رغم مجزرة مستشفى غزة.. بايدن يؤكد أن الولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لضمان أمن إسرائيل

0
317

قبل 23 عاما أنهت رصاصة حياة الطفل الفلسطيني محمد الدرة (12 عاما)، وجابت صوره شوارع العالم، فانتفضت عدة عواصم عربية وإسلامية وحتى غربية عبر مظاهرات واعتصامات منددة بـ”قتل الجيش الإسرائيلي طفلا بريئا”.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تتكرر الجريمة نفسها، ولكن بشكل أكثر ترويعا.. 700 مدني بينهم أطفال ومرضى وأطباء وممرضون قتلوا في يوم واحد، وبضربة واحدة على المستشفى المعمداني في قطاع غزة.

الولايات المتحدة تستخدم حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدعو إلى هدنة إنسانية للصراع بين إسرائيل وحركة حماس للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

أظهرت تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي تبنى فيها الرواية الإسرائيلية حول مجزرة مستشفى المعمداني، انحيازا أميركيا واضحا لإسرائيل فيما جدد دعم بلاده الكامل لإسرائيل خلال زيارته التضامنية التي أداها اليوم الأربعاء إلى تل أبيب، مشددا على أن واشنطن ستبذل كل ما في وسعها لضمان أمن إسرائيل.

وكشف أن بلاده ستقرّ خلال أيام حزمة دعم غير مسبوقة للدولة العبرية، كما أعلن أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على طلبه إدخال مساعدات إنسانية عبر مصر إلى قطاع غزة.
وقال إن “الانفجار الذي أودى بحياة أعداد كبيرة من الفلسطينيين في مستشفى بغزة لم يكن سببه على ما يبدو إسرائيل وإنما أعداؤها”.

وتحدث بايدن بينما كان إلى جوار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا “شعرت بحزن وغضب شديدين بسبب الانفجار في المستشفى بغزة الثلاثاء وبناء على ما رأيته يبدو كما لو أن ذلك نفذه الفريق الآخر وليس أنتم”.

وأردف قائلا “لكن هناك أشخاص كثيرون غير متأكدين، وبالتالي أمامنا الكثير، أمامنا الكثير من الأشياء لنتغلب عليها”.

وأضاف “العالم يشاهد. إسرائيل لديها مجموعة من القيم مثلها مثل الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات وهم يتطلعون ليروا ما الذي سنفعله”.

وحذر الرئيس الأميركي حليفته إسرائيل من الانسياق إلى الغضب على نحو أعمى مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاء بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001.

وفي تصريحات بعد اجتماعه مع زعماء إسرائيليين قال بايدن إنه سيطلب من الكونغرس حزمة مساعدات “غير مسبوقة” هذا الأسبوع، مشيرا إلى المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية عندما قال إن إسرائيل تحظى بدعم أصدقائها وأضاف “لن نقف مكتوفي الأيدي دون أن نفعل شيئا مجددا. لا اليوم ولا غدا ولا أبدا”.

وقال بايدن في وقت سابق إنه طرح “أسئلة صعبة” على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماعهما اليوم في تل أبيب، حيث ناقشا أيضا الاحتياجات الإنسانية والمساعدة الأمنية والمعلومات عن الأميركيين المفقودين.

وأضاف في منشور على موقع إكس، تويتر سابقا، “طرحت أسئلة صعبة كصديق لإسرائيل وسنواصل ردع أي طرف يريد توسيع هذا الصراع”.

وجدد التزامه بإقامة دولة فلسطينية رغم الحرب المستمرة بين حليفته إسرائيل وحركة حماس الإسلامية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وقال “مهما بلغت صعوبته، علينا أن نستمر في مواصلة السعي نحو إحلال السلام، علينا أن نواصل السعي نحو مسار يمكِّن كلًا من إسرائيل والشعب الفلسطيني من العيش بأمان وكرامة وسلام”. وأضاف في ختام زيارته “بالنسبة لي، هذا يعني حل الدولتين”.

“طرحت أسئلة صعبة كصديق لإسرائيل. وسنواصل ردع أي طرف يريد توسيع هذا الصراع”.

