عزيز أخنوش.. رجل أعمال نجح باستقطاب الناخبين و الإطاحة بحكم “العدالة والتنمية”

0
254

“اليوم أغلق قوس العدالة والتنمية في المغرب ، نحن أمام مرحلة جديدة بأحزاب لا تعارض أسس الحكم ولديها قرب من القصر”..دفع حزب “العدالة والتنمية” المعتدل ثمناً باهظاً لـ “تليين” خطه السياسي فجاء التصويت عقابياً..وهل للسياق الإقليمي شأن بنكسته الانتخابية التاريخية؟ حيث اكتفى بـ12 مقعدا مقابل 125 سابقا.

الرباط – فقد استطاع رجل الأعمال المغربي عزيز أخنوش (60 عاما) أن ينهي سيطرة حزب “العدالة والتنمية” الإخواني على رئاسة الحكومة في المغرب. هذا الرجل الذي جمع بين السياسية والمال -إذ تقدر ثروته بملياري دولار- سطع نجمه الخميس عقب الإعلان عن تصدر حزبه “التجمع الوطني للأحرار” الانتخابات البرلمانية في المملكة. يشغل أخنوش منصب وزير الفلاحة والصيد البحري منذ 2007.

وعيّن الملك المفدى محمد السادس – حفظه الله-  عزيز أخنوش رئيساً للحكومة بعد تصدّر حزبه الانتخابات. يعدّ أخنوش شخصية جدلية بامتياز بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي، فكيف انتقل من رجل الظل الذي لم يعرف له تاريخ حزبي قوي إلى هذه المكانة؟

لم يكن المتتبعون للعملية السياسية في المغرب، خلال الانتخابات التشريعية لعام 2016، يعتقدون أن عزيز أخنوش، وزير الفلاحة القوي، سيكون له دور حاسم في تشكيل الحكومة الموالية لتلك الانتخابات، لكن بعد صعوده بشكل مفاجئ إلى رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي حصل في تلك الانتخابات على المركز الرابع، بدا أن مهمة عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، الفائز حينها بالانتخابات، لن تكون سهلة.

وانضم لحزب “التجمع الوطني للأحرار” وجمد وضعيته بداخله لسنوات قبل أن يعود إليه عام 2016. وغاب أخنوش عن المشهد السياسي منشغلا بالاقتصاد، ليلقب فيما بعد برجل الغاز لإدراته مجموعة أكوا التي تضم نحو 50 شركة في مجالات متنوعة على رأسها توزيع الغاز.

وبدا رجل الأعمال الثري الذي عينه الملك محمد السادس الجمعة رئيسا للحكومة، واثقا من نفسه دون حماس مفرط وهو يحتفل بانتصار حزبه بحصول على مئة ومقعدين من أصل395)، إذ لم  تؤثر عليه اتهامات خصومه السياسيين حول “جمع المال والسلطة”.

واعتبر ذلك الإنجاز الانتخابي “انتصارا للديمقراطية”، مؤكدا استعداده “للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معنا في المبادئ والبرامج، تحت القيادة السامية لجلالة الملك”.

بقي أخنوش وزيرا لهذا القطاع الحيوي الأهم في الاقتصاد المغربي حتى ضمن الحكومة المنتهية ولايتها. لكنه ظل قليل الظهور على مستوى قيادة حزبه، مبتعدا أيضا عن الخوض في التجاذبات السياسية والخرجات الإعلامية.

استمر الرجل الذي كان في شبابه حارس مرمى إحدى فرق الهواة بالدار البيضاء، وزيرا للزراعة حتى عندما غادر حزبه الحكومة لمدة عام ونصف بعد وصول الإسلاميين إلى رئاستها العام 2012 في سياق الربيع العربي، محتفظا بعلاقات جيدة مع رئيسها الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران.

كان الإسلاميون يواجهون آنذاك منافسة قوية من حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي أسسه العام 2008 مستشار الملك حاليا فؤاد عالي الهمة، قبل أن يغادره في 2011. لكنه فشل في هزيمتهم في انتخابات 2016، ليظهر مباشرة بعدها أخنوش بقوة في الساحة السياسية بعدما اختير رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار.

