وزيرة الاقتصاد في المغرب تدعو إلى تكثيف “الديل فلو” Deal Flow برامج تحفيزية غير فعالة وبيئة عمل غير ملائمة

0
384

رغم أهمية برامج التشغيل التي يقوم المغرب، والمعدّة لتوفير فرص عمل لفئات الشباب، إلا أن هذه الفئات لا تزال تعاني نسب بطالة مرتفعة.

في هذا الصدد ، دعت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، إلى ضرورة تكثيف “الديل فلو” deal flow، أي وتيرة تدفق الاستثمارات، من أجل مواجهة الأزمة.

وقالت الوزيرة في كلمة لها خلال افتتاح الدورة العاشرة من “رأس المال الاستثماري بالمغرب”، اليوم الأربعاء بالدار البيضاء، إن “القادم أسوأ”، في تعليق على مستقبل التضخم وتباطؤ النمو في المغرب والخارج، موضحة أن صندوق محمد السادس للاستثمار يشكل فرصة لتعزيز مقاومة الاقتصاد الوطني للأزمة.

وشددت فتاح العلوي على دور رأس المال الاستثماري في تعبئة استثمارات بقيمة 550 مليار درهم في القطاع الخاص مستقبلا، وتحفيز وتيرة إحداث فرص الشغل المستقرة، بما يعزز ويوطد مؤشرات النمو الاقتصادي.

وعرفت هده الدورة، حضور محمد بتشعبون، مدير صندوق محمد السادس للاستثمار، ونزهة حيات، رئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل، إضافة إلى كبار الفاعلين في الأسواق المالية بالمغرب والخارج.

الغلوسي: نشتكي ناهبي المال العام بناءً على وثائق وحجج ولا نهدف إلى التشهير وتصفية الحسابات..والمرزوقي :”مقطع من الفساد “

لقد توجهت الدولة في السنوات الأخيرة إلى تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر توفير التسهيلات المالية والتحفيزات الضريبية، وتشجيع مناخ الاستثمار، كآلية لخلق برامج مندمجة ومتكاملة لضمان ملاءمة أكبر بين التكوين والتشغيل، وتوفير التأهيل والمواكبة للباحث عن الشغل، وإطلاق مبادرات لإيجاد فرص الشغل، وتطوير البرامج النشيطة للتشغيل، ما جعل حكومة أخنوش تطلق مجموعة من البرامج  في إطار تشجيع الحس المقاولاتي وبناء المشاريع الذاتية لدى الشباب،أهمها برنامج “أوراش” لدعم وخلق أكثر من 250 ألف فرصة شغل مباشر في ورشات مؤقتة في مجالات مثل التعليم، الصحة، التنمية المستدامة، الأشغال العمومية وغيرها.

وخصصت لذلك 2.25 ملياري درهم خلال سنتي 2022 و2023. كما أطلقت الحكومة برنامج “فرصة” الذي يسعى إلى دعم 000 10 حامل مشروع في سنة 2022، من خلال تسهيل الولوج إلى التمويل عبر آلية القروض الميسّرة الصغيرة، وتقديم الدعم للمستفيدين، وبلورة التصور الخاص بالمشروع إلى مرحلة إنجازه الفعلي بميزانية تقدر بـ 1.25 مليار درهم. بالإضافة إلى دعم برنامج “انطلاقة” برؤى جديدة والذي يوفر عروض تمويل ومواكبة بشروط جد تفضيلية، موجهة إلى الشباب حاملي المشاريع، المقاولين الذاتيين، والمقاولات الصغيرة والمتوسطة خاصة في الوسط القروي؛ بتغطية مالية تناهز 8 مليارات درهم .

على الرغم من أن حصيلة المسجلين في نظام المقاول الذاتي بلغت 286020 في نهاية سنة 2020، بتعاون مع الشركاء على مستوى مختلف جهات المملكة، وما يوفره ذلك من امتيازات من قبيل الاستفادة من التغطية الاجتماعية والصحية للمقاول عبر الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي وفقاً للمادة 2 من القانون رقم 114.13 الخاص بنظام المقاول الذاتي، إلا أنه ليست هناك مؤشرات واضحة المعالم حول مدى تأثير هذه الاستراتيجيات على سوق الشغل، سواء من خلال نمو الدخل الفردي أو خلق وظائف جديدة.

فلا يتوفر حتى الآن أي تقييم حكومي على المستوى الوطني لهذه البرامج مبني على دراسات ميدانية مبنية بدورها على مناهج كمية وكيفية تتجاوز التركيز فقط على عدد الملفات أو المنخرطين ضمن مشروع معين. وأشار تقرير النموذج التنموي إلى “أن ضعف التقييم والتتبع ومواكبة التنفيذ بناءً على أهداف واضحة” يعد من المعيقات الأساسية لتراخي دينامية التنمية في المغرب.

