لا يختلف اثنان على أن اليهود المغاربة كانوا ولا يزالون من أهم مكونات المجتمع المغربي، ولا شك أن البلاد تزخر بثقافة عبرية تسعى البلاد على حمايتها، سواء دستوريا أو عمليا وحتى علميا.
الرباط – قدمت وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية ، نتائح دراسة أنثروبولوجية كانت قد اطلقتها ، على هامش حفل إطلاق “علامة المغرب” لجرد للتراث الثقافي غير المادي لجهات المملكة الاثني عشر ،قصد النهوض بالتراث الثقافي الوطني، وذلك خلال لقاء نظم مساء أمس الاثنين .
واوضحت الوزارة خلال اللقاء ،أن المغرب يمتلك حاليا 10 عناصر مسجلة ضمن لوائح التراث الثقافي الإنساني لليونيسكو، تسعة منها على القائمة التمثيلية وعنصر واحد على قائمة الصون العاجل.
ويتعلق الأمر بـ “المعارف والممارسات المرتبطة بإعداد وتناول الكسكس”، و “كناوة” و ” تسكوين وهي رقصة حربية بالأطلس الكبير الغربي” و”الصقارة: تراث إنساني حي” و ” الأركان : الممارسات والخبرات المرتبطة بشجرة أركان” و “الحمية المتوسطية” و ” مهرجان حب الملوك” و” الفضاء الثقافي لساحة جامع الفنا” و ” موسم طانطان” و ” المعارف والممارسات والعادات والمهارات المرتبطة بالنخيل”.
وفيما يخص عملية جرد الموروث الثقافي اللامادي على مستوى جهات المملكة ، اعلنت الوزارة عن قاىمة تخص كل جهة جاءات على النحو التالي :
جهة طنجة- تطوان- الحسيمة :
– المهارات المرتبطة بالفخار النسوي بالريف، وموسيقى جهجوكة، والمهارات المرتبطة بجلابة وزان.
جهة فاس- مكناس : يتعلق الأمر بالبروكار الفاسي، والخزف الأزرق الفاسي، والصيد التقليدي بالسلوقي.
جهة الرباط -سلا -القنيطرة : موسيقى طرب الآلة، وموكب الشموع بسلا، والمهرجان الدولي : “مغرب الحكايات”.
جهة الدار البيضاء- سطات:المهارات المرتبطة ببناء تازوطا، وميمونة “احتفال”، والمهارت المرتبطة بالخرقة السايسية.
جهة الشرق : المهارات والخبرات المرتبطة بحرف الحلفاء، والمهارات الحرفية المرتبطة بتقاليد الملابس الرجالية : السلهام وبرنوس فكيك وأغاني ورقصات الشرق: الركادة والعلاوي.
جهة مراكش- آسفي : المهارات المرتبطة ببناء القوارب التقليدية بالصويرة، والمهارات المرتبطة بصناعة الفخار بآسفي، وتالبات، فن صناعة سجادة الصلاة والطربوش بمراكش.
جهة سوس- ماسة :اهياضن “أولاد سيدي حماد أوموسى”، وموسيقى وغناء الروايس، والمنحل الجماعي لإنزركي، وإحياء الغناء النسائي بتارودانت.
جهة بني ملال- خنيفرة :أغاني بوغام، ولغة التصفير في الأطلس الكبير، والمهارات المرتبطة بالجلابة البزيوية.
جهة العيون- الساقية الحمراء :المهارات والمعارف المرتبطة بالصياغة الفضية في الصحراء، والطقوس والمعارف المرتبطة بالخيمة التقليدية الصحراوية، والمهارات والمعارف المتعلقة بصناعة الجلد بالصحراء.
جهة درعة- تافيلالت : موسيقى البلدي، والمهارات الفنية المرتبطة بنسج زربية آيت واوزكيت، والمهارات والمعارف المتعلقة بالبناء بالطين.
جهة كلميم- واد نون : وتهتم الدراسات الأنثروبولوجية برقصة الكدرة، والمعارف التقليدية المرتبطة بتوزيع المياه في المناطق القروية، ورقصة الكانكا، وعواد ايت باعمران.
جهة الداخلة- وادي الذهب :فتضم السيك وهي لعبة تقليدية، والمحضرة: المعارف المرتبطة بالتعليم العتيق، والتقاليد الرعوية المرتبطة بتربية الإبل.
وأعلنت الوزارة ،انها تقوم بدراسات حول فنون الطبخ والمهارات المرتبطة بخياطة القفطان التقليدي وبالفنون الزخرفية كالجبس والخشب، حسب رسم بياني للوزارة.
نص دستور 2011 على أهمية الرافد العبري في الثقافة المغربية، معتبرا أنه جزء لا يتجزأ منها ويغني مكونات الهوية الوطنية، مُشددا في ديباجته أن “المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
ويؤكد الكاتب والإعلامي والمحلل السياسي، جمال السوسي، بأن استحضار الرافد العبري هو وليد دستور 2011 ، إذ لأول مرة ذكر أحد دساتير المملكة المغربية الشريفة اليهودية كأحد مكونات الوطن، إلا أن هذا لا يعني أن الاعتراف بهم كان متواجدا منذ عصور.
