نشأة موحدة ومشتركة بين اختصاصات التعمير والإسكان، ما مصيرها في الحكومة المرتقبة؟!!

0
331
الكاتب: محمد مرفوق 

مسؤولو قطاع إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إدارة ونقابات مهنية، متخوفون من تشردم جديد لاختصاصات وزارتهم، إرضاء لتوزيع أوسع لغنيمة الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية المرتقبة بين الأحزاب التي ستكون الأغلبية القادمة !!!

الوزارة منذ نشأتها الأولى مع أول حكومة البكاي بنمبارك الهبيل، التي تم تنصيبها بتاريخ 7 دجنبر 1955، مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، تضمنت وزارة للتعمير والسكنى، ووضع على رأسها آنذاك الدكتور محمد بن بوشعيب، وهي الوزارة التي اختفى اسمها من على قائمة الحكومات المتتالية ابتداء من الحكومة الثانية المنصبة بتاريخ 28 أكتوبر 1956، حيث دمجت كل المصالح التي كانت في ما سبق، تتكون منها وزارة التعمير والسكنى الأولى، ضمن مصالح وزارة الأشغال العمومية بموجب مقتضيات الفصل الخامس من الظهير رقم 1.56.269 بتاريخ 28 أكتوبر 1956.

وهكذا ظلت لمدة لا يستهان بها من الزمن، اختصاصات التعمير والسكنى مجتمعة، موحدة غير متفرقة داخل مديرية خاصة تابعة لوزارة الأشغال العمومية..

ومع الحكومة رقم 12 التي ترأسها كريم العمراني، والمنصبة بتاريخ 6 غشت 1971، تقرر آنذاك إدماج مصالح التعمير والسكنى في وزارة الداخلية التي عُين على رأسها آنذاك، الوزير أحمد بن بوشتى، وظلت مصالح التعمير والسكنى مجتمعة موحدة داخل مديرية خاصة كان يوجد على رأسها المهندس محمد الداودي.. انتماء هذه المديرية لوزارة الداخلية لم يعمر طويلا، حيث بعد مرور ثمانية أشهر على هذا الوضع، استرجع قطاع التعمير والسكنى استقلاليته من جديد..

فبعد تبعية في مرحلة أولى لمصالح الأشغال العمومية ولمدة ناهزت عقدا ونصف من الزمن، وفي مرحلة ثانية كانت جد قصيرة لمصالح وزارة الداخلية، فمع تنصيب الحكومة رقم 13 بتاريخ 13 أبريل 1972 والتي ترأسها هي الأخرى كريم العمراني، يتم تعيين الحسن الزموري وزيرا جديدا للتعمير والسكنى والمحافظة على البيئة الطبيعية..

وهكذا للمرة الثانية، تُرفع مصالح التعمير والسكنى إلى مرتبة وزارة، وتضاف لهما المحافظة على البيئة الطبيعية، النواة الأولى التي ستصبح في ما بعد وزارة للبيئة قائمة بالذات..

وانتظرنا إلى حين تنصيب الحكومة رقم 15 تحت رئاسة أحمد عصمان بتاريخ 10 أكتوبر 1977 ليتم تعيين عباس الفاسي وزيرا على القطاع الذي أصبح يحمل اسم: وزارة السكنى وإعداد التراب الوطني، ولتبقى مرة أخرى مصالح التعمير والسكنى مجتمعة مرتبطة غير متفرقة، وتضاف إليهما ولأول مرة مديرية جديدة خاصة بإعداد التراب الوطني، وضع على رأسها آنذاك الدكتور نجيب الذي كان يعمل بجانبه كل من المهندس امحمد الماليتي، مكلفا بقسم البيئة؛ وباني العياشي، مهندسة مكلفة بقسم إعداد تصاميم الهياكل الجهوية والوطنية..

وهكذا ظلت كل هذه الاختصاصات تعمل مجتمعة تحت سقف وزارة واحدة طيلة ترأس عباس الفاسي لوزارة السكنى وإعداد التراب الوطني، وحتى بعد مجيء الحكومة رقم 17 بتاريخ 5 نونبر 1981 والتي ترأسها المعطي بوعبيد، والتي تم خلالها تعيين المفضل لحلو، هو الآخر وزيرا للسكنى وإعداد التراب الوطني، ظلت الاختصاصات موحدة لتبقى المصالح الثلاث مشتركة وموحدة في إطار وزارة واحدة..

