وزيرة الإسكان : 70% من استثمارات مغاربة العالم مرتبطة بالعقار..الارتباط القوي للجالية بوطنها لا توازيه الإجراءات الحكومية الضرورية لفائدتها

0
347

تميز الخطاب الملكي، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2022، بالتركيز على موضوعين رئيسيين ومتداخلين: الوحدة الترابية والوحدة الوطنية. فإذا كانت الوحدة الترابية تلقى مزيدا من الدعم والتأييد من طرف الدول الشقيقة والصديقة من مختلف القارات، بفضل عدالتها وجدّية مقترح الحكم الذاتي ومصداقيته، فإن الوحدة الوطنية تتطلب من الحكومة تذليل كل العقبات وإزالة كل العراقيل أمام إدماج نحو خمسة ملايين من مغاربة العالم، بالإضافة إلى مئات الألاف من اليهود المغاربة، في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.

الرباط – أكدت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أن 70 في المائة من استثمارات الجالية المغربية بالخارج مرتبطة بالعقار.

وأضافت جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين ليوم  الثلاثاء 11 يوليوز، أن ذلك يدفع الوزارة إلى اتخاد مجموعة من الإجراءات والتدابير لتسهيل ولوجهم للإدارة، وتيسير مساهمتهم في تنمية بلدهم الأم إما عن طريق اقتناء سكن أو عقار للاستثمار.

وذكرت بأن  الوزارة كانت نظمت النسخة الأولى من حملة مواكبة مغاربة العالم بالفترة الممتدة بين 28 يوليوز 2022 و 10 غشت 2022.

وتجلى ذلك عبر تجهيز فضاءات للاستقبال بجميع نقاط العبور كالمطارات والموانئ وأيضا بباحات الاستراحة، وتوفير جميع الخدمات التي تقدمها الوكالات الحضرية.

وأشار إلى أنه لمواكبة المساعدة التقنية والادارية، قامت الوكالات الحضرية بسنة 2022 بتعميم جهود الرقمنة عبر تخصيص نافذة لمغاربة العالم تمكنهم من مذكرة المعلومات الالكترونية، والمعالجة الالكترونية للشكايات، والتواصل بخصوص العروض الترابية الموجهة للاستثمار.

وأكدت على أنه ذلك مكن دراسة 3667 ملف، حظيت 2853 بالموافقة أي بنسبة 78 في المائة، وتسليم 645 مذكرة للمعلومات التعميرية 32 في المائة منها رقمية.

وأضافت الوزيرة أنه بناء على تقييم النسخة الأولى لحملة مواكبة مغاربة العالم التي سجلت 1281 زائر، بادرت بتاريخ 12 يونيو 2023 باستصدار دورية ، بغرض تنظيم النسخة الثانية من حملة مواكبة مغاربة العالم لصيف 2023 في شهر غشت القدم .

وعند تناول العرض السكني، أكدت أن مؤسسة العمران سنويا، تنظم معارض للعقار بمجموعة من العواصم الأجنبية وأيام الأبواب المفتوحة في مدن  مغربية عديدة من أجل  للتعريف بالعروض والمنتوجات وتقريبها من الجالية، كما تعمل مؤسسة العمران على المواكبة لتسهيل المساطر المرتبطة بالاقتناء.

“فشل سياسات حكومة أخنوش في تشغيل الشباب”..مندوبية التخطيط: الاقتصاد الوطني سيظل معتمدا على القطاعات التقليدية

تتداول الصحافة المغربية بين الفينة والأخرى حوادث السطو على ممتلكات يلقب أبطالها بـ”لصوص العقارات”، إما بالقوة وفرض الأمر الواقع، أو عن طريق الاحتيال وتزوير المستندات، خصوصاً ضد أصحاب المنازل المهجورة، أو الأجانب أو المهاجرين الذين لا يقيمون في البلاد.

وتفيد معطيات رسمية حديثة لوزارة العدل المغربية بأنه يوجد في المغرب 8299 عقاراً مهملاً، من بينها 4037 عقاراً مهملاً لم تتم تسوية أوضاعها القانونية، مما يجعلها مهددة بالسطو عليها من طرف أشخاص ذاتيين، أو من خلال شبكات وعصابات متخصصة في الاستيلاء على عقارات وممتلكات الغير، لا سيما التي يمتلكها المغتربون الذين لا يفدون بكثرة إلى البلاد.