يقول سامي كاسبي، رئيس جمعية “ميمون” بالعاصمة الهولندية أمستردام، لـ”المغرب ال’ن” إن دستور 2011 شكل استثناء، مؤكداً أنه أول وثيقة دستورية استحضرت المكون اليهودي كجزء لا يتجزأ من مكونات المملكة.
التراث اليهودي المغربي
في الواقع، لطالما برز المغرب في العالم الإسلامي في علاقته مع كل من إسرائيل والجالية اليهودية القديمة. فقد كانت الجالية اليهودية المغربية هي الأكبر في العالم العربي.
في إحدى مراحل القرن العشرين، كانت الجالية اليهودية في المغرب تمثل 10٪ من إجمالي سكان المملكة.
من الواضح تمامًا أن الصحيفة اليومية الرئيسية المرتبطة بالحكومة في المغرب، Le Matin، لا تزال تذكر كل يوم التاريخ في التقويم اليهودي. وفي الواقع، لا يزال اليهود حتى اليوم هم الأقلية غير المسلمة الوحيدة المعترف بها في المغرب، وسيتم الآن تدريس تراثهم في المدارس المغربية. لذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض منها.
في السنوات المبكرة:
عاش اليهود في المغرب منذ العصور القديمة، ووصلوا إلى المغرب حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. لقد تعاملوا مع الأمازيغ في عملية معقدة من التأثيرات المتبادلة الناتجة عن تمزيغ البعض وتهويد البعض الآخر. بعد عدة قرون، شعر اليهود بأنهم في وطنهم في تلك المنطقة، وأطلقوا على أنفسهم لقب “توشافيم” (أي السكان) وقاموا ببناء مدينة تامغروت المزدهرة، مما جعلها عاصمة أو إمارة لهم. لقد أصبحت مدينة حقيقية لهم، وأصبحت مركزًا لمملكة مزدهرة، وبرزت كمركز مهم على طريق الذهب والملح وغيرها من السلع. وواصلت علاقاتها التجارية مع شواطئ النيجر في الجنوب وإلى الهند من الشرق. واستمر التعايش بين اليهود والأمازيغ حتى بعد وصول الإسلام في القرن الثامن و حملة الإسلام التي بدأت في المغرب.
عام 2013 أصدر جلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله أمرا ساميا بترميم كل المعابد اليهودية بمختلف ربوع البلاد، وهي خطوة لاقت استحسان اليهود، سواء القاطنين بالمغرب وحتى أولئك الذين هاجروا لكنهم دأبوا على زيارة موطن الأجداد كلما تيسر ذلك.
الملك المفدى شدد في أوامره أنه “لا يجب ألا يقتصر دور هذه الكنس فقط على العبادة، إنما أن تكون أيضا فضاءً للحوار الثقافي وإحياء القيم الحضارية للمغرب”.
وانطلقت ورش كبرى لترميم مختلف المعابد اليهودية، ورغم ذلك وعلى مر السنوات كانت تصدر أوامر ملكية بترميم أحياء الملاح التي تعد جزءا من تاريخ اليهود بالمغرب، وتشهد على ذكريات التعايش بين المسلمين واليهود.
“رحيحل” أكدت أن عملية ترميم المتاحف اليهودية انطلقت منذ عام 1997، وتم منذ ذلك الحين ترميم أكثر من 9 معابد يهودية، تزخر بالثقافة اليهودية وتضم تراثا وجب الحفاظ عليه لكونه جزءا أساسيا من تاريخ البلاد.
وقال سامي ألون، عضو الطائفة اليهودية بالمغرب : “سيدنا الملك محمد السادس هو الذي أعطى أوامره للاهتمام بكل ما يهم اليهود من معابد ومزارات، هناك العشرات في الجنوب والشمال وهي التي تربط اليهود المغاربة بمختلف بقاع العالم بأرض أجدادهم”.
وتابع قائلا: “هنالك من اليهود المغاربية الذين يسافرون لـ30 أو 40 سنة لكنهم دائما يعودون إلى هنا لزيارة أرضهم والتعرف على تاريخهم”.
لا يقتصر الحفاظ على الثقافة اليهودية بالمملكة على المعابد بل يتعداه لإنشاء المتاحف والمعارض اليهودية، وهي أيضا تتم برعاية ملكية.
آخر المبادرات الملكية التي لاقت استحسانا كبيرا من قبل الطائفة اليهودية بالمغرب كانت زيارة عاهل البلاد في يناير/كانون الثاني من العام المنصرم لمؤسسة “بيت الذاكرة” وهي مساحة روحية وتراثية للحفاظ على الذاكرة اليهودية المغربية وتعزيزها في الصويرة.
المبادرة لاقت استحسانا كبيرا، وأشاد بها المستشار الملكي اليهودي، أندري أزولاي، قائلا “إنها دليل أن المغرب يتذكر تاريخه”، كما أطلق الملك ورشا لتشييد عدد من المتاحف اليهودية في مدن مغربية عدة، منها في المدينة العتيقة بفاس.