حكومة أخنوش تفتح اعتمادات إضافية بـ 10 مليارات درهم لمواجهة التضخم وتوفير المياه

0
388

فتحت الحكومة المغربية اعتمادات مالية إضافية لموازنة 2023 بقيمة 10 مليارات درهم (حوالي 1 مليار دولار)، لمواجهة نفقات غير متوقعة مرتبطة بانعكاسات التضخم، ومعالجة إشكالية ندرة المياه، ودعم قطاع السياحة.

قُرابة نصف هذه الاعتمادات الإضافية بحوالي 4 مليارات درهم ستخصص للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بهدف تحسين وضعيته المالية بعدما تضررت في السنوات الأخيرة جرّاء ارتفاع أسعار المواد الأولية في العالم من بينها الفحم.

يجري فتح اعتمادات مالية جديدة بمرسوم بناءً على مقتضيات الفصل 70 من الدستور، والمادة 60 من القانون التنظيمي لقانون المالية، وغالباً ما تجري تغطيتها من المداخيل التي فاقت التوقعات. وتتيح هذه الآلية للحكومة السرعة بحيث يكفي عرض المرسوم على مجلسي البرلمان ثم نشره في الجريدة الرسمية لتنفيذه.

فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أبلغ أعضاء لجنتي المالية في البرلمان اليوم الخميس، بمضامين هذا المرسوم وقال إن “فتح هذه الاعتمادات يكتسي طابعاً ملحاً وضرورياً نظراً لارتباطها بدعم عدد من المؤسسات والوزارات، وتغطية بعض النفقات الإضافية المستعجلة المرتبطة بمواجهة إشكالية ندرة المياه، وانعكاسات التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين”.

بحسب تفاصيل المرسوم، سيتم تخصيص 1.5 مليار درهم للبرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، وهو البرنامج الذي تقرر الأسبوع الماضي الرفع من ميزانيته بنسبة 24% إلى 14.3 مليار درهم بناءً على تعليمات الملك محمد السادس، في ظل مواجهة البلاد لمواسم جفاف متتالية أثرت على توفر مياه الشرب والري.

ستوجه الحكومة 1.2 مليار درهم من الاعتمادات الإضافية لخارطة طريق قطاع السياحة 2023-2026، التي اعتُمدت في مارس الماضي بميزانية تناهز 6.1 مليار درهم (580 مليون دولار)، بهدف استقطاب 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026 وتحقيق 120 مليار درهم (12 مليار دولار) كعائدات سنوية من القطاع المدر للعملة الصعبة.

وقررت الحكومة تخصيص 3.3 مليار درهم المتبقية لتغطية بعض النفقات المرتبطة بمواجهة انعكاسات التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين. كان التضخم بلغ العام الماضي 6.6% مقابل 1.5% كمتوسط في العقد الماضي، وناهز في نهاية مارس 8.2%، وفقاً لأرقام المندوبية السامية للتخطيط.

وبلغ التضخم إلى 6.6 في المائة في العام الماضي، وقفز إلى 8.2 في المائة في مارس/ آذار الماضي، مدفوعا بارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 16,1 في المائة حسب المندوبية السامية للتخطيط، بينما سجلت السلع غير الغذائية زيادة بنسبة 3 في المائة.

وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومة إلى فتح اعتمادات إضافية لمواجهة نفقات طارئة، فقد قررت في العام الماضي، تخصيص 2.8 مليار دولار لمواجهة الغلاء.

وفتحت الحكومة في العام الماضي اعتمادات جديدة للموازنة في حدود 1.2 مليار دولار، بعدما كانت خصصت اعتمادات في يونيو/ حزيران بـ1.6 مليار دولار لزيادة مخصصات الدعم للسكر وغاز الطهو والدقيق.

كانت الحكومة لجأت لآلية فتح اعتمادات مالية إضافية العام الماضي مرتين بإجمالي 28 مليار درهم، جرى تخصيصها لدعم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وشركة الخطوط الملكية الجوية، المملوكة للدولة، والصندوق المغربي للتقاعد، وصندوق المقاصة الذي يدعم على أسعار غاز البوتان والسكّر والدقيق. 

وكانت الحكومة قد اعترفت بمشكلة الجفاف التي يمر بها المغرب، معدّة إياها جزءاً من الظواهر البيئية السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، كما أشار الوزير نزار بركة إلى أن أسباب الأزمة تتضمن ارتفاع الطلب على الماء والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتلوث الموارد المائية، وأكدت السلطات أنها في سبيلها لإنشاء 20 سداً جديداً، بالإضافة إلى الخمسين سداً المشيدة سابقاً.

بحسب وزارة التجهيز والماء، فإن الوضعية المائية للبلاد تثير العديد من المخاوف، إذ انخفضت موارد البلاد المائية بمقدار 85% مقارنة بالمعدل السنوي، فقد بلغ حجم الواردات المائية في الفترة ما بين مطلع أيلول/سبتمبر 2021 إلى 31 آب/أغسطس 2022 ما يناهز 1.98 مليار م³، أما المخزون المائي للسدود حتى 12 تشرين الأول/أكتوبر فقد بلغ 3.9 مليارات م³، أي ما يعادل 24.3% كنسبة ملء إجمالي، في مقابل نحو 37% سجلت في التاريخ ذاته العام الماضي.

