نقابة: قرار مجلس المنافسة جاء متأخرا من بعد 8 سنوات من الانتظار والتماطل ومنحازا لمصالح شركات المحروقات

0
310

يمثل توصل مجلس المنافسة في المغرب لتسوية تنص على دفع تسع شركات لتوزيع الوقود في البلاد غرامة بنحو 180 مليون دولار، إعترافاً صريحاً بتورط الشركات، التي تفادى مجلس المنافسة ذكر أسمائها في البلاغين، في تحقيق مكاسب غير مشروعة تُقتطع من جيوب المواطنين، الأمر الذي يحيلنا على مسار طويل لهذا الملف، الذي يرتبط بشكل مباشر باسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، باعتباره مالك شركة “أفريقيا”، الفاعل الأول في سوق المحروقات الوطنية.

قالت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إن قرار مجلس المنافسة، بخصوص تغريم شركات المحروقات، لم يكن عادلا ولا منصفا وجاء متأخرا من بعد 8 سنوات من الانتظار والتماطل، وكان منحازا لمصالح شركات التوزيع.

واعتبرت الكونفدرالية في بلاغ لها حول الموضوع، أن قرار المنافسة لم يبال لحجم الضرر البليغ على حقوق المستهلكين ومصالح المهنيين وعموم المواطنين الذين تكبدوا خسائر فظيعة.

وقدرت المركزية النقابية قيمة خسائر المستهلكين المباشرة فقط بحوالي 60 مليار درهم منذ 2016 حتى اليوم، وذلك دون احتساب الارتدادات المهمة على أسعار السلع والمواد الاستهلاكية والفلاحية، وبالتالي تدمير القدرة الشرائية لعموم المغاربة.

وتوقفت على الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات وتأثير ذلك على المعيش اليومي للمغاربة وعلى مصالح المهنيين في النقل، مقابل تهرب الحكومة من التزاماتها في الرفع من الأجور ومراجعة أشطر الضريبة على الدخل، لمواجهة غلاء المعيشة ومسؤولياتها في إحياء تكرير البترول بشركة سامير وضبط أرباح الموزعين وتخفيض الضريبة عن المحروقات.

واعتبر البلاغ بأن الشكاية التي تقدمت بها النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي التابعة للكونفدرالية، لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب، وأن ملف المحروقات وأسعارها سيبقى مفتوحا للنقاش العمومي ولم يطوى بعد.

وأشار المصدر نفسه إلى أن هذا الأمر يسائل تنظيمات المجتمع ومؤسساته، ويضعنا أمام مسؤوليات سلك كل السبل الممكنة من أجل تحقيق العدالة والإنصاف لكل المتضررين واتخاذ كل المبادرات، للدفع بوضع الضمانات الصحيحة حتى لا يتكرر ما جرى، ولا سيما في ظل التحضير لتحرير أسعار الغاز والكهرباء والماء وغيرها.

وأكدت الكونفدرالية بأن القضية الطاقية بالمغرب، يجب معالجتها وفق مقاربة شمولية تهدف تعزيز الأمن الطاقي الوطني وتوفير الطاقة للمغاربة بالثمن المناسب لمدخولهم.

ولفتت إلى أن التحكم وضبط أسعار المحروقات والمواد البترولية في المغرب، يتطلب الشجاعة السياسية والقطع مع اقتصاد الريع وتضارب المصالح والتشبع بالحس الوطني المطلوب من أجل إلغاء تحرير أسعار المحروقات، والعودة لتنظيمها، وإحياء تكرير البترول بشركة سامير المتوقفة منذ 2015، وتخفيض الضريبة المطبقة عن المحروقات وتفكيك عناصر التركيز والاحتكار في سوق الطاقة البترولية بالمغرب.

عبد النباوي..”النظام القضائي في المغرب يتعامل بصرامة مع قضايا الرشوة واختلاس المال العام” رغم الانتقادات المتتالية للجمعيات الحقوقية

تعود وقائع القضية إلى فبراير 2020 حين خلص تحقيق لمجلس المنافسة إلى توقيع عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب الإخلال بشروط المنافسة.

لكن القرار بقي مجمدا بسبب خلاف بين أعضاء المجلس حول قيمة العقوبات وعدد الشركات المعنية بها.

ظلت أسعار بيع الوقود في المغرب الذي يعتمد على السوق الدولية للتزود بها، مدعومة من الدولة لعدة أعوام قبل أن تصبح خاضعة لقانون السوق منذ أواخر 2015.

