“عزيز رباح يدعو إلى تأسيس شركات عمومية للأمن الغذائي: ضرورة تاريخية لمواجهة أزمات الغلاء والتبعية”

0
63

في ظل الأزمات المتتالية التي يعاني منها المغرب في مجال الأمن الغذائي، وتصاعد أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، يقدم الوزير السابق عزيز رباح رؤية استراتيجية تدعو إلى تأسيس شركات عمومية متخصصة في الأمن الغذائي. هذه الرؤية، التي طرحها في مقال له بموقع “المغرب الآن”، تأتي كرد فعل على الإخفاقات المتكررة في سياسات تحرير السوق والخوصصة، والتي فشلت في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء وحماية المواطن من تقلبات الأسواق العالمية.

السياق العام للأزمة:

يعيش المغرب أزمة غذائية حادة، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل كبير، مما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين. وعلى الرغم من أن المغرب يتمتع بموارد طبيعية غنية، إلا أن هذه الموارد لم تُستغل بشكل كافٍ لضمان الأمن الغذائي. بدلًا من ذلك، أصبح المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، مما جعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية والتوترات الجيوسياسية.

أبعاد الأزمة:

  1. الفشل في تحقيق الاكتفاء الذاتي:
    يشير رباح إلى أن السياسات الزراعية والسمكية التي تم اتباعها خلال العقود الماضية لم تحقق النتائج المرجوة. فبدلًا من تعزيز الإنتاج المحلي، تم التركيز على تصدير المواد الخام، مما أدى إلى شح المعروض في السوق المحلية وارتفاع الأسعار.

  2. غياب الرقابة والمضاربات:
    ينتقد رباح دور التجار الجشعين والفلاحين الكبار الذين يستفيدون من الدعم الحكومي دون أن يقدموا إضافة نوعية لتحقيق الأمن الغذائي. كما يسلط الضوء على غياب الرقابة الفعالة على الأسواق، مما سمح بانتشار المضاربات وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر.

  3. إخفاقات الخوصصة:
    يشير رباح إلى أن سياسات الخوصصة والتحرير الاقتصادي التي تم اتباعها خلال العقود الماضية لم تحقق النتائج المرجوة. فبدلًا من خلق نخبة اقتصادية وطنية قادرة على المنافسة، أدت هذه السياسات إلى ظهور اتجاهين: اتجاه يهتم فقط بالربح دون مراعاة التوازنات الاجتماعية، واتجاه يعتمد بشكل كلي على دعم الدولة دون تحقيق قدرة تنافسية حقيقية.

الحلول المقترحة:

  1. تأسيس شركات عمومية للأمن الغذائي:
    يدعو رباح إلى تأسيس شركات عمومية متخصصة في الفلاحة والصيد البحري والأنشطة ذات الصلة. هذه الشركات ستكون مسؤولة عن الإنتاج والتوزيع المباشر للمواد الغذائية، مما سيسمح بتقنين الأسعار وضمان وصول المنتجات الأساسية إلى المواطنين بأسعار معقولة.

  2. عقد شراكات استراتيجية:
    يقترح رباح أن تعقد هذه الشركات شراكات مع المؤسسات الحكومية والبحثية المتخصصة، مثل المكتب الشريف للفوسفاط ووكالة التنمية الفلاحية والمكتب الوطني للصيد البحري، لتعزيز الإنتاج المستدام وتحسين الجودة.

  3. الاستثمار في الدول ذات المؤهلات الغذائية:
    يقترح رباح أن تستثمر هذه الشركات في دول أخرى ذات مؤهلات غذائية جيدة لتزويد السوق الوطني بالمواد الأساسية، مما سيقلل من الاعتماد على الاستيراد من الأسواق العالمية.

  4. إخضاع الشركات لنظام حكامة صارم:
    يؤكد رباح على ضرورة إخضاع هذه الشركات لنظام حكامة صارم يضمن ترشيد التكاليف وتحسين النتائج، مع جعلها في مستوى المؤسسات الاستراتيجية التي ينص عليها القانون التنظيمي للمؤسسات العمومية.

السياق الاجتماعي والاقتصادي:

يأتي هذا الاقتراح في وقت يواجه فيه المغاربة ضغوطًا معيشية خانقة، مع تزايد شكاوى المواطنين من الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية الأساسية.

وفي ظل ركود القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة، تظل الأسواق خاضعة لممارسات مضارباتية، مما يجعل المستهلك الحلقة الأضعف في معادلة الأسعار.

الخلاصة:

رؤية عزيز رباح لتأسيس شركات عمومية للأمن الغذائي تقدم حلولًا عملية لمواجهة الأزمات المتكررة في هذا المجال. ومع ذلك، يظل الرهان الأكبر على الإرادة السياسية لتفعيل هذه المقترحات وتحويلها إلى إجراءات ملموسة، تعيد الثقة للمواطن المغربي وتضمن له حصولًا عادلًا على المواد الغذائية الأساسية.

خاتمة:
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب، تكتسي مقترحات عزيز رباح أهمية بالغة لتحقيق الأمن الغذائي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المقترحات يعتمد على مدى قدرة الحكومة على تحويلها إلى سياسات فعلية، تعيد التوازن إلى سوق الغذاء وتضمن وصول المنتجات الأساسية إلى المواطن بأسعار عادلة.