وتعاني جهة طنجة تطوان الحسيمة، والتي تتمتع بموقع جغرافي مميز يطل على مضيق جبل طارق، من أزمة غير معهودة بسبب شح الموارد المائية، وبعد أن كانت تلك الجهة تسجل أعلى معدل لسقوط أمطار في المغرب، صارت تعيش في مناخ يخيم عليه القلق بسبب التراجع الحاد في المخزون المائي.

كما تأثرت مدينتا مراكش (جنوب) ووجدة (شرق) بسبب ندرة المياه، وفق بيانات رسمية، وقد تمّ اللجوء إلى المياه الجوفية كنوع من الحلول، كما استعملت المياه المعالَجة لري الحدائق.

أما عن التأثيرات المجتمعية لأزمة نقص المياه، فقد وفرت حالة القلق المناخ الخصب لانتشار الشائعات، إذ تداولت صفحات مغربية على مواقع التواصل الاجتماعي طول الصيف الماضي أخباراً متضاربة عن نية الحكومة قطع المياه في ساعات الليل لترشيد الاستهلاك ما ضاعف من شعور المواطنين بخطورة الموقف، لكن السلطات المغربية، خاصة في العاصمة، كانت تسارع إلى تكذيب هذه النوعية من الأخبار محاولة بث الطمأنينة في نفوس المواطنين.

لا شك في أن تعرّض البلاد لأزمة شح المياه قد أثر سلباً في النواحي الاقتصادية  داخل المغرب، وكان أول القطاعات التي مُنيت بالخسائر، هو القطاع الزراعي الذي يسهم بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ اضطرت الحكومة إلى تخفيض الدعم الذي تقدمه إلى بعض أصحاب الحقول التي تقوم بزراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه، أما مجمل المزارعين فقد تأثروا مباشرة بسبب تزايد عدد بحيرات السدود التي نضبت منها المياه. وتشكل الحبوب أهم المحاصيل في المملكة، إذ تمثل أكثر من نصف المساحة التي تتم زراعتها.

وتلعب الزراعة دوراً رئيسياً في استيعاب الطاقة العاملة في المغرب، إذ تسهم بنسبة 38% من إجمالي القوى العاملة في عموم البلاد، أما في المناطق الزراعية كالقرى والنجوع فإنها توفر نحو ثلاثة أرباع فرص العمل، وقد تسببت هذه الأزمة في فقدان العديد من المواطنين لعملهم، إذ فقد قطاع الزراعة والغابات والصيد أكثر من 200 ألف فرصة عمل خلال ربيع العام الجاري، وذلك بحسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط.

وبالرغم من جهود السلطات المغربية لتقليل اعتماد البلاد واقتصادها على الزراعة، والدفع بعجلة الصناعة، إلا أن قطاع الزراعة لا يزال هو المهيمن، وبالتالي فإن أي ضرر يصيبه بسبب نقص المياه يؤثر بعمق في سائر نواحي البلاد، وربما الناجي الوحيد من تلك الآثار هو قطاع السياحة، وإن كانت تبعات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية قد أصابته بأشد الضرر.

وقد تأثر الإنتاج الزراعي عام 2022 بشكل ملحوظ، فبحسب وزارة الفلاحة، بلغت المساحة المزروعة بالحبوب 3.6 ملايين هكتار، وذلك مقابل 4.35 ملايين هكتار في الموسم الزراعي الماضي، كما بلغ محصول الحبوب 3.4 ملايين طن، بحسب التصريحات الرسمية، وذلك مقابل 10.3 ملايين طن السنة الفائتة، أي بانخفاض قدره 67% !.




كذلك حازت مشتريات القمح على نحو ثلث فاتورة استيراد السلع الغذائية، إذ بلغت نحو 1.33 مليار دولار خلال النصف الأول من 2022، بزيادة بلغت 54.3% عن الفترة ذاتها في عام 2021 إذ استورد المغرب حينها ما قيمته 862 مليون دولار فقط، ويؤدي التوسع في الاستيراد إلى زيادة العجز في الميزان التجاري، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية.

وتسبب التدهور الذي لحق بقطاع الفلاحة في أضرار بالغة بسائر القطاعات التي تعتمد على المحاصيل الزراعية، فقد تأثرت تربية المواشي والدواجن والأغنام بشدة، وألقى الأمر بأعباء إضافية على الحكومة لتوفير العملة الصعبة من أجل مزيد من استيراد الأعلاف اللازمة لتربية الحيوانات، كما تأثر قطاع الصناعة بسبب افتقاره للمواد الخام التي كانت تتوفر محلياً في العادة.

حالة الجفاف غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد، تأتي بعد نحو عامين فقط من جائحة كورونا وتبعات الشلل الذي طال الاقتصادي العالمي ككل، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم إلى حد كبير في سائر البلدان، وبالتالي أصبح الاقتصاد المغربي قابعاً بين نارين، فمن جهة هو مهدد بسبب تبعات جفاف لا يرحم، ومن جهة أخرى، لا يتوقف التضخم عن الارتفاع بالشكل الذي يؤدي إلى عجز المواطن عن شراء ما يحتاجه من السلع الغذائية أو سداد فواتيره الشهرية.