التراجع القياسي للسياسات العمومية الموجهة للشباب وتأزم الأوضاع الاجتماعية…هل هو فشل لسياسةوزارة الشباب والثقافة؟

0
460

تعتبر السياسات العمومية بالمغرب وسيلة للترقيع أو بالأحرى كما كان يقول أسلافنا المغاربة لوضع “العْكر على الخْنونة” (وضع الزينة فوق المخاط، بمعنى محاولة تزيين وتجميل ما هو مدنس في الأصل)، فأغلب هذه السياسات لم تطرح إلا حلولا صورية الغاية منها التسويق لإرادة فاشلة ولتغيير افتراضي لايزال فكرة قيد التلقيح في عقول الأجهزة الحاكمة. 

أصبح العمل مع الشباب على أساس تخصصي، واحداً من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشق طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيفها السليم مع المستجدات، وتدريب القادة الشباب في مختلف الميادين المجتمعية، لكن ما يجب الإشارة له هو أن هوة واسعة كانت ولا زالت قائمة بين الشباب في البلدان المتقدمة والشباب في البلدان الفقيرة والنامية؛ لأسباب تتعلق بالقدرات المالية وعدم توفر الخطط والبرامج الكافية للتأهيل والتنشئة والتربية.

ورغم التقدم الحاصل في العمل وسط الشباب بالمعنى النسبي، فقد أصدر منتدى المبادرات الشبابية تقريرا حول “السياسات العمومية الموجهة للشباب.. الحصيلة والآفاق”، سجل فيه غياب الالتقائية و الانسجام بين مختلف السياسات العمومية الموجهة للشباب، والتعطيل غير المفهوم للاستراتيجية المندمجة للشباب، وغياب برامج تعزيز الاندماج السياسي لهذه الفئة.

ولفت التقرير إلى استفحال معدلات البطالة في أوساط الشباب، وفشل البرامج الموجهة لفك العزلة عن الشباب وتسهيل اندماجهم الاقتصادي، بالإضافة إلى ضعف البنية والعرض التعليمي وعدم قدرته على توفير فرص التعليم الجيد واللائق و المتكافئ، خاصة للفئات الشبابية الاكثر هشاشة.

وسجل التقرير تغيب الشباب عن مسار اتخاذ القرار السياسي المتعلق بالسياسات العمومية الموجهة لهم، وخاصة فيما يتعلق بالإجراء الحكومي، جواز الشباب، بالإضافة إلى التعطيل غير المبرر لتنزيل النصوص التنظيمية الخاصة باحداث مجلس الشباب و العمل الجمعوي كإطار دستوي خاص بالمساعدة في وضع التصورات و التوجهات المتعلقة بالسياسات العمومية لهذه الشريحة.

تقرير منتدى المبادرات الشبابية، أشار كذلك إلى الغياب التام للوزارة الوصية على قطاع الشباب عن تتبع و تنسيق السياسات العمومية للشباب، وحملها مسؤولية إقصاء الفعاليات الشبابية عن مختلف البرامج التي تتولى صياغتها و تنزيلها.

و دعا منتدى المبادرات الشبابية إلى ضرورة ملائمة منظومة التكوين مع حاجيات سوق الشغل الآنية والمستقبلية و جعلها اكثر قدرة على خلق شروط المساواة و التكافؤ والجودة.

كما شدد على ضرورة وضع برامج حقيقية لتعزيز المشاركة السياسية للشباب و تعزيز أواصر ارتباطهم بالوطن و الدفاع عن مصالحه و قضاياه العادلة.

وطالب التقرير بتوسيع دائرة التشاور و التفاعل مع الشباب بمختلف الوسائل وإشراك أكبر عدد منهم في اتخاذ القرار السياسي المتعلق بالسياسات الموجه لهم، بالإضافة إلى التنزيل السريع للنصوص التنظيمية الخاصة بإحداث مجلس الشباب و العمل الجمعوي وتفعيل أدواره الاستراتيجية

وأبرز ذات المصدر أن وزارة الشباب مطالبة بتكثيف انخراطها في تتبع وتنزيل ووضع برامج حقيقية للشباب تروم تعزيز اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي والرياضي، وبضرورة إشراك هيئات المجتمع المدني والانفتاح على مختلف الفعاليات الشبابية، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار في البنيات الأساسية للشباب و خلق بنيات استقبال جديدة ومتطورة تستجيب للتطورات التكنولوجية الجديدة. 

