هل هناك ثابت دستوري خامس في المغرب؟ قراءة في مقالة مصطفى الفن عن الجامعة الكروية وصناعة “الذات المقدسة”

0
121

في مقاله الأخير المنشور على موقع “أذرار“، اختار الصحفي مصطفى الفن أن يعود إلى سؤال بدا في ظاهره بسيطًا: كم عدد الثوابت الدستورية في المغرب؟ لكنه، كما هي عادته، لا يكتب من أجل تقديم جواب، بل من أجل تفكيك المسكوت عنه في علاقة الرياضة بالسلطة، والإعلام بالمسؤول، والمجتمع بالمؤسسة.

“أنا قادر على أن أنهي مهامك بمكالمة هاتفية واحدة مع سيدنا”..

صحفي يمارس السياسة بلغة الرياضة

من خلال نبرة المقال وتركيب عباراته، يتضح أن مصطفى الفن لا يكتب عن “الكرة” بقدر ما يكتب عن هندسة السلطة في المغرب: من يصنع الرمزية؟ من يمنح الشرعية؟ من يحق له أن يعلو فوق النقد؟ يتحدث عن “ثابت خامس” غير منصوص عليه في الدستور، لكنه يشتغل في الواقع: إنه المسؤول الذي يرفض المساءلة، ويتصرف كما لو كان جزءاً من النظام العام، أو امتداداً للمقدس.

هذا التوصيف لا يبدو بريئاً، ولا عابرًا. فكاتب المقال — الذي يعرف دهاليز الإعلام الرسمي والخاص — لا يختار كلماته عبثاً، بل يوجّه رسائل مركّبة:

  • إلى من يرفض النقد داخل الجامعة الملكية لكرة القدم،

  • إلى من يعتبر أن إنجازات المنتخب في قطر منسوبة له وحده،

  • وإلى من يتحدث للصحافة الأجنبية أكثر مما يتواصل مع الإعلام الوطني.

لكن الرسائل الحقيقية قد تكون موجهة لأبعد من ذلك.

هل المقال مجرد انتقاد للجامعة؟ أم تساؤل عن طبيعة السلطة الرياضية؟

حين يقول الفن إن ملك البلاد نزع القداسة عن نفسه، في حين أن “بعض المسؤولين” يتعاملون مع أنفسهم كـ”ثابت خامس”، فهو يحيل ضمنًا إلى خلل في توازن السلطة الرمزية داخل الدولة: هل يجوز أن تُنتج الرياضة نخبًا تتجاوز في نفوذها بعض مؤسسات القرار السياسي؟ هل تحوّل “النجاح الكروي” إلى امتياز حصري لا يُناقش؟ وهل يمكن لمسؤول رياضي أن يستعمل “القرب من القصر” كأداة تهديد أو ترهيب؟ (كما لمح الفن بعبارة: “أنا قادر على أن أنهي مهامك بمكالمة واحدة”).

هذه الجملة وحدها — حتى لو كانت مبنية للمجهول — تكشف عن هشاشة في منظومة الحكامة، وارتباك في حدود النفوذ. فهل كان مصطفى الفن يقول ضمنيًا: “إن الرياضة في المغرب تحوّلت إلى مجال لـ تضخم السلطة الشخصية، وسط غياب الرقابة المؤسساتية”؟

أي خطاب مضاد يُبنى هنا؟

المقال ليس مجرد انفعال صحفي، بل هو محاولة لبناء خطاب مضاد لهيمنة فردانية داخل حقل الرياضة. وبهذا المعنى، يصبح “التحليل الصحافي” الذي يقدمه الفن، أقرب إلى احتجاج ناعم ضد ما يعتبره نوعًا من “الاستحواذ السلوكي والرمزي” من طرف مسؤولين يرون أنفسهم “منارات لا تُنتقد”.

ولعل المفارقة الكبرى أن المقال لم يأتِ على ذكر أي اسم، لكنه واضح التوجيه، دقيق الإشارة، يعتمد على تركيبات بلاغية مثل:

  • “أنا وحدي مضوي البلاد”

  • “أنا الأفضل في تاريخ الكرة المغربية”

  • “أنا وبعدي الطوفان”

فهل كان مصطفى الفن يكتب ضد تصنيع الزعامة الرياضية خارج المؤسسات؟ وهل أراد أن يحرّك الرأي العام الرياضي لكي لا يبتلع “سردية التفوق الأوحد” التي يسوّقها بعض المسؤولين؟

ماذا لم يُقَل في المقال؟

ورغم جرأة النص، إلا أن هناك أسئلة مسكوت عنها لم يتطرق إليها الفن صراحة:

  • لماذا هذا المقال الآن؟ هل له علاقة بما يجري داخل الكواليس قبل كأس إفريقيا المقبلة؟

  • هل هي رسالة ضمنية للقصر، بضرورة “تقليم أظافر التضخم الرمزي” الذي يعرفه بعض المسؤولين الرياضيين؟

  • وهل يندرج المقال في صراع داخلي بين أجنحة مختلفة داخل الجامعة، أو حتى داخل الدولة نفسها حول من يحق له الحديث باسم الوطن رياضياً؟

كل هذه الأسئلة تبقى مفتوحة، لكن المؤكد أن مصطفى الفن قرر ألا يصمت، وأن يكتب بلغة نقدية تحفظ المهنية دون أن تُخفي الغضب.

خلاصة:

ما يقدمه مصطفى الفن ليس مقالة رياضية، بل تأمّلاً في حدود النقد وحدود النفوذ. هو يكتب من داخل المؤسسة، لكن بنبرة الخارج عنها. يدافع عن الوطن، لكن يشكك في تمثيل من يحتكرون الخطاب باسمه.

وفي هذا السياق، يصبح مقاله تمرينًا في نزع القداسة عن الزعامة المفرطة، والدعوة إلى إعادة توزيع الشرعية الرمزية داخل المشهد الرياضي والسياسي المغربي.