أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء زيارة إلى الجزائر حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون ودعاه للقاء بوتين في موسكو. كما أثار لافروف ملف الغاز وأيضا التعاون العسكري والاستراتيجي معلنا عن إعداد الطرفين “وثيقة استراتيجية”، فيما تواجه بلاده عقوبات غربية وباتت حسب مراقبين غارقة بشكل خطير في “المستنقع الأوكراني”.
وكان تبون قد تحدث هاتفيا مع بوتين قبل شهر و”اتفق الرئيسان على أهمية تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، والاجتماع القادم للجنة المشتركة، للتعاون الاقتصادي”، التي تأجلت بسبب جائحة فيروس كورونا، حسب ما أفادت الرئاسة الجزائرية.
لافروف وبعد وضعه إكليلا من الزهور في مقام الشهيد وهو معلم يخلد تضحيات شهداء الجزائر، أجرى محادثات ثنائية مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة، ثم وسعت لتضم وفدي البلدين.
بعدها، انتقل إلى مقر رئاسة الجمهورية، حيث أجرى مه الرئيس عبد المجيد تبون محادثات امتدت لأزيد من ساعة.
وقال لافروف عقب اللقاء: “نظرا للتطور السريع للعلاقات الودية والوثيقة بين البلدين في جميع المجالات، فقد دعمنا مبادرة أصدقائنا الجزائريين لإعداد وثيقة إستراتيجية جديدة بين الدولتين تعكس جودة الشراكة الثنائية”.
وتابع: “طوال هذه السنوات، عملنا بنشاط على تطوير حوار سياسي وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني والعلاقات الإنسانية والثقافية التعليمية بما يتفق تماما مع المبادئ المنصوص عليها عام 2001 في الإعلان الثنائي حول الشراكة الاستراتيجية”.
ومشروع اتفاق الشراكة الإستراتيجية المعمقة عبارة عن وثيقة تحدد بدقة أهداف ومجالات التعاون بين البلدين في قطاعات عديدة، مع تحديد آجال زمنية لتنفيذها تمتد غالبا بين 4 و5 سنوات.
في هذا السياق، أجرى وزيرا الخارجية الجزائري والروسي محادثات مطولة الثلاثاء تناولت “التعاون الاقتصادي والعسكري والتقني والعلاقات الإنسانية والثقافية”، وفق ما نشرت وزارة الخارجية الروسية. وقال لافروف “نظرا للتطور السريع للعلاقات الودية الوثيقة في جميع المجالات، فقد دعمنا مبادرة أصدقائنا الجزائريين التي تهدف إلى صياغة وثيقة استراتيجية جديدة بين الدولتين والتي ستعكس جودة الشراكة الثنائية”.
وعن فحوى هذه الوثيقة، قال المحلل السياسي د. إسماعيل معراف: “تصريحات لافروف كانت فقط إعلامية والجزائر لن تصبح قاعدة خلفية للروس مثلما كانت في فترة الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي”. وقال معراف: “هي مجرد وثيقة سياسية ولن تتبلور في شكل معاهدة. لا ننسى زيارة بلينكن إلى الجزائر وتذكيره بأهمية وتاريخ العلاقات الجزائرية الأمريكية. النظام الروسي معزول والمخابرات في الغرب وخاصة أمريكا تعمل بشكل جيد وتخطط للبعيد. بوتين انتهى بعد أن تم جره إلى المستنقع” الأوكراني.
سعدت باستقبال السفير الأنغولي المتنقل السيد ديكومبونا سيتا خوسيه الذي يقوم بزيارة عمل إلى الجزائر بصفته مبعوثا خاصا حاملا رسالة موجهة إلى الرئيس عبد المجيد تبون من أخيه الرئيس جواو لورنسو،وذلك في إطار السنة الراسخة التي دأبنا عليها في التشاور والتنسيق والدعم المتبادل بين البلدين. pic.twitter.com/ltW88NJDpN
— Ramtane Lamamra | رمطان لعمامرة (@Lamamra_dz) May 4, 2022
وكان رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي قد دعا إلى أن تتحرك بلاده بسرعة من أجل تنويع مصادرها من الطاقة لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
وقال دراغي إن إيطاليا تستورد 95 بالمئة من الغاز الذي تستهلكه، وبنسبة 45 بالمئة من روسيا، مضيفاً بأنه يمكن زيادة الإمدادات من الجزائر ومن أذربيجان وتونس وليبيا أيضاً.
ونقل عن هكار قوله الأحد لصحيفة “ليبرتي” اليومية الجزائرية الناطقة بالفرنسية إن سوناطراك “مزود يعتمد عليه للغاز إلى السوق الأوروبية وهي مستعدة لدعم شركائها على المدى الطويل في حالة الأوضاع الصعبة”.
وقال هكار إن أوروبا هي “السوق الطبيعي المفضل” للغاز الجزائري، الذي يستحوذ على حوالي 11 بالمئة من واردات الغاز الأوروبية.
