاحات الأخرى، مع استهداف المدارس الرائدة بشكل خاص في بداية السنة الدراسية.

وأضاف أن الإعداديات الرائدة، التي توجد في صلب إصلاح منظومة التربية الوطنية، تمثل العنصر المحوري المستفيد بشكل كامل من مواكبة الوكالة الفرنسية للتنمية، وتماشيا مع خارطة الطريق التي اعتمدتها الوزارة لتسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات وتعزيز التقارب بين جميع الجهات المعنية.

من جهته، أبرز لوكورتييه التموقع الإستراتيجي لإصلاح منظومة التربية في إطار النموذج التنموي الجديد الذي اعتمده المغرب، مشيرا إلى الأولوية التي تحظى بها هذه المسألة سواء في المغرب أو في فرنسا، لفائدة الأجيال الصاعدة بالبلدين.

وأشار إلى أن اتفاق التمويل المخصص لدعم الأهداف المركزية لإصلاح منظومة التربية في المغرب يشكل أيضا فرصة لفرنسا لاستخلاص دروس من شأنها إثراء إصلاحاتها، خاصة في مواجهة تحديات مثل انخفاض المستوى في الرياضيات والهدر المدرسي وصعوبات الولوج إلى اللغات.

ومن المقرر أن يغطي دعم الوكالة الفرنسية للتنمية مدة خمس سنوات. وستتولى وزارة التربية الوطنية تنفيذه بما يحسن مستوى الإتقان اللغوي لدى أساتذة وتلاميذ السلك الإعدادي، فضلا عن المساهمة في خفض نسبة الهدر المدرسي، والترويج لنموذج جديد يوفر ظروفا أفضل بالنسبة لتلاميذ المستوى الإعدادي (الدعم المدرسي، والأنشطة المدرسية الموازية)، وتحسين خدمات المقاصف والنقل المدرسي.

وتروم خارطة طريق إصلاح منظومة التربية الوطنية 2022-2026 تحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية طموحة، تتجلى في تعزيز اكتساب المعارف والكفاءات الأساسية، من خلال مضاعفة نسبة التلاميذ المتحكمين في التعلمات الأساسية بالأقسام الابتدائية، وإعطاء دفعة قوية للتعليم الإلزامي من أجل تقليص الهدر المدرسي بنسبة 30 في المائة، وتكريس التفتح وقيم المواطنة من خلال مضاعفة نسبة التلاميذ المستفيدين من الأنشطة المدرسية الموازية.

“تتجلى عبثية النظام التعليمي بالمغرب في أن المواد التي كانت تدرّس بالعربية، سوف تصبح مباشرة فرنسية بدون فترة انتقالية، حيث أن هناك موقفا متناقضا يدفع العديد من المسؤولين السياسيين إلى تأييد تعريب التعليم، على الرغم من أنهم يدرسون أبناءهم بمدارس البعثات الأجنبية، خاصة الفرنسية، ذات التكلفة الباهظة”.

ويرى محلل اقتصادي، أن المؤشرات المتاحة تظهر أن جودة التعليم في المغرب أقل من متوسط الدول الفقيرة بإفريقيا جنوب الصحراء. فـ79 في المائة من التلاميذ البالغين 10 سنوات لايتقنون أساسيات القراءة.

إن مشكل منظومة التربية والتكوين في المغرب لا يرتبط بضعف الميزانيات المرصودة للقطاع، حيث تخصص الدولة المغربية للتعليم ميزانية مهمة، كما يستفيد من مساعدات أجنبية. فحسب معطيات البنك الدولي لسنة 2013، يمثل التعليم في المغرب حوالي 6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ5.5 في المائة في فرنسا، أو 5.3 في كندا، كما أن قانون المالية لسنة 2016 خصص ميزانية تقدر بـ45.8 مليار درهم لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني.