وبتاريخ 11 أبريل 1985، وترأس كريم العمراني مرة أخرى لحكومة جديدة حملت رقم 19، والتي تم تعيين عبد الرحمان بوفتاس بين أعضائها، وزيرا فقط لقطاع السكنى لا غير، حيث انتقلت بموجب مقتضيات المرسوم رقم 2.85.364 بتاريخ 18 أبريل 1985، اختصاصات التعمير وإعداد التراب الوطني إلى وزارة الداخلية التي كان يترأسها إدريس البصري.. وهكذا للمرة الثانية تسند مصالح التعمير لوزارة الداخلية وإن كانت التجربة الأولى لم تعمر طويلا حيث لم تتعد الثمان أشهر كما سبقت الإشارة إليه.. ولكن الحدث الجديد والأهم، والمؤسف له في نفس الوقت، أنه لأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية المتتالية بعد الاستقلال وحتى إبان فترة الحماية الفرنسية، تُفصل مصالح التعمير عن مصالح السكنى..

وتشاء الأقدار، حتى أنه بعد مغادرة عبد الرحمان بوفتاس لوزارة السكنى بتاريخ 11 نونبر 1993، وقدوم إدريس التولالي كوزير للإسكان في إطار الحكومة رقم 22 التي ترأسها بدورها كريم العمراني، بقيت الأمور على حالها، وبقي التعمير وإعداد التراب الوطني في الضفة الأخرى، محصورا لدى أم الوزارات، وزارة الداخلية.. ومع الحكومة رقم 24 التي ترأسها عبد اللطيف الفيلالي، وقدوم سعيد الفاسي بتاريخ 27 فبراير 1995 كوزير للإسكان، يبقى الحال كما كان عليه.. ونفس الأمر يستمر مع الحكومة الانتقالية رقم 25 التي ترأسها هي الأخرى عبد اللطيف الفيلالي، وعين ضمن أعضائها بتاريخ 13 غشت 1997، مراد الشريف، وزيرا للسكنى والتشغيل والتكوين المهني..

وكان علينا الانتظار إلى حين تنصيب الحكومة رقم 26، حكومة التناوب، التي ترأسها المناضل عبد الرحمان اليوسفي، ليتم بتاريخ 16 مارس 1998 استرجاع اختصاصات التعمير وإعداد التراب الوطني ليتم ضمهما مرة أخرى مع مصالح الإسكان والبيئة في وزارة موحدة، عين على رأسها محمد اليازغي، وزيرا لإعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان،

وعين محمد المباركي كاتبا للدولة مكلفا بالإسكان؛ وأحمد العراقي، كاتبا للدولة مكلفا بالبيئة..

ومع الحكومة رقم 28 التي ترأسها التقنوقراط إدريس جطو، احتفظ محمد اليازغي بإعداد التراب الوطني والبيئة، وأضيف لهما قطاع الماء، في حين تم تعيين أحمد توفيق حجيرة، وزيرا منتدبا لدى الوزير الأول، مكلفا بالإسكان والتعمير وكان ذلك بتاريخ 7 نونبر 2002، وكانت هذه هي المرة الأولى كذلك، التي تنفصل فيها اختصاصات إعداد التراب الوطني عن اختصاصات التعمير منذ النشأة الأولى سنة 1977 عندما عين عباس الفاسي وزيرا للسكنى وإعداد التراب الوطني..

وتأتي الحكومة رقم 29 التي ترأسها هذه المرة عباس الفاسي بتاريخ 15 أكتوبر 2007، لتجتمع مرة أخرى الاختصاصات الثلاث في وزارة واحدة، عين على رأسها أحمد توفيق حجيرة، وزيرا للإسكان والتعمير والتنمية المجالية، وعين عبد السلام المصباحي، كاتب دولة مكلفا بالتنمية الترابية..