وقد أثار الغزو الروسي لأوكرانيا، ووقف ألمانيا بوقف العمل في خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا ومنها إلى أوروبا، قلقاً كبيراً في أوروبا من مواجهة نقص في إمدادات الغاز.
فقد ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بشكل كبير الأمر خلال الأيام القليلة الماضية، ما دفع الدول الأوروبية إلى طمأنه مواطنيها بأنها ستقدم دعماً لهم في محاولة لتخفيف الضغط عن كاهل الأسر منخفضة الدخل.
وسط هذه الأزمة، هناك من يشكك بقدرة الجزائر على تعويض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، نظراً إلى الفرق الهائل في انتاج الدولتين.
وقال وزير الطاقة الجزائري السابق عبد المجيد عطار لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الجزائر تصدر 22 مليار متر مكعب من الغاز كحد أقصى عبر خط أنابيب “ترانزميد”، وهو ما يترك قدرة استيعاب لعشرة مليارات متر مكعب أخرى”.
وقال العطار، الذي عمل في السابق أيضاً رئيساً تنفيذياً لسوناطراك، إن الجزائر لا يمكنها “تعويض التراجع في واردات الغاز الروسية” منفردةً، قائلاً إنه يمكنها أن تقدم مليارين أو ثلاث مليارات متر مكعب إضافية كحد أقصى.
وأشار إلى أن الجزائر يمكنها أن ترسل كميات أكبر من الغاز على المدى المتوسط، أي “في غضون أربعة أو خمسة أشهر”، لكن أشار سيتعين على البلاد أولاً أن “تطور احتياطيات جديدة” من الغاز الصخري.
من الأسباب الأخرى التي يذكرها المشككون في قدرة الجزائر على تعويض التراجع في إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، الخطوة التي أقدمت عليها الجزائر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما رفضت تجديد عقد خط أنابيب يمر عبر المغرب ويزود إسبانيا بالغاز، رداً على الخلافات مع الرباط التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معها.
يصل غاز الجزائر إلى إيطاليا مباشرة عبر خط أنابيب تحت البحر، بينما يتدفق الغاز إلى إسبانيا والبرتغال عبر خطي أنابيب آخرين تحت البحر. الأول، الذي بني بين عامي 1996 و1997، يمر عبر المغرب، والذي يستخدم بعض الغاز لمولداته الخاصة. والثاني، ينتقل مباشرة من الجزائر إلى إسبانيا.
وقد أنهى القرار الجزائري فعلياً استخدام خط أنابيب الغاز المغرب- أوروبا، وجعلها تعتمد عوضاً عن ذلك على خط أنابيب “ميدغاز”، الذي يمتد مباشرة من الجزائر إلى إسبانيا من دون المرور بالأراضي المغربية.
ويمكن لخط أنابيب “ميدغاز” نقل ثماني مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وهناك خطط للعمل على زيادة طاقته السنوية لتصل إلى 10.5 مليار متر مكعب.
كما اقترحت الجزائر أيضاً زيادة الشحنات التي ترسلها من الغاز الطبيعي المسال بالسفن عبر البحر، ولكن خبراء يعتقدون أن ذلك غير مجد من الناحية المالية.
وكانت سوناطراك قد أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي أنها ستستثمر 40 مليار دولار في مشاريع التنقيب عن النفط وانتاجه وتكريره، وكذلك في التنقيب عن الغاز واستخراجه، بين عامي 2022 و2026.
وخلال أحدث اتصال هاتفي بينها في 18 أبريل/ نيسان الماضي، أكد تبون وبوتين “نيتهما مواصلة التنسيق الثنائي بصيغة “أوبك+”، وفي إطار منتدى الدول المصدرة للغاز من أجل ضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية”، بحسب ما نقلته وسائل إعلام روسية عن الكرملين.
وتبحث الجزائر وروسيا عن أسواق جديدة، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مجالات التعاون قد تمتد من القطاع العسكري والتقني التقليدي إلى الزراعة والصناعة وإعادة بعث منح التعليم للطلبة الجزائريين في الجامعات الروسية مثلما كان عليه الحال في العقود السابقة.
وتربط الجزائر وموسكو علاقات تاريخية عريقة ومتينة، سواء على المستوى الاقتصادي بحجم تبادلات وصل إلى 4,5 مليار دولار، وأيضا على الصعيد السياسي والاستراتيجي. وفي 2021، بلغت قيمة المبادلات التجارية 3 مليارات دولار “رغم الأزمة التي تسببت فيها جائحة فيروس كورونا” حسب ما قال لافروف الثلاثاء. وتنسق الجزائر مع روسيا في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز وكذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط “أوبك بلاس”.
وزير خارجية إسبانيا يجدد موقف بلاده دعم مبادرة الحكم الذاتي بوصفها الحل الوحيد والممكن لقضية الصحراء