من “الإعفاءات السريعة” إلى أزمة ثقة مؤسساتية: هل فشل المغرب في بناء سياسة تشغيل مستدامة؟

0
115

قراءة في خلفيات إقالة مديرة “أنابيك” والسياق المؤسساتي لأزمة البطالة في المغرب

في خطوة مثيرة للجدل تحمل أكثر من دلالة، سربت وزارة الإدماج الاقتصادي والتشغيل خبر إعفاء إيمان بلمعطي، المديرة العامة للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك)، قبل أن تُستكمل المساطر القانونية لذلك، في تحرك يعكس—وفق مصادر مهنية—تحولا من “التقييم المؤسساتي” إلى ما يشبه “التصفية السياسية” داخل قطاع حساس يعاني منذ سنوات من ضعف البوصلة وغياب الانسجام بين الفاعلين العموميين.

من التعيين بثقة إلى الإعفاء باتهام: أزمة أداء أم خلاف شخصي؟

المفارقة اللافتة أن الوزير يونس السكوري هو نفسه من اقترح تعيين بلمعطي سنة 2024 على رأس “أنابيك”، بعد أن اشتغلت إلى جانبه في ديوانه كمديرة مكلفة بالمقاولات الصغيرة والذاتية، وهو ما يطرح سؤالا جوهريا: هل الإعفاء جاء نتيجة تقييم موضوعي للأداء، أم أن الأمر يتعلق بصراع داخلي ظهر مع تصاعد مؤشرات الفشل في السياسات العمومية للتشغيل؟

وإذا كان الوزير برر الإعفاء بـ”ضعف الحصيلة”، فإن نفس المنطق كان قد سُوّق في حالات إعفاء سابقيها، محمد عاشق سنة 2022، ونور الدين بن خليل سنة 2023، مما يجعل من “أنابيك” نموذجًا لفقدان الاستقرار الإداري والمؤسساتي، ويعزز الانطباع بوجود أزمة في الحكامة داخل هذه المؤسسة المركزية لمواجهة البطالة، لا أزمة في الأفراد فقط.

الإعفاءات الثلاثة خلال ثلاث سنوات: هل أنابيك مجرد ضحية؟

تُعد ثلاث إعفاءات متتالية خلال أقل من أربع سنوات سابقة غير مسبوقة في تاريخ “أنابيك”، ما يجعل من المهم التوقف لا عند أسماء المعفيين، بل عند بنية الوكالة نفسها، وعلاقتها بالوزارة الوصية، ونوعية السياسات العمومية المفروضة عليها.

فهل تمتلك “أنابيك” فعليًا استقلالًا استراتيجيًا يمكنها من تقديم حلول بنيوية لسوق العمل؟ أم أنها تحولت إلى مؤسسة تابعة بشكل مفرط للقرار السياسي، تُحمّل مسؤولية الفشل بينما تصاغ الاستراتيجيات في مكان آخر؟

تقارير رسمية، مثل تلك الصادرة عن المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والبحث العلمي والبنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، دقّت ناقوس الخطر بخصوص الهوة بين تكوين الشباب ومتطلبات سوق الشغل، وغياب تكامل بين سياسات التشغيل والتعليم والتكوين المهني. فهل يمكن لـ”أنابيك”، بأي إدارة، أن تنجح في ظل هذه البنية المتشظية؟

عندما تتكلم الأرقام: هل فشلت الحكومة في وعودها الكبرى بالتشغيل؟

في دجنبر 2024، كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام صادمة:

  • معدل البطالة بلغ 21,3%، وهو الأسوأ منذ عقود؛

  • عدد العاطلين تجاوز 1,63 مليون شخص؛

  • البطالة تمس بشكل كبير حاملي الشهادات والشباب الحضري؛

  • أكثر من 70% من مناصب الشغل المحدثة تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار.

وهي مؤشرات تقوض بوضوح شعارات البرنامج الحكومي الذي وعد بـ”إحداث مليون فرصة شغل”، وتعكس فشلًا ممنهجًا في الانتقال من الخطاب السياسي إلى تنفيذ السياسات ذات الأثر الفعلي.

هل نعيش أزمة سياسات أم أزمة حكامة؟

في ضوء هذه الأرقام، يصبح من غير المنصف اختزال الخلل في شخص إيمان بلمعطي أو غيرها، بل ينبغي النظر إلى الإعفاء كعلامة من علامات أزمة عميقة في بنية اتخاذ القرار العمومي.

فهل توفر الحكومة خارطة طريق وطنية حقيقية للتشغيل تدمج بين القطاعات الوزارية؟ هل هناك انسجام بين وزارة السكوري، ووزارة التربية الوطنية، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الاستثمار؟ وهل هناك تقييم خارجي مستقل لنتائج البرامج مثل “أوراش” و”فرصة”؟

هذه الأسئلة تظل مُغيبة في الخطاب الرسمي، لكنها تمثل جوهر أي إصلاح محتمل.

السياق الدولي ليس حجة كافية

صحيح أن السياق العالمي لما بعد الجائحة، وما تبعه من أزمة سلاسل التوريد، والحرب في أوكرانيا، وتباطؤ الاقتصاد الأوروبي، كلها عوامل أثرت على أسواق العمل، لكن المغرب ليس استثناء.

دول مماثلة للمغرب في محيطه الإقليمي، مثل تونس أو السنغال أو مصر، أطلقت برامج تشغيل بآليات مبتكرة مثل التمويل الجماعي، الاقتصاد الأخضر، الرقمنة، أو دعم التشغيل المحلي.

فلماذا لم ينجح المغرب في بناء نموذج شبيه؟ أليس هذا مؤشرا على فقر الابتكار في السياسات العمومية وليس فقط على ضعف الأطر التنفيذية؟

خاتمة نظرية:

الإعفاء المتسرّب لإيمان بلمعطي ليس مجرد “حدث إداري”، بل هو مرآة لانسداد أوسع في أفق سياسات التشغيل، حيث تحولت القرارات إلى وسيلة لإلقاء اللوم، بدل أن تكون مناسبة لمراجعة الاستراتيجيات والسياسات الكبرى.

ولعل السؤال الذي يفرض نفسه في المرحلة المقبلة: هل ستتوقف سلسلة الإعفاءات عند هذا الحد، أم أننا أمام نهج يفضل القرارات السريعة على الإصلاحات العميقة؟ وهل تتحمل “أنابيك” وحدها وزر بطالة تاريخية… أم أن المشكلة أكبر من أي اسم؟