ظلّ الحزب الإسلامي المعتدل يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية العام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة من دون السيطرة على الوزارات الأساسية. وذلك في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 التي طالبت “بإسقاط الفساد والاستبداد”.

حل الأخير رابعا في تلك الانتخابات. لكنّ أخنوش سرعان ما استطاع تجميع تكتل من أربعة أحزاب، فارضا اشتراطات على رئيس الحكومة المكلف بنكيران لتشكيل الحكومة، ما تسبب في أزمة سياسية استمرت أشهرا وانتهت بإعفاء الملك بنكيران من رئاسة الحكومة واستبداله بسعد الدين العثماني الذي قبل شروط أخنوش.

يرى أستاذ العلوم السياسية محمد شقير أن “أخنوش كان بمثابة رئيس الحكومة الفعلي في ظل المشاكل التي واجهها العثماني في تسيير الأغلبية”.

وإلى جانب وزارة الزراعة، تولى الحزب قطاعات أساسية في الحكومة المنتهية ولايتها مثل الاقتصاد والمالية والصناعة والسياحة.

بعد عامين على ذلك، واجه أول أزمة حادة منذ توليه رئاسة التجمع، حين أطلقت حملة واسعة مجهولة المصدر على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة ثلاث علامات تجارية كبرى، بينها شركة “أفريقيا” لتوزيع المحروقات التي يملكها، احتجاجا على ما اعتبر “هيمنة” على السوق.

ويسير أخنوش منذ 1996 مجموعة “أكوا” المتخصصة في المحروقات والعقار والاتصالات، وهو حاصل على شهادة في التسيير الإداري من جامعة شيربروك في كندا.

ووجد نفسه في تلك الفترة موضع جدل على خلفية ما اعتُبر أنه تضارب في المصالح بين ممارسة أنشطة تجارية وتولي مسؤوليات حكومية. وتجدد هذا الجدل عندما انتقد تقرير لجنة برلمانية في مايو 2018 أرباحا “غير مستحقة” حققتها شركات توزيع المحروقات منذ تحرير أسعارها العام 2015.

تحدثت الحكومة آنذاك عن “تسقيف الأسعار” حفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين لكنها لم تنفذ ذلك، علما أن الجدل استهدف أيضا شركات أخرى أبرزها “توتال” و”شال” الأجنبيتين، وأثار تساؤلات حول شبهة الإخلال بشروط المنافسة من خلال تواطؤات حول الأسعار. 

وقرر مجلس المنافسة (رسمي) في يوليو 2020 فرض غرامة مالية تعادل 9 بالمئة من رقم المعاملات السنوي للشركات الثلاث، لكن الملك محمد السادس أعفى رئيس هذا المجلس بعد شكوى من أعضاء فيه تفيد بـ”اختلالات مسطرية” و”غموض إجراءات التحقيق”. 

رغم هذا الجدل حافظ أخنوش على عادته في التقليل من الظهور الإعلامي، وبدأ حزبه يأخذ مسافة أوضح من شركائه الإسلاميين في الحكومة، مطلقا في الأشهر الأخيرة حملة تواصلية واسعة جابت 100 مدينة مغربية في 100 يوم، تحضيرا للانتخابات. 

كما عزز بشكل كبير حضوره في مواقع التواصل الاجتماعي، علما أن أخنوش لديه أيضا مجموعة إعلامية.

عادت الاتهامات حول “استعمال المال” لتلاحق أخنوش مجددا خلال الحملة الانتخابية، إذ اتهمه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي “بإغراق الساحة بالمال”، قبل أن يهنئه على الفوز بالانتخابات بعد ظهور النتائج. 

كما هاجمه رئيس الحكومة السابق بنكيران، معتبرا أنه “لا يملك إلا المال” و”ليس له لا إيديولوجيا ولا ماض سياسي”.

