“محطة العزوزية بمراكش: مشروع بـ12 مليار سنتيم في قلب تحقيقات حول تبديد المال العام واستغلال النفوذ”

0
197

في مشهد يعكس عمق اختلالات تدبير الشأن المحلي وتفشي الفساد في مشاريع البنية التحتية، فجّرت الجمعية المغربية لحماية المال العام – المكتب الجهوي مراكش الجنوب، قنبلة من العيار الثقيل بعد أن تقدمت بشكاية إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمراكش، تتهم فيها جهات لم تُسمها صراحة، لكنها أحاطتها بشبهات تبديد المال العام، الثراء غير المشروع، واستغلال النفوذ في ملف المحطة الطرقية الجديدة بمنطقة العزوزية، المشروع الذي وُلد في إطار “الحاضرة المتجددة” لكنه مات قبل أن يرى النور.

سؤال مركزي: لماذا فشل مشروع ضخم كهذا رغم توفر الموارد والمصادقة الرسمية؟

الملف، كما كشفته الشكاية، يُظهر أن جذور الفشل لا تعود إلى نقص في التمويل أو تعقيدات تقنية، بل إلى تشابك مصالح بين منتخبين ومسؤولين وشركات محظوظة تمكّنت من تحويل المشروع إلى وسيلة للإثراء وليس أداة للتنمية.

وفقًا لما ورد في الشكاية، تعود جذور المشروع إلى الولاية الجماعية (2009-2015)، حيث صودق عليه بتكلفة ضخمة بلغت 12 مليار سنتيم، ورُصد له دعم ضمن برنامج “الحاضرة المتجددة” الذي خصص له مبلغ 89 مليون درهم. غير أن المحطة، التي كان يفترض أن توفر فضاءً عصريًا لنقل المسافرين وتحرّك الدورة الاقتصادية للمنطقة، تحوّلت إلى منشأة مغلقة منذ أكثر من سنتين، بعد إنجازها بأشغال وصفت بـ”المعيبة”.

من استفاد؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ أسئلة تحتاج إلى تفكيك…

في قلب هذا الملف تبرز عدة معطيات صادمة:

  • كراء عقار تابع للدولة (6 هكتارات) بثمن زهيد للغاية (127 ألف درهم في السنة)، وبشروط غير متكافئة تجبر المكتري على إعادة كل التحسينات المنجزة دون تعويض.

  • منح جزء من العقار (7500 م²) لشركة “AYA KECH GEST” لاستغلاله في مشروع فندق ومحطة وقود، رغم أن التخصيص الأصلي كان لمحطة سيارات الأجرة.

  • ظهور أسماء مثل “ح.م” و“ح.ح” المرتبطين بمسؤولين محليين، كأصحاب الشركة المذكورة، في سياق يطرح علامات استفهام حول التخطيط المسبق لاحتكار العروض العقارية العمومية.

  • تمرير الموافقات على أساس وثائق تصف الأرض بأنها فلاحية، وهو توصيف غير مطابق للواقع.

  • توقيع عقد الكراء من طرف شخص لم يعد شريكًا قانونيًا في الشركة بعد تخليه عن حصته، ما يطعن في شرعية الإجراءات التعاقدية.

  • تغيير التصميمات بشكل متكرر لزيادة المساحة المستغلة، في تجاوز للمخطط المصادق عليه.

أي دور للمنتخبين والسلطة المحلية؟

الشكاية توجه اتهامات مباشرة لبعض المنتخبين والمسؤولين بـاستغلال النفوذ لتمرير الصفقات، وبـتجاهل مكونات أساسية في المشروع مثل مهنيي النقل الذين يملكون 60% من أسهم المحطة القديمة بباب دكالة. هذا التجاهل، بحسب الشكاية، يخالف القوانين الأساسية المنظمة لشركات التدبير المحلي، ويشكك في شرعية قرارات الإقصاء المعتمدة.

كما أن العقار القديم لمحطة باب دكالة، والذي تُقدّر قيمته بـ50 مليار سنتيم، ظل مغيبًا في كل هذا النقاش. هل كان تفويت هذا العقار أحد المحركات غير المعلنة للمشروع الجديد؟ وهل كان الهدف هو تصفية الأصل للاستفادة من موقعه التجاري الإستراتيجي؟

أين كانت سلطات المراقبة؟ وأين التقارير المحاسبية والافتحاصات؟

تدعو الجمعية، عن طريق شكايتها، إلى فتح تحقيق قضائي مستعجل يشمل المنتخبين السابقين (2009-2021)، مسؤولي شركة “AYA KECH GEST”، والي جهة مراكش الأسبق، أعضاء لجنة الاستثمار، مسؤولي التعمير، وممثلي مكاتب الدراسات. هذه الدعوة توحي بأن القضية تتجاوز مجرد إخفاق إداري لتتجه نحو ملف فساد بنيوي ومنظم، قد يرقى إلى مستوى الشبكات التي تمزج بين الاقتصاد العقاري والسياسة المحلية.

بين الحاضرة المتجددة والحقيقة المغيبة: هل نعيش مأساة مشاريع صورية؟

مشروع العزوزية، الذي كان يُفترض أن يكون عنوانًا لمراكش المستقبلية، تحول إلى نموذج مصغر لعطب أكبر في تدبير السياسات العمومية: مشاريع تُسوَّق بوصفها قاطرات للتنمية، لكنها تُفصَّل على مقاس مصالح معينة، وتُجهَز بطرق مغشوشة، ثم تُرمى في الهامش تحت مبررات تقنية أو إدارية.

هل نحن أمام قضية معزولة؟ أم أن ما حدث في العزوزية يعكس نمطًا مألوفًا في تدبير مشاريع البنيات التحتية عبر المغرب؟

ومتى يمكن الحديث عن محاسبة حقيقية تُعيد الاعتبار للمال العام والمصلحة العامة؟

خلاصة نقدية:

إن ما يكشفه ملف محطة العزوزية ليس فقط “فشل مشروع”، بل فشل منظومة، تُنتج قرارات بدون مشاركة، وتوزّع العقارات العمومية كغنائم، وتُحيل المؤسسات الرقابية إلى واجهات صامتة.

ويبقى السؤال الأساسي معلقًا: هل تملك العدالة اليوم ما يكفي من الأدوات والإرادة لاجتثاث الفساد المستتر وراء مشاريع التنمية؟