حاجات الشباب:       

لمعرفة استعدادات الشباب وانخراطهم في العمل المجتمعي سواء أكان نشاطاً اجتماعياً أو سياسياً أو تنموياً، فإن المطلوب معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب والعمل على تلبيتها أو أخذها بعين الاعتبار لدى صياغة الخطط والبرامج؛ باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل المعنيين. مع الإشارة إلى أن مفهوم الحاجات مفهوم نسبي يختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً لطبيعة وخصوصيات المجتمع المدني، ومستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي. ويتفق المتخصصون في العمل مع الشباب على الحاجات التالية باعتبارها حاجات عامة تنطبق على جميع فئات الشباب وهي:

1. الحاجة إلى تقبل الشباب ونموه العقلي والجسمي، حيث يسعى لإدراك ما يدور حوله.

2. الحاجة إلى توزيع طاقاته في نشاط يميل إليه، وخصوصاً أن الشباب لديه طاقات هائلة وعدم تفريغها في أنشطة بناءة يزيد من حالة الاضطراب والملل والتوتر لديه.

3. الحاجة إلى تحقيق الذات، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكره، أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.

4. الحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية الأولية، والتي من شأنها أن تجعل من نموه نمواً متوازناً وإلى عطائه ثقافة صحية عامة تمكنه من فهم التغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة كمرحلة حرجة.

5. الحاجة إلى المعرفة والتعليم، لما لهما من دور مفتاحي وأساسي في حياة الفرد، ولكونها توسع الآفاق والمدارك العقلية. وهو حق مكتسب وضروري مثل الماء الهواء في عصر ليس فيه مكان للجهلاء.

6. الحاجة إلى الاستقلال في إطار الأسرة كمقدمة لبناء شخصيته المستقلة، وتأهيله لأخذ قراراته المصيرية في الحياة والعمل والانتماء، بطرق طوعية، بعيداً عن التدخل.

7. تلبية الحاجات الاقتصادية الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، والتي بدونها سيصبح مشرداً أو متسولاً.

8. الحاجة إلى الترفيه والترويح؛ فحياة الشباب ليست كلها عمل ونشاط جدي، بل يحتاج الشباب إلى توفير أماكن للترويح ومراكز ترفيهية ثقافية (دور سينما، مسرح، منتزهات، معسكرات شبابية).

9. الحاجة إلى ثقافة جنسية، خصوصاً في بداية تفتح الشباب، ومعرفة المتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة، وتوفير حد أدنى من الثقافة الجنسية لتوفير حماية للشباب من الانحراف وتلقي ثقافة جنسيه مشوشة ومشوهة.

10. الحاجة إلى بناء الشخصية القيادية الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة، وهذه العملية لا تتم بقرار إجرائي بقدر ما تحتاج إلى سياسات تربوية مدروسة مقرونة بخبرة عمل ميداني تعزز ثقة الشباب القياديين بقدراتهم وتضعهم أمام الاختيار الجدي.

الأهمية السياسية للشباب:

حق المشاركة بكافة أشكالها ومجالاتها حق من حقوق الإنسان الأساسية كما جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهو أداة للتنمية الفعالة وأسلوباً للممارسة السياسية والمسؤولية الاجتماعية والتربوية لأفراد المجتمع، وهي تعطي الإنسان الحق في اخضاع كافة القضايا التي تؤثر عليه وعلى جماعته، للمناقشة وإبداء الرأي وتنمي الشعور القومي لديه.

وحتى يتسنى للمرء أن يعبر عن قناعاته بوضوح وجرأة من موقع الاختلاف مع النظام السياسي القائم، يفترض وجود الديمقراطية التي من خلالها يمكن الحديث عن مشاركة جادة لكل قوى المجتمع بمن فيهم الشباب؛ تحقيقاً لرغباتهم وقناعاتهم وتعبيراً عن الشعور بالانتماء للمجتمع الذي يعيشون فيه.

والأهمية السياسية للشباب تكمن في أن للسن دور كبير في تحديد درجة الاهتمام السياسي، وضمن هذا المفهوم، فالشباب هم القوة السياسية المتحررة والمنفتحة والأكثر راديكالية، والحزب الذي يحوز على ثقتهم ويمتلك عقولهم وسواعدهم، فإنه يتقدم بثبات لتحقيق أهدافه سواء أكانت وطنية تحررية أم ديمقراطية اجتماعية.

