المغرب بين ضمير مكسور وفساد ممنهج: قراءة هادئة في صرخة عبد السلام فزازي

0
281

بين هجرة الأمل وصمت النخب، هل فقد الوطن صوته الأخلاقي؟

كتب الدكتور عبد السلام فزازي تدوينة مطولة على صفحته بـ”فيسبوك”، لكنها لا تشبه منشورات مواقع التواصل المعتادة. هي أقرب إلى بيان تأملي، حاد، صادق، ومشحون بقلق وطني لا يهدأ.

ليس خطاباً ثورياً يطلب إسقاط النظام، ولا نشيداً رومانسياً في حب الوطن. إنها مرافعة فكرية تحفر في عمق الأسئلة المؤلمة:

لماذا يفر الشباب من المغرب كما لو أنه سجن؟ لماذا تُترك الكفاءات في الهامش؟ لماذا أصبح الفساد جزءاً من الحياة اليومية؟ وأين الدولة من كل هذا؟

وطن يُباع بالتقسيط

يرى الدكتور فزازي أن المغرب، بالنسبة لمواطنيه، ليس فقط تراباً أو جغرافيا بل “بيت له حقوق ملكية” لا يجوز لأحد انتزاعها، لكن الواقع اليوم يؤكد أن هذا “البيت” يتم تفويته بالتقسيط “لمن لا غيرة لهم لا على تاريخه ولا على قِيَمه”.
بهذا المعنى، لم يعد الحديث عن الفساد مقتصراً على حالات فردية أو فضائح موسمية، بل هو نسق يتغذى من غياب الكفاءة، واحتقار الاستحقاق، وتكريس اللامحاسبة.

الكتابة في حضرة اليأس: هل صرنا نتأدب ونحن نحترق؟

يطرح فزازي سؤالاً جوهرياً:

هل أصبح الاحتجاج الأخلاقي يُحسب على أصحابه كقلة أدب أو جحود بنعمة الوطن؟

هنا تُطرح مفارقة قاتلة: أن تنتقد ما يوجعك يُعد تمرداً، بينما الصمت يُكافأ… في بلد يتم تجريم الألم قبل محاسبة المتسبب فيه.

من المسؤول عن هذا الانهيار القيمي؟

الدكتور فزازي لا يتحدث عن مؤامرة خارجية أو طابور خامس، بل يشير بوضوح إلى شبكة داخلية من المسؤولين، والسياسيين، والمفسدين الكبار الذين حوّلوا الديمقراطية إلى لعبة قذرة، مما جعل “الأسرة المغربية تعزف عن السياسة”، و”الشباب يسقطون في هاوية الإجرام”، و”الاغتراب يتحول من شعور إلى سلوك”.

والسؤال الصادم هنا:

من الذي جعل البحر حلماً أكثر دفئاً من الوطن؟ من الذي دفع المغاربة إلى احتضان الموت في أعماق المتوسط هرباً من الحياة في بلادهم؟

السياحة الجنسية: من التستر إلى التواطؤ؟

واحدة من أخطر القضايا التي يطرحها الكاتب بجرأة هي ظاهرة السياحة الجنسية التي أصبحت، بحسبه، “وصمة” تلاحق المغرب وتُسيء لسمعته.
وما يُخيف هنا هو تحول هذا الموضوع من أمر مسكوت عنه إلى “معروف لدى العام والخاص”، وكأن الدولة تخلت عن مسؤوليتها في حماية القيم، وفتحت الأبواب أمام انهيار اجتماعي منظم.

الجامعة في عين العاصفة: الفساد الأكاديمي يطرق الأبواب

في سياق الانهيار القيمي، يسلط فزازي الضوء على الفساد الجامعي باعتباره أحد أخطر أشكال الفساد، لأنه يضرب عقل الأمة ومستقبلها.
عندما تصبح الجامعة سوقاً للوساطات، وتغيب فيها الشفافية والاستحقاق، يصبح الحديث عن التنمية ترفاً لغوياً لا علاقة له بالواقع.

ما الحل؟ هل ما زال هناك وقت قبل “السكتة القلبية”؟

يرى الدكتور فزازي أن المشكل الجذري هو غياب الضمير، واتساع الفجوة الاجتماعية، وانهيار العدالة، واحتقار الكفاءة.
ويقترح حلاً لا يبدأ فقط من الإصلاحات التقنية، بل من نقد الذات، وتفعيل استقلالية القضاء، وتحرير الإعلام، وإعادة الاعتبار لقيمة الإنسان في النظام السياسي المغربي.

ويطرح تساؤلاً عميقاً:

هل نحن فعلاً في القرن الواحد والعشرين، أم أننا فقط نلبس لباسه الخارجي ونعيش بقيم القرون الوسطى؟

خلاصة: هل ينهار المغرب في صمت المؤسسات؟

إن أخطر ما في هذه التدوينة ليس ما قيل، بل ما تم التلميح إليه:

أن الفساد لم يعد ظاهرة، بل أصبح “بنية تحتية” تتحصن بالمناصب، وتُغذّى بالإفلات من العقاب، وسط صمت إعلامي، وعجز سياسي، وتيه مجتمعي.

صرخة الدكتور فزازي ليست دعوة لهدم الدولة، بل نداء لإعادة بنائها قبل أن يتحول اليأس من الاستثناء إلى القاعدة.

هل ما زال بالإمكان إنقاذ الوطن قبل أن تُغرقه أمواج الهجرة واللامبالاة؟ أم أن الشارع المغربي بدأ يفقد إيمانه بجدوى الإصلاح من الداخل؟