كعادته، فضل رجل الأعمال عدم الخوض في سجال مع خصومه، وقال غداة ظهور النتائج “لم نأت لمواجهة تيار سياسي أو حزب معين”، مجددا الوعد بالعمل “على تحسين المعيش اليومي للمغاربة”.

من جهته يشير أستاذ العلوم السياسية أحمد بوز إلى أن “انهيار” الإسلاميين في هذه الانتخابات يرتبط أيضا “باستمرار الازدواجية لديهم بين شعارات قوية تخالف الممارسة”.

ويخص بالذكر توقيع رئيس الحكومة المنتهية ولايته سعد الدين العثماني على اتفاق استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل أواخر العام الماضي 2020 في مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء “بينما دان ذراعه الدعوي ذلك”.

ويرتبط العدالة والتنمية بحركة التوحيد والإصلاح وهي جمعية دعوية نشيطة، تعتبر مناهضة التطبيع مع إسرائيل من شعاراتها الرئيسية.

ووجد الحزب نفسه مرة أخرى في تناقض مع مواقفه المعلنة عندما تبنى قانونا ينص على استعمال اللغة الفرنسية في التدريس، فيما خاض ذراعه الدعوي وأمينه العام السابق حملة ضد “استهداف” اللغة العربية.

وتكرر الأمر مجددا عندما تبنت الحكومة قانونا لإباحة زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، لكن نواب الحزب في البرلمان امتنعوا عن تبنيه بعد تهديد بنكيران بالاستقالة منه بدعوى أن المشروع “شرعنة للمخدرات”.

وعكست الخلافات انقساما واضحا بين خطين وأثّرت سلباً على الاستعداد للانتخابات وفق حمودي الذي لفت إلى تواري حركة التوحيد والإصلاح خلال الانتخابات وعدم دعوة أعضائها للتصويت لصالح الحزب.

وختم “في النهاية توجه العثماني وتيار الوزراء إلى الانتخابات معزولين”. وكانت أولى نتائج الهزيمة المدوية استقالة أعضاء الأمانة العامة للحزب من قيادته، بمن فيهم سعد الدين العثماني.

وأعلنت الأمانة العامة المستقيلة مساء الخميس أنها “تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة”.

التصويت العقابي والسياق الإقليمي وراء “نكسة” حزب العدالة والتنمية بالمغرب

اعتبر محللون يوم الخميس 09 / 09 / 2021 أن تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت في اليوم السابق الأربعاء بالمغرب، وتصدرها حزب التجمع الوطني للأحرار، كان متوقعا ولكن ليس بهذه الصورة.

وقال محمد بودن المحلل السياسي والأكاديمي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية لرويترز “فوز حزب التجمع الوطني للأحرار كان متوقعا أن يكون ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى،

لكن المفاجئ هو أن حزب العدالة والتنمية ليس من الأربعة الأوائل، بل وتقهقر إلى المرتبة الثامنة”.

وحصل حزب التجمع الوطني للأحرار على 102 مقعدا، من أصل 395 مقعدا، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة (87 مقعدا)، ثم الاستقلال (81 مقعدا)، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (34 مقعدا)، وحزب الحركة الشعبية (28 مقعدا)، والتقدم والاشتراكية (22 مقعدا)

والاتحاد الدستوري (18 مقعدا)، والعدالة والتنمية (13 مقعدا)، بينما حصلت باقي الأحزاب الأخرى على 12 مقعدا. تصويت عقابي: وقال بودن “في تصوري أن النتائج حملت فعلا تصويتا عقابيا كبيرا ضد العدالة والتنمية”.

وأضاف أنه يعتقد أن حزب العدالة والتنمية “انهزم لأنه لم يرتكز على إنجازات كبيرة ليقنع بها الهيئة الناخبة”.

وأشار بودن إلى أن الحزب “المتصدر يكون دائما مستهدفا، فالعدالة والتنمية لم يفهم أن تصدره نتائج الانتخابات طيلة عشر سنوات، سيجعله مستهدفا من قبل الأحزاب المتنافسة الأخرى”.