“التفاهة كمؤامرة: كيف يهدد الفساد الثقافي أسس الوطن؟ – قراءة في مقال عزيز رباح

0
333

في مقال ناري بعنوان “التفاهة تجارة لا تنفع الوطن ومؤامرة تخرب الأساس”، يسلط الوزير السابق عزيز رباح الضوء على ما يصفه بـ”التفاهة” كأحد أخطر أدوات الفساد والإفساد التي تعيق مسار الإصلاح والتنمية في المغرب. الرباح، الذي يشغل أيضًا منصب رئىيس المبادرة الوطن، يرى أن التفاهة ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي “تجارة رابحة” و”مؤامرة مدروسة” تهدف إلى تخريب المجتمع وتقويض ثوابت الوطن.

فكيف يمكن فهم هذه المقاربة النقدية؟ وما هي الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية التي يثيرها الرباح في مقاله؟

التفاهة كتجارة: الربح على حساب الوطن

يبدأ الرباح مقاله بتشبيه التفاهة بـ”معول من معاول الفساد”، مؤكدًا أنها تجارة مربحة لمن يقفون وراءها، لكنها لا تفيد الوطن أو المواطنين.

وفقًا له، هناك جهات تستفيد ماديًا من نشر التفاهة عبر وسائل الإعلام والفن والتعليم، دون أي اعتبار للقيم الوطنية أو الأخلاقية.

الرباح يطرح هنا سؤالًا جوهريًا: هل يمكن أن تكون التفاهة مدعومة من قبل مؤسسات الدولة نفسها؟

ويشير إلى أن بعض القنوات العمومية والمركز السينمائي وحتى الوزارات تُموّل هذه “التجارة” بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يضع علامة استفهام كبيرة حول دور المال العام في تعزيز ثقافة لا تخدم سوى مصالح فئة محدودة.

التفاهة كمؤامرة: تخريب الثوابت الوطنية

لا يقتصر الرباح على وصف التفاهة كظاهرة تجارية، بل يرى فيها أيضًا “مؤامرة” مدبرة تهدف إلى إضعاف الإيمان بالثوابت الوطنية، خاصة لدى الشباب. وفقًا له، هناك تيارات علمانية متطرفة تسللت إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، بهدف تقويض القيم الدينية والوطنية.

هنا يبرز سؤال آخر: هل يمكن اعتبار هذه الاتهامات جزءًا من خطاب سياسي أوسع يستهدف تيارات معينة في المجتمع؟ الرباح يربط بشكل واضح بين “التفاهة” و”العلمانية المتطرفة”، مما يفتح الباب أمام نقاش حول مدى شرعية هذا الربط وما إذا كان يعكس واقعًا أم أنه مجرد خطاب إقصائي.

غياب قطاعات التعليم والشباب والإعلام: إشارة إلى خلل هيكلي

من اللافت في مقال الرباح إشارته إلى غياب ممثلي قطاعات التعليم والشباب والإعلام عن اليوم التواصلي الذي نظمه المجلس العلمي الأعلى. هذا الغياب يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه القطاعات في مواجهة التفاهة والفساد الثقافي.

هل يعكس هذا الغياب إهمالًا من قبل المسؤولين، أم أنه مؤشر على ضعف التنسيق بين المؤسسات؟

الرباح يرى أن هذه القطاعات هي الأكثر تأثرًا بظاهرة التفاهة، وبالتالي فإن غيابها عن النقاش يعكس خللًا هيكليًا في التعامل مع هذه القضية.

وازع السلطان والقرآن: الحل المقترح

يقدم الرباح حلًا مزدوجًا لمواجهة التفاهة، يعتمد على “وازع السلطان” و”وازع القرآن”. الأول يمثل دور الدولة في فرض القانون وتوفير الإمكانيات، بينما الثاني يمثل القيم الدينية والأخلاقية التي يجب أن تُغرس في المجتمع.

 هل يمكن لهذا الحل أن يكون فعالًا في ظل تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والثقافة العالمية؟

الرباح يؤكد أن تكامل هذين الوازعين هو الكفيل بتحصين المجتمع من التفاهة، لكنه لا يقدم تفاصيل عملية حول كيفية تحقيق هذا التكامل.

السياق العام: التفاهة في عصر العولمة

في سياق عالمي يتسم بسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي والثقافة الاستهلاكية، تظهر التفاهة كظاهرة عابرة للحدود. الرباح يرى أن المغرب ليس بمنأى عن هذه الظاهرة، بل إنها قد تكون أكثر خطورة هنا بسبب محاولات “التيارات العلمانية المتطرفة” استغلالها لتقويض الثوابت الوطنية.

 هل يمكن اعتبار هذا الخطاب جزءًا من رد فعل محلي على تأثيرات العولمة الثقافية؟

الخاتمة: التفاهة بين الحرية والمسؤولية

يختتم الرباح مقاله بالتأكيد على أن التفاهة ليست مرادفًا للحرية أو الترفيه، بل هي ظاهرة سلبية تهدد أسس المجتمع.

هل يمكن أن يكون هذا الخطاب بداية لحملة أوسع ضد ما يُعتبر “ثقافة التفاهة” في المغرب؟

مقال عزيز رباح يفتح الباب أمام نقاش واسع حول دور الثقافة والإعلام في تشكيل الهوية الوطنية، وحول كيفية موازنة الحرية الفردية مع المسؤولية الاجتماعية. في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن للدولة والمجتمع معًا أن يواجها هذه الظاهرة دون الوقوع في فخ الإقصاء والتهميش؟

أسئلة للنقاش:

  1. هل يمكن اعتبار التفاهة ظاهرة عالمية أم أنها مرتبطة بسياقات محلية؟

  2. ما هي الآليات العملية التي يمكن أن تعتمدها الدولة لمواجهة “ثقافة التفاهة”؟

  3. كيف يمكن تحقيق التوازن بين الحرية الفردية والحفاظ على القيم الوطنية؟

  4. هل يعكس خطاب الرباح رؤية أوسع للمجلس العلمي الأعلى في مواجهة التحديات الثقافية؟

هذا المقال ليس مجرد نقد لظاهرة التفاهة، بل هو دعوة لإعادة النظر في السياسات الثقافية والإعلامية في المغرب، وفي كيفية تعامل الدولة مع التحديات التي تهدد الهوية الوطنية.