ومع قدوم حكومة ما بعد دستور 2011، الحكومة رقم 30 التي ترأسها عبد الإله بنكيران، احتفظ في بداية الأمر، محمد نبيل بنعبد الله المعين بتاريخ 3 يناير 2012، بالاختصاصات الثلاث كوزير للسكنى والتعمير وسياسة المدينة، ولكن مع التعديل الأول الذي طرأ على حكومة بنكيران بتاريخ 10 أكتوبر 2013، مرة أخرى يتم التفريق بين الاختصاصات الثلاث، فيحتفظ محمد نبيل بنعبد الله باختصاصات السكنى وسياسة المدينة فقط، ويعين محند لعنصر، القادم من وزارة الداخلية، وزيرا للتعمير وإعداد التراب الوطني.
ومع التعديل الثاني الذي عرفته الحكومة رقم 30 لبنكيران، بتاريخ 25 ماي 2015، احتفظ محمد نبيل بنعبد الله باختصاصات قطاع السكنى وسياسة المدينة، في حين انتقلت اختصاصات التعمير وإعداد التراب الوطني إلى إدريس مرون..

وكان علينا انتظار الحكومة رقم 31، والتي عين على رأسها سعد الدين العثماني بتاريخ 15 أبريل 2017، ليتم مرة أخرى الجمع بين الاختصاصات الثلاث، حيث عين محمد نبيل بنعبد الله من جديد، وزيرا لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة مع تعيين فاطنة لكحيل، كاتبة للدولة مكلفة بالإسكان..

ومع قرار وضع حد لمهام الوزير محمد نبيل بنعبد الله بتاريخ 24 أكتوبر 2017، كان قد تم تعيين مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، وزيرا لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بالنيابة..
وجاء التعديل الأول لحكومة سعد الدين العثماني بتاريخ 22 يناير 2018، لتتم متابعة الاحتفاظ بالاختصاصات الثلاث مجتمعة داخل وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة التي عين على رأسها آنذاك عبد الأحد فاسي فهري مع احتفاظ فاطنة لكحيل على حقيبة كاتبة دولة مكلفة بالإسكان..

ومع التعديل الثاني الذي طرأ على حكومة سعد الدين العثماني بتاريخ 9 أكتوبر 2019، مرة أخرى تبقى الاختصاصات الثلاث مجتمعة داخل وزارة واحدة، وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة والتي عينت على رأسها الوزيرة الحالية نزهة بوشارب، في حين تم إلغاء حقيبة كاتبة الدولة المكلفة بالإسكان..

وإذا كانت كل الفعاليات داخل الوزارة تتخوف اليوم، وتتخوف مرة أخرى عن تقسيم الاختصاصات الثلاث وتوزيعها بمناسبة تعيين الحكومة القادمة على أحزاب مشاركة في الأغلبية الحكومية إرضاء لخاطرها، فإنه بغض النظر عن العواقب السلبية التي تحدث جراء هذا الانشطار في الاختصاصات، وخاصة على قطاع العقار وسياسة المدينة، فإنه لم يعد من المقبول تفريخ العديد من حقائب الوزارات وكتابات الدولة، فقط إرضاء لنزوات بعض أمناء الأحزاب المشاركة في الحكومة ضمانا لتحقيق الأغلبية، والاستفادة أكثر وإلى أقصى حد من كعكة المناصب الوزارية..

إن أول مؤشر إصلاح حقيقي، والقطع مع براثن الانحراف السياسي والإداري السابق، سيتجلى في عدد الحقائب الحقائب الوزارية التي ستتضمنها تشكيلة الحكومة الآتية.. وما دامت الأغلبية الحكومية ستتقتصر على الأحزاب الثلاث الأولى الفائزة في الانتخابات الأخيرة، فإن الأمل جد معقود ويبقى قائما على أن يتم تجاوز كل الوضعيات غير الملائمة واللائقة السابقة..

ونحن اليوم، كما كنا دائما في السابق، مع تجميع الاختصاصات والتقليل من التكاليف الموازية، ولن يتأتى ذلك إلا بتقليص عدد الحقائب الوزارية إلى أقصى حد ممكن، تفاديا لمزيد من تبدير الموارد والمال العام، والانخراط بدل ذلك، في مسار الإصلاح والتغيير وإعادة تقويم الأخطاء وتطبيق قيم الحكامة الجيدة والنجاعة المتوخاة..

الكاتب العام لنقابة “سماتشو” ورئيس اتحاد النقابات المستقلة بالمغرب