والمثير للانتباه أن المبلغ الذي تحدث عنه بلاغ الأمس، يزيد قليلا عن عُشر ما سبق للبرلمان أن تحدث عنه، كأرباح إضافية حققتها شركات المحروقات ما بين نهاية 2015 وماي من سنة 2018، إثر دخول قرار تحرير أسعار البنزين والغازوال حيز التنفيذ، وذلك من خلال اللجنة البرلمانية الاستطاعية التي كان يترأسها عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية حاليا.

وبوانو هو الذي كان قد أكد أن إجمالي ما حققته تلك الشركات من أرباح إضافية، أو “غير أخلاقية”، على حد تعبير البرلماني السابق عن فدرالية اليسار الديمقراطي، عمر بلافريج، بلغ 7 مليارات درهم سنة 2016 وحدها و7 مليارات درهم سنة 2017 وحدها، أما الـ3 مليارات المتبقية فتهم ما تبقى من أشهر الفترة المشمولة بالمهمة البرلمانية الاستطلاعية، والتي شملت 2500 محطة لتوزيع البنزين والغازوال منتشرة في مختلف أنحاء المغرب.

لكن ما يتحدث عنه مجلس المنافسة، باعتباره السبب وراء معاقبة الشركات التسع، هو ما ورد في بلاغ غشت الماضي، الذي تحدث عن وقوعها في  مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 6 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة كما تم تتميمه وتغييره، والتي تنص على أنه “تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما”.

وتحدثت الوثيقة نصا عن الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى، وعرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها، وحصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني، وتقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية”.

نقابة الصحفيين تهدد بالتصعيد احتجاجا على “عدم إشراكها في إعداد مشروع دعم الصحافة والنشر”

هذا الأمر يقودنا إلى “الزلزال” الذي تسبب فيه هذا الملف قبل نحو 3 سنوات ونصف، وذلك بعد توصل الديوان الملكي بتاريخ 23 يوليوز 2023، بمذكرة من الرئيس السابق لمجلس المنافسة، إدريس الكراوي، بخصوص “التواطؤات المحتملة لشركات المحروقات وتجمع النفطيين بالمغرب”، والذي ينص على فرض غرامة مالية تعادل 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي المحقق بالمغرب، بالنسبة للموزعين الثلاثة الرائدين، وبمبلغ أقل بالنسبة لباقي الشركات.

وكانت هذه المرة الأولى التي يربط فيها المجلس، ضمنيا، الممارسات الاحتكارية بشركات “أفريقيا” و”فيفو إينيريجي” و”توتال إينيررجي”، باعتبارها أهم 3 مؤسسات فاعلة في مجال المحروقات بالمغرب، وفق ما ورد أيضا في تقرير للمجلس بخصوص ارتفاع أسعار المحروقات صدر في شتنبر من سنة 2022، لكن حالة الارتباك التي تلت هذه المذكرة، أدت إلى إقبارها والإطاحة برئيس مجلس المنافسة السابق من منصبه، ليعوضه الرئيس الحالي أحمد رحو.

فبتاريخ 28 يوليوز 2020، وحسب الديوان الملكي، توصل الملك بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة أيضا تهم الموضوع ذاته، والتي تتحدث عن “قيمة الغرامات المفروضة” على الموزعين خلال الجلسة العامة ليوم 27 يوليوز، وتم هذه المرة تحديد المبلغ في حدود 8 في المائة من رقم المعاملات السنوي دون تمييز بين الشركات، ودون أي إشارة إلى توزيع الأصوات، وفي اليوم نفسه توصل العاهل المغربي بورقة صادرة عن العديد من أعضاء المجلس يبرزون من خلالها أن “تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس”.

ما يعنينا في كل ذلك، هو رقم 9 في المائة الذي فرضه المجلس، في الصيغة الأولى، كإجراء عقابي ضد الفاعلين الثلاثة الرئيسيين في مجال المحروقات بالمغرب، فهذا الرقم بعيد جدا عن قيمة الغرامة المفروضة حاليا على الشركات المعنية، والذي تم إعلانه بناء على “تسوية تصالحية” بناء على إبداء تلك الشركات ومنظمتها المهنية رغبتها في “الاستفادة من مسطرة التسوية”.