ضحايا مافيا العقار في المغرب

من هؤلاء المغتربين بالخارج مصطفى فخار، مهاجر مغربي في هولندا منذ أكثر من عقد. إنه من ضحايا شبكات الاستيلاء على عقارات وممتلكات الغير، قبل أشهر قليلة مضت، عندما اكتشف أن منزله ذا الطوابق الثلاثة في ضواحي العاصمة لم يعد ملكاً له.

وأوضح المهاجر المغربي لـ”اندبندنت عربية” أنه فوجئ وهو في بلاد الغربة بخبر سطو أشخاص على منزله الذي شيده بـ”عرق الجبين” على امتداد سنوات من الكد والعمل، على حد قوله، مردفاً أنه “لم يستوعب في البداية ما حصل إلا بعد أن تبين الأمر من محاميه في المغرب”.

قال إن “الذي جرى أن شبكة متخصصة قامت ببراعة بتزوير مستندات ووثائق، بتواطؤ من جهات أخرى، لتقوم بتحويل ملكية منزله المهجور إلى ملكية أحدهم، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أن منزله محمي بقوة قانون الملكية، قبل أن يصدم بما حصل له من تجريد لملكية منزله، ليبدأ مشوار المحاكم لاسترداد حقه.

تقرير رسمي: الإنتاج الوطني للحبوب ضعيف والاستغلال المفرط يهدّد الثروة المائية في المغرب

وبينما قالت السيدة فريدة إنها لا توجد خارج المغرب، وعلى رغم ذلك فإنها أصيبت بصدمة كبرى عندما جاءها الأمر بالإفراغ من بيتها بدعوى أن منزلها ليس لها، وأن ملكيته تعود إلى “سيدة نافذة”، على حد قولها.

وأضافت في تصريح خاص أنها “لم تشعر بأية خطة أو مؤامرة ضدها من قبل إلى أن جاءها أمر إداري بمغادرة بيتها رفقة أبنائها وفق مهلة زمنية محددة”، مشيرة إلى أنها علمت بعد ذلك بتفاصيل القضية التي امتزج فيها النفوذ بالتحايل والتزوير، لتكون النتيجة السطو على منزلها، لأنه يقع في مكان استراتيجي بأحد أحياء الرباط، إذ ترغب السيدة المستولية على منزلها في تحويله إلى مشروع تجاري.

ويرى الكاتب المغربي،سعيد الكحل، أن ذلك الارتباط القوي للجالية المغربية بوطنها لا توازيه الإجراءات الحكومية الضرورية لفائدتها. وهذا الذي شدد عليه الخطاب الملكي بسلسلة من الأسئلة التي على الحكومة الإجابة عنها عمليا: (ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي، والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة، والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟).

مضيفا، أن الحكومات المغربية أضاعت ما يكفي من الوقت ومن الجهد دون تحقيق تطلعات الجالية المغربية إلى إدارة فعالة، وقضاء نزيه، وتشريعات تساير تلك التي ألفوها في بلاد الإقامة. فالكثير من مغاربة العالم، كما جاء في الخطاب الملكي، “ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته”. وغني عن البيان أن مغاربة العالم يمثلون قوة اقتصادية مهمة للمغرب، بحيث تلعب تحويلاتهم ، حسب وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المالية السابق، محمد بنشعبون، دورًا مهمًا في تعزيز مكانة المغرب الخارجية، إذ مثلت 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال السنوات الخمس (2017ـ 2021) وغطت حوالي 35٪ من العجز التجاري (بلغت التحويلات خلال 2021 سبعة مليار دولار، وهو ما يشكل، حسب تقارير رسمية مغربية وأوروبية، حوالي 10 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي).

فالمبادرات التي قدمتها الحكومات المغربية في سبيل تشجيع الاستثمار ظلت آثارها محدودة على مستوى المساطر الإدارية، الرخص، الضرائب، التمويل، الحماية القانونية، التوجيه والتأطير والمرافقة وتوفير الدراسات التقنية والوعاء العقاري والبنيات التحتية، خاصة في المناطق النائية.

غياب هذه الإجراءات والحوافز يجعل مغاربة العالم يفضلون الاستثمار أساسا في قطاع العقار الذي حاز لوحده، حسب وزير الاقتصاد والمالية السابق، حصة الأسد من هذه الاستثمارات بـ41 في المائة من مجموع التحويلات، في حين لم تتجاوز الاستثمارات في المجالات الاقتصادية المنتجة نسبة 14 في المائة.

