هيئة حقوقية تطالب فتح تحقيق قضائي في مالية الأحزاب التي ظلت بعيدة عن دائرة المساءلة

0
187
/ AFP PHOTO / FADEL SENNA

تحقيق قضائي في مالية الأحزاب يمكن أن يكون خطوة هامة لضمان الشفافية ومكافحة الفساد السياسي. يجب أن يكون التحقيق القضائي وتقديم التقارير من قبل الخبراء الماليين جزءًا من جهود أوسع لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في النظام السياسي.

بعد المطالب بفتح التحقيق في خروقات صرف الأحزاب السياسية أموال الدعم التي تتلقاها من الدولة، وذلك على خلفية تقرير صدر الأسبوع الماضي حول استخدام مبالغ ضخمة لغير الغايات التي منحت من أجلها، تزداد أهمية التحقيق في خروقات صرف الأموال التي تتلقاها الأحزاب السياسية من الدولة في المغرب، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة إلى الشفافية والمساءلة في العمل السياسي والمالي.

يمكن للتحقيقات القضائية أن تسلط الضوء على كيفية استخدام الأحزاب لهذه الأموال، ومدى توجهها للأغراض المخصصة وفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها. كما يمكن أن تكشف هذه التحقيقات عن أي خروقات أو تجاوزات قانونية في صرف هذه الأموال.

ووجهت “الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية” (غير حكومية) في المغرب، اليوم، طلباً إلى رئيس النيابة العامة بالرباط من أجل إعطاء تعليماته لإحالة التقرير على النيابة العامة المختصة لفتح بحث جدي وعاجل، واتخاذ كل التدابير والقرارات اللازمة.

وكان المجلس الأعلى للحسابات (هيئة عليا للمراقبة المالية العمومية) قد كشف في تقرير خصص لتدقيق حسابات الأحزاب السياسية لسنة 2022، وكذا فحص صحة نفقاتها برسم الدعم العمومي الممنوح لها، أنّ 18 حزباً سياسياً في المغرب لم يعيدوا مبالغ دعم تناهز 26.31 مليون درهم (حوالي 2.6 مليون دولار) إلى خزينة الدولة، وهي مبالغ غير مستحقة أو لم يجر استعمالها أو استعملت لغير الغايات التي منحت من أجلها، أو نفقات لم يثبت صرفها وفق الإجراءات المعمول بها.

وأوضح تقرير المجلس أن هذه الأموال التي تبلغ قيمتها 839.813 درهماً (حوالي 83 ألف دولار) غير مبررة وتتعلق بمبالغ غير مستحقة، أو لم يجر استعمالها أو استعملت لغير الغايات التي منحت من أجلها 7.58 ملايين درهم (750 ألف دولار تقريباً)، أو نفقات 17.9 مليون درهم (حوالي 1.7 مليون دولار) لم يجر إثبات صرفها بوثائق الإثبات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ذات الصلة.

وأثار التقرير الجدل في المغرب، بعد إدراجه نماذج من حالات صرفت فيها الأحزاب السياسية مبالغ طائلة لأهداف غير تلك الواردة في التزامات الدعم العمومي.

ويبقى من أبرز تلك النماذج صرف أحزاب أموال الدعم الإضافي في “مشاريع”، منها ما هو تحت بند “عروض من مصادر متوفرة للعموم”، كما حال حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”(معارضة)، وتتعلق بـ23 دراسة كلفت الملايين أسندت لمكتب دراسات في ملكية قياديين في الحزب، من بينهم نجل الكاتب الأول للحزب، فضلاً عن حالة حزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، الذي منح صفقات 8 دراسات لمركز واحد، وكلفت مبالغ ضخمة.

وارتباطاً بالجدل الذي فجّره التقرير، دعا رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام”(مستقلة) محمد الغلوسي، النيابة العامة إلى “فتح العلبة السوداء لبعض النقابات والأحزاب السياسية المتورطة في أفعال الفساد من اختلاس وتبديد المال العام وغيره”.

واعتبر الغلوسي، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات يمكن أن تشكل أرضية قانونية صلبة لفتح بحث قضائي معمق حول مالية هذه النقابات والأحزاب التي ظلت بعيدة عن دائرة المساءلة، مشيراً إلى أن “بعض قياديي ومسؤولي هذه التنظيمات ظهرت عليهم معالم الثراء الفاحش، وتحول بعضهم إلى باطرونات تدير الصناديق السوداء، ولها ممتلكات وأموال طائلة، وأبناؤهم وأقاربهم استفادوا من نعيم آبائهم، وجرى توظيفهم في مؤسسات عمومية، بسبب فساد تلك القيادات وعلاقاتها المتشعبة مع بعض مراكز السلطة والقرار”.

وطالب الغلوسي الأجهزة الأمنية والقضائية “بتسليط الأضواء الكاشفة على دائرة بعض النقابات وبعض الأحزاب”، معتبراً أن “هذا “العبث لا يجب أن يستمر، خاصة أن المجتمع فقد الثقة في كل الفاعلين، وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات خطيرة على المستويات كافة”.

من جانبه، قال رئيس مركز “شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية”، رشيد لزرق، إن تقرير المجلس يكشف “اختلالات الحكامة المالية داخل المنظومة الحزبية، بعد أن فضح حجم العبث الحزبي بالمال العام”، معتبراً أن ذلك يطرح أكثر من علامة استفهام حول نظافة يد رؤساء الأحزاب، بشأن صرف الدعم العمومي المتعلق بمكاتب الدراسات والأبحاث، لا سيما بالنسبة للأحزاب التي تتموقع في قيادة المعارضة، والتي وجب أن تشكل بديلاً تدبيرياً ناجعاً في الممارسة الحزبية العامة.

ومن الجدير ذكره أن الدولة تمنح دعماً سنوياً على شكل مصاريف للأحزاب المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية، والتي غطت على الأقل ثلث عدد الدوائر الانتخابية المحلية، موزعة على جهات المملكة، وغطت على الأقل نصف عدد الدوائر الانتخابية الجهوية.

وينقسم الدعم، وفق القانون، لـ3 أقسام، تشمل حصة سنوية جزافية للأحزاب المشار إليها، توزع بالتساوي فيما بينها، ومبلغ إضافي يعادل الحصة ذاتها تستفيد منه الأحزاب التي حصلت على الأقل على نسبة 1% دون أن تصل إلى نسبة 3%.

أما القسم الثالث فيتعلق بـ”دعم سنوي يخصص للأحزاب التي حصلت على نسبة 3% على الأقل من عدد الأصوات في الانتخابات، ويوزع هذا المبلغ على أساس عدد المقاعد، وعدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب سياسي خلال الانتخابات نفسها”.

وعلاوة على الدعم الثلاثي، تنص المادة 34 من القانون التنظيمي على “أن تساهم الدولة، أيضاً في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة الجماعية والجهوية والتشريعية”.