وللوقوف على البون الشاسع بين الرقمين، نعود إلى رقم معاملات شركة “أفريقيا غاز” لسنة 2022، وهو 9,51 مليار درهم، ما يعني أن نسبة 9 في المائة منه تعادل تقريبا 856 مليون درهم، أما رقم معاملات “فيفو إينيرجي المغرب”، فبلغ سنة 2021 حوالي 13 مليار درهم، أي أن النسبة المذكورة تعادل 1,17 مليار درهم، في حين وصل رقم معاملات “توتال إينيرجي المغرب” إلى 19,7 مليار درهم العام الماضي، أي أن ما كان مفروضا عليها هو مبلغ 1,77 مليار درهم.

هذه الأرقام تعطينا صورة تقريبية عن واقع هذه الغرامة التصالحية، فإذا كان إجمالي ما ترتب على الشركات الثلاثة الكبرى فقط، إذا ما افترضنا تطبيق قرار مجلس المنافسة الأول الذي يحدد نسبة الغرامة في 9 في المائة، هو 3,8 مليارات درهم تقريبا، فإن 9 شركات مطالبة حاليا، وفق قرار أمس، بأداء 1,84 مليار دهم فقط، دون أن يكشف مجلس المنافسة عن الرقم المرجعي الذي على أساسه تم التفاوض، أي الرقم الغرامة الأصلية التي تم تخفيضها.

ولكي نقرب الأمر أكثر إلى الأذهان، نعود إلى المادة 37 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي لجأت إليه الشركات المعنية، ومبدئيا فإن هذا النص يعني بشكل مباشر إدانة تلك الشركات وإقرارها بالمنسوب إليها، لأنه ينص على ما يلي “إذا لم تعارض إحدى الهيئات أو المنشآت صحة المؤاخذات المبلغة إليها، جاز للمقرر العام أن يقترح على مجلس المنافسة، الذي يستمع إلى الأطراف ومندوب الحكومة دون إعداد تقرير مسبق، الحكم بالعقوبة المالية المنصوص عليها في المادة 39 من هذا القانون مع الأخذ بعين الاعتبار غياب أي اعتراض، وفي هذه الحالة، يقلص المبلغ الأقصى للعقوبة المحكوم بها إلى النصف، وعندما تتعهد المنشأة أو الهيأة، علاوة على ذلك، بتغيير تصرفاتها في المستقبل، يجوز للمقرر العام أن يقترح على المجلس أخذ ذلك أيضا بعين الاعتبار عند تحديد مبلغ العقوبة”.

وانطلاقا من أن الأمر يتعلق بمنشآت، استنادا إلى المادة 6 التي ارتكزت عليها مؤاخذة مجلس المنافسة للشركات شهر غشت الماضي، فإن منطوق المادة 39 يوصل الحد الأقصى للعقوبات المفروضة على المنشأة المتورطة إلى 10 في المائة من رقم معاملاتها الأعلى.

وورد في هذا النص ” يجوز لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبة مالية تطبق إما فورا أو في حالة عدم تنفيذ الأوامر أو في حالة عدم احترام التعهدات التي قبلها المجلس”، مضيفا “تتناسب العقوبات المالية مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها وأهمية الضرر الملحق بالاقتصاد ومع وضعية الهيأة أو المنشأة الصادرة ضدها العقوبة أو المجموعة التي تنتمي إليها المنشأة، واحتمال العودة إلى الممارسات المحظورة بموجب هذا القسم. وتحدد بشكل منفصل بالنسبة إلى كل منشأة أو هيأة صدرت ضدها العقوبة مع تعليل كل عقوبة”.

أما الفقرة الثالثة، وهي مربط الفرس، فتقول “إذا لم يكن المخالف منشأة، فإن المبلغ الأقصى للعقوبة هو أربعة ملايين درهم، أما المبلغ الأقصى للعقوبة بالنسبة لمنشأة فهو 10 في المائة من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي، دون احتساب الرسوم، والمنجز خلال إحدى السنوات المحاسبية المختتمة منذ السنة التي سبقت تلك التي تم خلالها القيام بالممارسات، و إذا كانت حسابات المنشأة المعنية مجمعة أو مشتركة حسب النصوص المطبقة على شكل الشركة، فإن رقم المعاملات المعتبر هو المتضمن في الحسابات المجمعة أو المشتركة للمنشأة المنجزة للتجميع أو التشارك”.