مندوبية التخطيط تتوقع نمو الاقتصاد 3.3% في 2023..التوقعات تفترض إنتاجاً متوسطاً للمحاصيل وانخفاضاً في الطلب الأجنبي على السلع

إلا أن المعضلة التي يعاني منها هؤلاء المستثمرون هي ضعف التشريعات القضائية وعجزها عن حماية حقوقهم في استرداد عقاراتهم أو إفراغها من المكترين (توجد 200 ألف قضية رفعها العمال المغاربة والمستثمرون من الجالية المقيمة بالخارج أمام المحاكم). وهذا بحد ذاته رقم مهول ومنفّر للمستثمرين الراغبين في دخول السوق المغربية.

يضاف إلى هذه المشاكل إشكالية أخطر وهي السطو على العقارات التي كانت موضوع الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل والحريات بتاريخ 30 دجنبر 2016، والتي شدد فيها جلالته على خطورة الظاهرة كالتالي:” فقد أصبح الاستيلاء على عقارات الغير ممارسة متكررة يدل عليه عدد القضايا المعروضة على المحاكم آو تعدد الشكاوى المقدمة حولها والأخبار المتواترة التي توردها الصحافة بشأنها، وأضحى يجسد وجود ظاهرة خطيرة تتفشى بشكل كبير وتستدعي التدخل الفوري والحازم لها تفاديا ما قد ينجم عنها من انعكاسات سلبية على حق الملكية”.

هذه الجرائم تستوجب وضع تدابير تشريعية وتنظيمية عاجلة، في مقدمتها إيجاد آلية قانونية لتسريع الأحكام وتنفيذها، استحداث قسم قضائي متخصص في المنازعات العقارية خاص بالقضايا التي يرفعها أعضاء الجالية المغربية، ثم تبسيط المساطر القضائية حتى تتناسب مع قصر مدة العطلة التي يقضونها بالمغرب. ولعل تشديد جلالة الملك على خطورة الظاهرة يدل على محدودية الإجراءات التي تم اتخاذها، ومنها اللجنة التي تم الإعلان عن تشكيلها في فبراير 2017، والتي تضم ممثلين عن القطاعات الحكومية والمهن القانونية والقضائية، بغية التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير.

لا شك أن الاهتمام بمغاربة العالم، لا يقتصر فقط على تحسين شروط العودة لوطنهم أو تبسيط المساطر الإدارية أمامهم، بل يشمل كذلك ظروف إقامتهم بالمهجر وما تقتضيه من عناية بمشاكلهم الإدارية مع القنصليات، وحماية أمنهم الروحي من التطرف الديني والتشيع المذهبي الذي باتت الجالية المغربية ضحيته في عدد من الدول الأوربية (بلجيكا نموذجا) بسبب ضعف التأطير الديني من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. ذلك أن الجالية المغربية بأوروبا باتت مستهدفة من طرف التيار السلفي المتطرف وكذا التيار الشيعي الموالي لإيران، لدرجة أنهما أحدثا انقساما خطيرا بين مغاربة شيعيين ومغاربة سنيين، ترتب عنه إحراق مسجد الرضى في مارس 2012، وهو أحد أبرز مساجد الشيعة المغاربة، ثم مقتل الإمام المغربي عبد الله دحدوح على يد مغربي سلفي متطرف يدعى راشد البخاري.

انتقل ملف لصوص العقارات إلى مجلس النواب المغربي، الذي ناقش في أكثر من جلسة هذا الموضوع، حيث ساءل برلمانيون وزير العدل (المعني بالملف)، بخصوص تداعيات هذه الظاهرة، لا سيما كثرة المنازعات العقارية أمام المحاكم المتخصصة، بعد أن صدت الأبواب في وجه المتضررين لاسترداد ممتلكاتهم العقارية.

ووفق أسئلة عدد من النواب، فإن “لوبيات تستقوي بنفوذها المالي لمراكمة ما تحصل عليه من عقارات، وتقوم بتسخير ذلك لتذليل القانون واستغلال ثغراته للاستيلاء على عقارات الغير بأساليب خبيثة، وهو ما يتوجب معه جدية مصالح الدولة في التصدي لهذه الممارسات.

ورد وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي على هذه الأسئلة، مؤكداً أنه لمواجهة السطو على العقارات والممتلكات استصدرت الحكومة مجموعة من النصوص القانونية بهدف توحيد العقوبات ضد جرائم التزوير بين جميع المهنيين المتخصصين بتحرير العقود، من موثقين وعدول ومحامين.

إن الحكومة ملزمة، إذن، بإيجاد آلية فعالة “مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها” تنفيذا للتوجيهات الملكية وللتوصيات العامة الواردة في تقرير لجنة النموذج التنموي.