هل تُخفي جماعة الرباط أسراراً ثقيلة؟ غموض يلفّ تقرير المجلس الجهوي للحسابات واعتقالات تثير تساؤلات حول تدبير المال العام

0
167

في وقت تعالت فيه دعوات تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، يطرح استمرار تغييب تقرير المجلس الجهوي للحسابات بجهة الرباط-سلا-القنيطرة عن دورات مجلس جماعة الرباط، لأزيد من سنة، أكثر من سؤال حول مصير وثيقة رقابية يفترض أن تكون في صلب النقاش العمومي المحلي.

فلماذا تتأخر الجماعة في تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي 113.14، الذي يُلزم رؤساء الجماعات بعرض تقارير المجالس الجهوية للحسابات أمام دورات المجلس؟ وهل الغياب المريب للتقرير يرتبط بمضامينه التي بدأت تتسرب لوسائل الإعلام، أم أن هناك رغبة سياسية في تأجيل المواجهة مع معطيات ثقيلة قد تعصف برؤوس إدارية وتنظيمية نافذة داخل العاصمة؟

غموض العمدة… واحتجاج المعارضة

سؤال مشروع وجهه فريق العدالة والتنمية بمجلس جماعة الرباط إلى عمدة العاصمة، فتيحة المودني، المنتمية للأغلبية الحكومية، متسائلين عن “الوضعية القانونية للتقرير النهائي، وهل تم تسليمه رسمياً إلى الجماعة؟”. وهو سؤال لا يبدو تقنياً فحسب، بل يحمل في طياته مؤشراً واضحاً على تنامي الشك في وجود نية لحجب معلومات قد تمس بصدقية التسيير الجماعي أو تكشف عن خروقات في تدبير الموارد.

والمثير في الأمر أن الفريق المعارض يربط بين تأخر الإفراج عن التقرير وتفاصيل تتسرب تباعاً عبر الإعلام، مما يطرح إشكالية التعتيم والانتقائية في تقديم المعلومات، ويثير من جديد قضية الحق في الوصول إلى المعلومة، كما ينص عليه الفصل 27 من الدستور المغربي، والقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات.

اعتقالات تفتح جرحاً آخر في الجسد الجماعي

السياق لا يتوقف عند تقرير لم يُعرض بعد، بل يتجاوز ذلك إلى تطورات أخطر: توقيفات واعتقالات طالت عدداً من المسؤولين والموظفين داخل الجماعة، بناءً على معطيات أولية تُرجح تورطهم في صفقات مشبوهة. وعلى الرغم من أن هؤلاء المسؤولين أُفرج عنهم بكفالة وهم الآن متابعون في حالة سراح، فإن صمت العمدة وتردد الأغلبية في توضيح الصورة للرأي العام يزيد من تعميق الشكوك.

هنا تطرح أسئلة جوهرية: لماذا لم تُبادر الجماعة، في شخص عمدتها، إلى عقد ندوة صحافية لتقديم التوضيحات المطلوبة؟ وهل يتعلق الأمر بإجراءات احترازية لتفادي الإضرار بسمعة المجلس، أم أن الأمر أعمق من ذلك، ومرتبط برغبة في حماية أسماء بعينها قد تكون متورطة في ملفات تدبيرية شائكة؟

الشفافية المفترضة مقابل واقع معتم

الوضع الحالي يفتح الباب أمام ضرورة مساءلة المؤسسات المنتخبة عن التزاماتها تجاه المواطنين، ليس فقط في ما يتعلق بتدبير الموارد المالية والبشرية، بل كذلك في ما يخص تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة التي وضعتها تقارير وطنية سابقة – ومنها تقارير المجلس الأعلى للحسابات – ضمن أولويات إصلاح الإدارة العمومية.

فحسب تقرير صادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لسنة 2023، فإن “ضعف تفعيل آليات الرقابة الداخلية، والتأخر في معالجة تقارير الهيئات الرقابية، يساهمان في استمرار مظاهر الفساد وسوء التدبير في المؤسسات العمومية والجماعات الترابية”. وهذا ما يجعل من الحالة الحالية لجماعة الرباط نموذجاً حياً لهذا الخلل البنيوي.

ماذا بعد؟

أمام هذه المعطيات، تُطرح تساؤلات تفرض نفسها بإلحاح:

  • هل ستبادر وزارة الداخلية إلى تفعيل آليات التتبع والتقييم لضمان تفعيل تقارير المجالس الجهوية للحسابات؟

  • ما موقع المواطن في معادلة الشفافية إن ظلّت التقارير الرقابية حبيسة المكاتب، وتُسرب بشكل انتقائي؟

  • وكيف يمكن استعادة الثقة في المؤسسة الجماعية إن لم تُفعّل مبادئ المحاسبة والوضوح؟

إن غياب الوضوح، وتراكم شبهات الفساد في صفقات تدبير الشأن المحلي، وتغييب أدوات الرقابة المؤسساتية، كلها مؤشرات تؤكد الحاجة إلى مراجعة عميقة لكيفية اشتغال المجالس المنتخبة، حتى لا يتحول شعار “الجهوية المتقدمة” إلى واجهة شكلية لممارسات غير ديمقراطية.