الخميس الماضي، صادقت لجنة الاستثمارات في المغرب على حزمة من المشاريع الاستثمارية بقيمة غير مسبوقة تناهز 76 مليار درهم (نحو 7.5 مليار دولار).

وذكر بلاغ لرئاسة الحكومة المغربية، أن اللجنة صادقت على 21 اتفاقية وملحقاً لمشاريع استثمارية، ستمكن من خلق 5728 وظيفة مباشرة و14707 وظائف غير مباشرة.

ومنحت اللجنة الطابع الاستراتيجي لـ6 مشاريع بقدرة استثمارية تبلغ 54.8 مليار درهم، من المتوقع أن تخلق 13260 وظيفة مباشرة و33150 غير مباشرة، وفق ما نشرته وسائل إعلام محلية.

وأوضح البلاغ أن قطاع الصناعة يتصدر المشاريع الاستثمارية التي تمت المصادقة عليها، بقيمة تبلغ 53.6 مليار درهم، أي ما يمثل 70% من إجمالي الاستثمارات التي صادقت عليها اللجنة، يليه مشروع تحلية مياه البحر بنسبة 14%، ثم الطاقات المتجددة بـ4% من مجموع الاستثمارات.

هناك أيضاً عوامل أخرى تتعلق بتأثير مناخ الأعمال على الاستثمار في المغرب، والتي ترتبط بشكل رئيسي بجودة المؤسسات الاقتصادية والسياسية والرأسمال البشري. فعلى الرغم من إحراز تقدم على مستوى مؤشر ممارسة الأعمال العالمي Doing Business، حيث انتقل المغرب من المرتبة 130 سنة 2009 إلى المرتبة 53 سنة 2020؛ فإن المستثمرين مازالت تواجههم صعوبات عدة، منها ما يرتبط بتعقد قوانين الترخيص، ضعف حماية حقوق الملكية الخاصة، الحرية الاقتصادية والمالية، وكذلك الريع الاقتصادي .

كما أكدت نتائج البحــث الوطني الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط حول المقاولات سنة 2019، أن النظام الضريبي يشكل عائقاً بالنسبة لحوالي %60 من أرباب المقاولات، وغير مشجع على الاستثمار بالنسبة لـ%95 منهم، ويشوبه انعدام الثقة تجاه الإدارة الضريبية من طرف %88 من المقاولات؛ كما أنه يشجع على اللجوء إلى ممارسات غير قانونية بالنسبة لـ %69 من المقاولات.

بالإضافة إلى ذلك يعتبر النظام الضريبي معقدًا بالنسبة لأكثر من نصف أرباب المقاولات (%51)، وترتفع هذه النسبة إلى %63 بالنسبة لأرباب المقاولات الكبرى. ومن ناحية أخرى يشكل بطء معالجة النزاعات من طرف المحاكم عائقاً بالنسبة لـ%51 من المقاولين، وتمثل صعوبة تطبيق المقررات القضائية عائقاً لـ%15 منهم . وهذه أمور كلها تعيق دينامية الاسـتثمار والنمـو، وتضر بالمبـادرة المقاولاتيـة، حيث إن عدد المقاولات التي يتم خلقها سنوياً لا زال ضعيفاً (92000 مقاولة) ولا يتعدى 2.6 لكل ألف مواطن، مقابل 10 كمتوسط في الدول الصاعدة. كما أن هناك تزايداً في عدد المقاولات التي تغلق أبوابها (6000 مقاولة)، إضافة إلى ضعف ثقافة المقاولة لدى الدولة والفاعلين على حد سواء .

وهو ما أكد عليه الملك المفدى محمد السادس في خطاب عيد العرش لسنة 2022 “ندعو الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل من أمامها. لأن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته’ .

وبالتالي إلى أي حد يمكن القول إن تشجيع المشاريع المقاولاتية والذاتية تستجيب لحاجيات الشباب والمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي؟ هل يتم اعتماد المقاربة التشاركية في صياغة هذه البرامج مع الشباب؟ أكد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أن مقاربات التشغيل المعتمدة حالياً لم تظهر فعاليتها من حيث الإدماج الاقتصادي للشباب، مشدداً على ضرورة البحث عن طرق تمكن الشباب من خلق ثروة حقيقية، تستجيب لطموحاتهم ، خاصة وأن هذه البرامج لا توضح في جوهرها الأسس التي انبنت عليها في الشق المتعلق بمشاركة الشباب في التعبير عن حاجياتهم في سوق الشغل أو الحلول التي يقترحونها لانخراطهم في دينامية الاقتصاد الوطني.

