في عالم السياسة، حيث يُفترض أن تكون المبادئ والقيم هي الحَكَم، يظهر أن قواعد اللعبة قد تغيرت. فبدلًا من المنافسة الشريفة على خدمة الصالح العام، تحولت الساحة السياسية إلى حلبة صراع بين مصالح مشبوهة وأجندات خفية.
كشفت الجمعية المغربية لحماية المال العام عن اختراق تجار المخدرات وأصحاب الأنشطة المشبوهة للمجال السياسي، وهو ما يطرح أسئلة محرجة عن مدى تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة.
اللعبة القذرة: عندما تلتقي السياسة بالمخدرات
في تدوينة على فيسبوك، استغرب محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، من صمت وزير العدل عبد اللطيف وهبي إزاء هذه القضية الخطيرة. بل إن وهبي، بحسب الغلوسي، بدا وكأنه يدافع عن “تحصين” لصوص المال العام من المحاسبة، بحجة أن ملاحقتهم قد تُفقد المغاربة ممثلين في المستقبل.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن تكون حماية الفاسدين وسيلة لضمان تمثيل الشعب؟ أم أن هذه الحجة مجرد غطاء لاستمرار الفساد؟
الغلوسي أشار إلى واقعة مثيرة للشكوك، حيث تم القبض على أحد تجار المخدرات المطلوبين في قضية اتجار بالمخدرات، وهو مختبئ في مستودع يمتلكه أحد المنتخبين المحليين في مراكش. هذا الحدث ليس مجرد حالة فردية، بل هو مؤشر على وجود شبكات مصالح متشابكة بين السياسيين وأصحاب الأنشطة المشبوهة.
فكيف يمكن لشخص متهم بالاتجار بالمخدرات أن يجد ملاذًا آمنًا في ممتلكات أحد المنتخبين؟ وما هي طبيعة العلاقة بينهما؟
السياسة كواجهة للفساد: تحليل الأبعاد
العلاقة بين السياسة والفساد ليست جديدة، لكن ما كشفته الجمعية يسلط الضوء على بعد جديد وخطير: تحول السياسة إلى واجهة لأنشطة إجرامية. فبدلًا من أن تكون المؤسسات السياسية أداة لخدمة المواطنين، أصبحت وسيلة لتوسيع نفوذ تجار المخدرات وأصحاب المصالح المشبوهة. هذا التحول لا يهدد فقط مصداقية النظام السياسي، بل يقوض ثقة المواطنين في الدولة ككل.
الغلوسي أشار أيضًا إلى أن الحكومة تبدو أكثر انشغالًا بإصدار قوانين تكمم الأفواه وتحد من صلاحيات الجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد، بدلًا من مواجهة الفساد نفسه. هذا التوجه يطرح تساؤلات حول أولويات الحكومة: هل هي حماية المال العام ومكافحة الفساد، أم حماية الفاسدين أنفسهم؟
السياق العام: الفساد كتهديد وجودي
الفساد ليس مجرد قضية أخلاقية أو قانونية، بل هو تهديد وجودي للدولة والمجتمع. عندما تتحول السياسة إلى تجارة مربحة، وتصبح المؤسسات أداة لخدمة المصالح الذاتية، فإن ذلك يقوض أسس الدولة الحديثة.
في هذا السياق، يبدو أن الحكومة المغربية تواجه معضلة حقيقية: إما أن تواجه الفساد بكل حزم، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي على المدى القصير، أو أن تستمر في تجاهله، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة على المدى الطويل.
لكن السؤال الأهم هو: هل يمكن بناء مستقبل مستقر دون مواجهة جذرية للفساد؟
الخاتمة: هل من مخرج؟
كشف الجمعية المغربية لحماية المال العام عن اختراق تجار المخدرات للمجال السياسي ليس مجرد خبر عابر، بل هو جرس إنذار يدق لتنبيه الجميع إلى خطورة الوضع. الفساد لم يعد مجرد قضية فردية، بل أصبح نظامًا متشعبًا يهدد أسس الدولة والمجتمع.
في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتحرك الحكومة لمواجهة هذا الخطر، أم أن الفساد سيستمر في التغلغل في مفاصل الدولة؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل المغرب، ليس فقط كدولة، بل كمجتمع يؤمن بالعدالة والشفافية.