أهم ما يميز الشباب كقوة تغيير مجتمعية: 

1. الشباب هم الأكثر طموحاً في المجتمع، وهذا يعني أن عملية التغيير والتقدم لديهم لا تقف عند حدود، والحزب السياسي أو المنظمة الشبابية أو أية مجموعة اجتماعية تسعى للتغيير السياسي أو الاجتماعي يجب أن تضع في سلم أولوياتها استقطاب طاقات الشباب وتوظيف هذه الطاقات باتجاه أهدافها المحددة.

2. الشباب الأكثر تقبلاً للتغيير. هذه الحقيقة تعتبر ميزة رئيسية في عالم السياسة الذي هو عالم متحرك ومتغير ويحمل دائماً الجديد، والفكر المحافظ لا يقوى على مسايرة الجديد بل يتعامل معه وفق منظوره المحافظ وبما يعني الفشل المحتوم. بينما الشباب وبحكم هذه الخاصية، فإن استعدادهم الموضوعي نحو التغيير وتقبل الجديد والتعامل معه بروح خلاقة ومبدعة، سيضمن المواكبة الحثيثة للمتغيرات والتكيف معها بشكل سلس دونما إرباك.

3. التمتع بالحماس والحيوية فكراً وحركة، وبما يشكل طاقة جبارة نحو التقدم، فالشباب المتقد حماسة وحيوية في تفاعله مع معطيات السياسية ومتغيراتها ومع معطيات المجتمع ومتطلباته، هو الضمانة للتقدم بثبات، فيما الحركات السياسية التي لا تحظى بهذه الطاقة الخلاقة، فإنها مهددة بالانهيار والموت أو على أقل تقدير التقوقع والمراوحة في ذات المكان.

4. العطاء دون حدود حين يكون مقتنعاً وواعياً لما يقوم به، وهنا تبدو المعادلة بسيطة لمن يريد أن يدرك معطياتها، حيث لا تعمل إلا وفق اشتراطين رئيسيين:

الاشتراط الأول، الاقتناع بمعنى احترام العقل والتعامل مع الشباب بمفهوم كياني وليس مجرد أدوات تنفيذ.

الاشتراط الثاني، الإدراك لما يقوم به الشباب، أي الإلمام بالأهداف والاقتناع بالوسائل والطرق الموصلة إلى تحقيق الهدف.

 وفي حال تحقق هذين الاشتراطين الضروريين، فإن عطاء الشباب سيكون بدون حدود، وسيدفع بمسارات العمل بكل إخلاص وتفاني.

5. الشباب قوة اجتماعية هامة بصفته قطاعاً اجتماعياً رئيسياً في المجتمع، وكسب هذا القطاع من قبل صانعي القرار والسياسيين يعني كسب معركة التغيير، وهنالك الكثير من الأمثلة الدالة على هذه المعادلة، والمثال الحديث العهد في إيران، حيث استطاع الرئيس خاتمي (مرشح الشباب) أن يسحق معارضيه نتيجة تأييد الشباب المنقطع النظير.

6. الشباب قوة اقتصادية جبارة، فالعمال الشباب هم الذين ينتجون بسواعدهم والشباب المتعلم بجهدهم الذهني ينتجون ما يحتاجه المجتمع وهم الذين يبنون صرح الوطن ويضمنون منعته وقوته الاقتصادية، ودور الشباب في التنمية الشاملة، دور أساسي ومحوري. وبديهي الافتراض أن التقدم الاقتصادي مستحيل دون تقدم علمي، وعقول الشباب النيرة والمستنيرة هي التي توفر القاعدة العلمية  التي تضمن النجاح والتقدم في الجهد الاقتصادي وفي الجهد التنموي أيضاً.

7. الشباب عنوان للقوة والفتوة، هاتان الميزتان هما من المتطلبات الرئيسية للعمل السياسي. فالحزب الذي لا يضم في صفوفه الشباب، ولا يجدد عضويته بعناصر شابة ودماء جديدة، سيتحول مع الوقت إلى حزب مترهل وضعيف كمعلم من معالم الشيخوخة، فيما الحزب المتجدد بدماء الشباب في كل هيئاته ومستوياته القيادية والكادرية، سيحافظ على شبابه المتجدد.