بينت نتائج استطلاع أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول البرامج العمومية الموجهة للشباب، عدم كِفاية جهود التواصل والتحسيس حول عروض ونتائج هذه البرامج، %71.57 من المشاركين لم يسبق لهم الاستفادة من أحد البرامج الموجهة للشباب، 49% يؤكدون عدم فعاليتها. كما أن نجاح برامج التشغيل رهن بتعزيز التواصل وإشراك الشباب في مختلف مراحل الإعداد والتتبع والتقييم .  هذا يوضح بشكل جلي أن غياب المقاربة التشاركية من بين العوامل المؤثرة في فشل تحقيق أهداف سياسات تشغيل الشباب في المغرب.

وتساهم ظاهرة بطالة الشباب في إفراز جملة من الخسائر الكبيرة في الإنتاجية والإنتاج، وهجرة الكفاءات والأدمغة، وضغط اقتصـاد الريـع والامتيـازات والإكراهـات التـي تحـد مـن المبـادرة الحـرة ، مع ما يترتب على ذلك من عواقب طويلة الأمد بالنسبة للشباب وأسرهم والمجتمع ككل، وازدياد احتمال انضمام الشباب إلى القطاع غير المهيكل ، كجزء من استراتيجيات مقاومة هذا الوضع لضمان أبسط شروط العيش.

علاوة على ذلك، تعتبر الهجرة بنوعيها النظامي وغير النظامي من بين الحلول التي يعتمد عليها الشباب للهروب من “جحيم البطالة”، إذ تؤكد نتائج البحث الوطني حول الهجرة الدولية 2018- 2019 أن 40.3 % من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة، رغبتهم القوية في مغادرة التراب الوطني بدوافع اقتصادية، اجتماعية وثقافية .

تظهر مشكلة تشغيل الشباب المغربي تعدد الفاعلين المؤسساتيين من القطاعين العام والخاص، وضعف التقائية السياسات العمومية في مجال التشغيل، وتنوع آثارها الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في فقدان الثقة في المؤسسات والنخب السياسية، وغياب الاستقرار الاجتماعي للشباب، والعمل في القطاع غير المهيكل، وتفكير الشباب في الهجرة نحو الخارج لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم المهنية. وتتطلب سيرورة الإصلاح المستقبلية التي تنادي بها الحكومة الحالية القيام بإصلاحات مؤسساتية لرفع مؤشر مناخ الأعمال، ومواكبة النمو الديموغرافي والاستثمار في الرأسمال البشري لتحقيق التنمية. ويبدأ ذلك باستبدال سياسات التشغيل المجزّأة بأخرى أكثر تناسقاً وشمولاً وحساسية للأثر الاجتماعي. وبالتالي، فإنه يجب إيلاء أهمية كبرى لأربعة مستويات أساسية:

  • التشبّع بثقافة المقاولة لا يمكن حصره في سنة أو أقل من الدراسة في الجامعة كخيار موازٍ، بل يجب إدراجه انطلاقاً من المستوى الإعدادي لتنمية الحس الإبداعي للأطفال، والانفتاح على مجالات أخرى بناءً على تكوين يمزج بين ما هو نظري وتدريبات ميدانية. وأن يكون ذلك شاملاً الجميع حرصاً على المساواة في الفرص.

  • إعادة النظر في امتيازات وتحفيزات عقود العمل في القطاع الخاص بما يوازي امتيازات القطاع العام، لتخفيف الضغط على هذا الأخير الذي يعتبر الملاذ المفضل للشباب، لتوفير الاستقرار المهني والمادي والنفسي لهم، للاشتغال في بيئة تشجع على تقديم أداء أفضل لصالح المقاولة.

  • تسريع وتيرة الإصلاح الضريبي وتسهيل القوانين الإدارية ورقمنتها، لتجاوز التأخر الحاصل في هذا المجال لتطوير مناخ الأعمال، وفسح مجال أوسع للمستثمرين لخلق المقاولات التي يمكنها أن تساهم في تعزيز مؤشرات نمو الاقتصاد الوطني.

  • إحداث مؤسسة وطنية توحد مختلف الفاعلين في سياسات تشغيل الشباب، وتناط بها مهام إعداد وتتبع وتقييم برامج التشغيل، مع فسح مجال أوسع للشباب للمشاركة في هذه الدينامية لضمان الاستجابة لحاجياتهم لخلق الثروة، وعدم الاكتفاء بتوفير فرص العمل، ضمن إطار نظام حماية اجتماعية فعال ومستدام.