سجل الباحث الأمريكي المدقق أن فرنسا عملت على حرمان المغاربة من تعميم التعليم. وينقل عن إحدى الوثائق الفرنسية “لا ينبغي تعميم التعليم وفرضه بسخاء على كل من هب ودب مثل مادة الكينين. بل يتعين توفيره ووضعه رهن إشارة المسلمين، كما ينبغي تقديمه في جرعات صغيرة، مكافأة وتشريفا للأرستقراطية المحلية. فمن المفهوم، في رأي الأمة الغازية، أن شباب المدارس، المنتقى من أبناء الاعيان، ينبغي أن يصبح منبتا لإعداد موظفي الإدارة المحلية وصغار الأعوان في إدارتنا” (ص 23). وتشمل هذه الأرستقراطية أبناء القواد وأبناء اليهود المغاربة. وقد كان تلاميذ اليهود أكثر من التلاميذ المسلمين، رغم أن اليهود كانوا يمثلون عشرة في المائة فقط من سكان المغرب.

هكذا انعكس الإرث التعليمي للمستعمر الفرنسي على المغرب بعد الاستقلال

بالأرقام، قبل 1939 كان عدد المتمدرسين المغاربة يمثل 3 بالمائة من الأطفال المسلمين البالغين سن التمدرس، وبلغت النسبة 14 بالمائة، أي 187000 متمدرس من مجموع بلغ 000 360 1 طفل عام 1955 (مقابل نسبة تمدرس هي 90 بالمائة لدى اليهود المغاربة).

يجري الحديث هنا عن الطور الابتدائي فقط، أما التسجيل بالثانويات فلم يتعد أبدا ألفي تلميذ.

– كان هناك 200 تلميذ مغربي مسلم فقط حصلوا على البكالوريا قبل 1939 و504 بعدها. أي أن 44 سنة من الاستعمار لم تمكن إلا 704 تلاميذ من الحصول على البكالوريا ضمنهم أربع تلميذات.

– لم يشكل الأطفال المسلمون المغاربة أغلبية التلاميذ المسجلين بالمدارس العمومية إلا بعد 1947.

– حين رحل الاستعمار عن المغرب ترك 30 مهندسا، 19 طبيبا، طبيبين للأسنان، 27 محاميا و6 صيادلة. وكان هناك عدد مماثل من المغاربة اليهود يمارسون هذه المهن (ص 109).

– تم تنميط وعي المتمدرسين بشكل مضاد لتاريخ البلد، يقول جون جيمس ديمس: “يُرسّخُ في أذهان التلاميذ المغاربة بأن تاريخهم تاريخ فوضوي تافه، فينتهي بهم الأمر إلى التخرج من مدارس الحماية وقد انغرس فيهم شعور فطري بالنقص” (ص 25) لأنه يتم تصوير المغاربة كجهلة جبناء! وقد تم ترسيخ هذا التصور عبر التركيز على الفرنسية وتجميل تاريخ فرنسا، مع إهمال المواد الإسلامية واللغة العربية التي لم تكن حصتها تتعدى 11 بالمائة في المدن فقط، دون أن تدرس للتلاميذ في البوادي، ودون إجراء أي اختبار فيها.

لقد ترك الاستعمار مدارس قليلة وتعليما مهنيا وغير مسيس (ص 22)، مفرنسا ومشتتا (يضم عدة أنواع من التعليم، وبالتالي عزلت فرنسا المغاربة بعضهم عن بعض) صمم ليخدم مصلحة فرنسا. رغم كل هذا ينقل الكاتب: “اعتقد، بابتهاج، العديد من الناس بأنه ما إن تتم إزاحة الأجنبي المستغل من وضعيته التحكمية السابقة حتى يتأتى لحكومة المغرب المستقل حل كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، دون كبير عناء… بإقامة نظام تعليمي عربي وطني”.

تعليقا على هذا التفاؤل يختم الكاتب: “لم تخلف الحماية إرثا ثقيلا في أي مجال آخر مثلما خلفته في ميدان التعليم، لينزل بكل ثقله على كاهل حكام المغرب المستقل”.

يتيح كتاب جون جيمس ديمس إلقاء نظرة شاملة عن تاريخ نشأة المدرسة المغربية الحديثة وعن الإرث التعليمي الاستعماري، فكيف واجه مغرب الاستقلال هذا الإرث؟

الجواب: بإقرار المغرب المبادئ الأربعة كأساس لاستراتيجية التعليم: التعميم، والتوحيد، والتعريب، ومغربة الأطر.

بعد ستين سنة، ما الذي تحقق على صعيد القضاء على اللامساواة التعليمية؟

إن التعليم هو أحد عوامل المساواة الكبرى بين البشر، فهل صار متاحا لكل الأطفال المغاربة بنفس الشكل؟