وقالت متحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض اليوم الأربعاء إن تحليلا أميركيا للبيانات المتاحة حاليا يشير إلى أن “إسرائيل غير مسؤولة عن التفجير في مستشفى بغزة الثلاثاء”.

وذكرت آدريان واتسون في منشور على إكس أن التقييم مستند إلى تحليل الولايات المتحدة صورا ملتقطة من الجو وعبر وسائل المراقبة والاستطلاع والمعلومات المفتوحة المصدر، مضيفة أن الإدارة الأميركية تواصل جمع المعلومات.

وأفسد الهجوم على المستشفى الأهلي العربي المعمداني عمل مهمة بايدن الدبلوماسية الطارئة في الشرق الأوسط، إذ ألغى قادة عرب قمة كانت مقررة معه.

واتهم مسؤولون فلسطينيون إسرائيل بتنفيذ الانفجار الضخم بضربة جوية وقالوا إنه أودى بحياة ما يصل إلى 500 شخص. وقالت الدولة العبرية إن الانفجار نجم عن إطلاق حركة الجهاد الإسلامي صاروخا، لكن الحركة تنفي ذلك.

ونفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن الهجوم، لافتا إلى أن “معلومات المخابرات العسكرية تشير إلى أن “المستشفى تعرض لهجوم صاروخي فاشل شنته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في القطاع”.

“تل أبيب” تدعو مواطنيها لمغادرة تركيا بأسرع وقت بعد تظاهرات غاضبة لعرب وأتراك أمام مقر السفارة الإسرائيلية

وكان الهدف من زيارة بايدن للشرق الأوسط هو تهدئة المنطقة وإظهار دعم الولايات المتحدة لحليفتها إسرائيل، التي تعهدت بالقضاء على حركة حماس التي قتل مقاتلوها 1400 إسرائيلي في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لكن بعد الانفجار في مستشفى المعمداني، ألغى الأردن النصف الثاني من رحلة بايدن، وهو قمة كانت مقررة في عمان مع قادة الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية لتوصيل المساعدات لغزة وتجنب حرب أوسع نطاقا.

واستخدمت الولايات المتحدة اليوم الأربعاء حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدعو إلى هدنة إنسانية للصراع بين إسرائيل وحركة حماس للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وجرى تأجيل التصويت مرتين خلال اليومين المنصرمين على النص الذي صاغته البرازيل في ظل محاولة الولايات المتحدة التوسط في إدخال المساعدات إلى غزة. وصوت 12 عضوا لصالح مسودة النص بينما امتنعت روسيا وبريطانيا عن التصويت.

وقالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن الفيتو الأميركي سببه أن القرار لا يشير إلى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الأربعاء أنه سيسمح بدخول مقيد لمواد إنسانية من خلال مصر إلى غزة، بموجب قرار اتخذ بالإجماع في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر.

وقال “بناء على طلب الرئيس بايدن فإن إسرائيل لن تحبط تقديم معونات إنسانية من مصر طالما احتوت هذه المعونات على المواد الغذائية والمياه والأدوية للسكان المدنيين الموجودين في جنوب قطاع غزة أو الذين يتحركون إلى هناك، وطالما لا تصل هذه الإمدادات إلى أيدي حماس”، محذرا من أنه “سيتم إحباط تمرير أي إمدادات لحركة المقاومة الإسلامية”.

وأشار إلى أن “إسرائيل لن تسمح بتقديم أي مساعدات إنسانية عبر أراضيها إلى قطاع غزة مالم يتم إعادة مخطوفينا”.

وقال “إسرائيل تطالب بترتيب زيارات للصليب الأحمر لمخطوفينا وهي تعمل على حشد دعم دولي واسع النطاق لهذه المطالبة”.

وأعلن إنه بادر لهذه الخطوات “في ضوء الدعم الأميركي واسع النطاق والحيوي للجهود الحربية الإسرائيلية وبناء على طلب الرئيس بايدن بتقديم مساعدات إنسانية أساسية”.

وفي سياق متصل قال مصدر استخباري أوروبي اليوم الأربعاء إن القصف الذي طال مستشفى في غزة ليل الثلاثاء أدى لمقتل عشرات وليس مئات كما أعلنت وزارة الصحة في القطاع.

وقال المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه “لم يسقط 200 أو 500 قتيل، لكن بضع عشرات، الأرجح بين 10 و50 شخصا”، مرجحا أن “إسرائيل لم تقم بذلك على الأرجح” وذلك استنادا إلى “خيوط جادة” بناء على معلومات استخبارية متوافرة.

مظاهرات شعبية عفوية في عدة مدن مغربية بعد جريمة إسرائيل قصف مستشفى بغزة

إلا أن استشهاد  حوالي 700 فلسطيني في قصف للمستشفى المعمداني، دفع دولا غربية إلى التراجع خطوة إلى الوراء في تأييدها المطلق للقصف الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة.

إذ أدانت كل من ألمانيا وفرنسا مقتل مئات الفلسطينيين وطالبتا بفتح تحقيق في هذه الجريمة، وانضم إليهما كل من المجلس الأوروبي والاتحاد الأوروبي، بينما تبنت واشنطن الرواية الإسرائيلية بأن الفلسطينيين من يقفون وراء قصف المستشفى المعمداني “بالخطأ”.

وهذه المواقف الغربية المتباينة تعكس رغبة أوروبية في الابتعاد قليلا عن الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، بما فيها المسلمات الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان.

لكن الزعماء الأوروبيين لم يدينوا إسرائيل صراحة، بل طالبوا بفتح تحقيق في القضية، لذلك من المستبعد أن يفضي أي تحقيق إلى إدانة الجيش الإسرائيلي ومحاسبته جنائيا على مقتل 500 فلسطيني بضربة واحدة، وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى قضية مقتل الطفل محمد الدرة، في 30 سبتمبر/ أيلول 2000.

فتل أبيب تعلمت الدرس من استشهاد الدرة، عندما أقر الجيش الإسرائيلي بوقوف جنوده وراء مقتله، قبل أن يتراجع ويُحمّل المقاتلين الفلسطينيين المسؤولية، بعد المظاهرات والاعتصامات العارمة التي شهدتها عدة عواصم عالمية منددة بهذه الجريمة.

وتكرر الأمر عند مقتل صحفية قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، في 11 مايو/ أيار 2022، والذي رفض الجيش الإسرائيلي الاعتراف بقتلها، ورمى بالمسؤولية على مسلحين فلسطينيين، كما رفض في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “FBI” في تحقيق أطلقه الأخير في مقتلها.

وإفلات إسرائيل في كل مرة من العقاب، يدفعها إلى التمادي في ارتكاب مثل هذه الجرائم ضد المدنيين، لكن تداعيات مجزرة مستشفى غزة على تل أبيب لن تكون كما قبلها.

فالرواية الإسرائيلية غير متماسكة ويصعب تصديقها، فمرة تتهم “حماس” بقصف المستشفى بالخطأ، ومرة أخرى تتهم حركة الجهاد الإسلامي، لكنها لا تستطيع أن تنفي طلبها إخلاء المستشفى قبل قصفه، ونفس التحذير وجهته لعدة مستشفيات في القطاع.

فضلا عن أن قوة التفجير، بحسب خبراء عسكريين، لا يمكن أن تكون للصواريخ الصغيرة ومحدودة الانفجار التي تملكها الحركات الفلسطينية، بل لقنبلة أمريكية الصنع تتباين الآراء بشأنها بين من يعتقد أنها من نوع “MK 84″، بحسب الصور التي نشرها فلسطينيون من عين المكان لشظايا القنبلة، ومن يرى أنها من نوع “JDAM” أمريكية الصنع أيضا.

وبغض النظر عن نوع القنبلة فإنها بالتأكيد أمريكية الصنع، وتوجد ضمن في ترسانة الجيش الإسرائيلي، ما يدحض الرواية الإسرائيلية، بل يضع واشنطن أمام أصابع الاتهام، لسماحها لتل أبيب باستعمال أسلحة بهذا الحجم من الدمار ضد مستشفى مكتظ بالمرضى والمدنيين الذين تجمعوا للاحتماء به.