بووانو يتساءل بحدة: “عيد بلا أضاحي… فأين تبخرت 61 مليار درهم؟” فشل السياسات الفلاحية تحت المجهر.. والمطالبة بمحاسبة شفافة للمسؤولين

0
280

بالنظر إلى الأحداث الأخيرة التي أثارتها تغريدة عبد الله بووانو، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، بشأن ما اعتبره “حرمان المغاربة من أضحية العيد” بفعل تقصير الحكومة، يمكن قراءة الموضوع من زاوية أعمق من مجرد نقل تصريحات سياسية، نحو محاولة تفكيك بنية السياسات الفلاحية في المغرب وسبر أغوار فشلها أو نجاحها، وتأثيرها المباشر على الحياة اليومية للمواطن المغربي.

هل أخفقت حكومة أخنوش فعلاً في تأمين أضاحي العيد؟

بووانو، وفي كلمة له يوم الاثنين 2 يونيو 2025، أشار إلى أن قطاع الفلاحة، الذي يفترض أن يتكفل بتوفير القطيع الوطني، قد استفاد خلال عهد حكومة أخنوش من اعتمادات ضخمة تجاوزت 61 مليار درهم. هذه الموارد، حسب تعبيره، شملت برامج مواجهة الجفاف، ودعم استيراد المواشي، وإلغاء الرسوم الجمركية، لكنها لم تنعكس إيجابًا على وفرة القطيع أو استقرار أسعار اللحوم.

هذا الطرح يفرض علينا طرح سؤالين محوريين:

  1. أين ذهبت هذه الاعتمادات المالية الضخمة؟

  2. ما الذي أعاق تحويلها إلى وفرة في الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي؟

وفقًا لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، فإن عدة برامج فلاحية سابقة – خصوصًا مخطط المغرب الأخضر – واجهت انتقادات حول غياب التقييم الشمولي وضعف الشفافية في صرف الاعتمادات، خصوصًا ما يتعلق بدعم الكسابين الصغار والفلاحين في المناطق المتضررة من الجفاف.

التضحية التي لم تُذبح… والقرار الملكي الذي رفع الحرج

اللافت في خطاب بووانو ليس فقط اتهامه للحكومة، بل تنويهه بالقرار الملكي الحكيم الذي دعا المغاربة إلى عدم ذبح الأضحية هذا العام حفاظًا على القطيع الوطني. لكن، هل كان هذا التدخل من أعلى سلطة في البلاد كافياً للتغطية على ثغرات سياسات الدولة الفلاحية؟

وما الرسالة الضمنية التي يُفهم منها تدخل المؤسسة الملكية، في حين أن الحكومة – نظرياً – مسؤولة مباشرة عن تدبير الملف الفلاحي؟

هذا التناقض يسلط الضوء على التوتر المتزايد بين السلطة التنفيذية والمواطنين، ويعيد النقاش حول مدى نجاعة النموذج التنموي الجديد الذي وعد بإصلاحات عميقة في القطاعات الحيوية، ومنها الفلاحة.

أين هم الفاعلون الحقيقيون في المنظومة؟

في معرض حديثه، لفت بووانو إلى أن الدعم الذي تم تقديمه لم يشمل الكسابين والمربين بشكل مباشر، بل ذهب لفائدة مستوردين معروفين، بعضهم – حسب قوله – لا علاقة لهم بالفلاحة.

فهل نحن أمام نمط ريعي جديد قائم على دعم مستوردين بدل دعم الإنتاج الوطني؟ وهل يشكل ذلك خرقاً لروح قانون حرية الأسعار والمنافسة؟ هنا يبدو أن فشل السياسات لم يكن فقط في التنفيذ، بل في فلسفة الدعم ذاتها، التي لم تراهن على تعزيز الإنتاج المحلي أو الاستثمار في سلاسل العلف والتربية، بل على “الحلول السريعة” المبنية على الاستيراد.

السياق الإقليمي والدولي: هل المغرب استثناء أم جزء من أزمة أوسع؟

يجدر بنا أن نربط ما يحدث بالسياق الدولي كذلك، حيث تعاني عدة دول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من أزمات مشابهة نتيجة التغيرات المناخية وندرة المياه وارتفاع أسعار الأعلاف في السوق العالمية.

لكن رغم ذلك، تمكنت بعض البلدان كـ تونس من دعم قطيعها المحلي عبر برامج موجهة للفلاحين الصغار، كما أطلقت مصر مشاريع لإنتاج الأعلاف محلياً لتقليل الاعتماد على السوق العالمية.
فلماذا تعثّر المغرب رغم امتلاكه تجربة مهمة في البرامج الزراعية وتوفر التمويلات السخية؟

نحو إعادة نظر في السياسات الفلاحية

ما طرحه بووانو يجب ألا يبقى في إطار السجال السياسي، بل ينبغي أن يشكل منطلقًا لنقاش وطني شفاف حول نموذج الدعم الفلاحي في المغرب، وآليات توزيعه، وجدواه، وحوكمة القطاع، خصوصًا في ظل التحولات المناخية والضغوط الاجتماعية.

فهل آن الأوان لفتح نقاش برلماني ومجتمعي موسع حول مصير مليارات الدراهم التي تُضخ سنويًا في القطاع؟
ومن يقيّم فعليًا أثرها؟ وهل نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة وزارة الفلاحة أم إلى تغيير جذري في منطق تدبير القطاع؟

الأجوبة لا تقتصر على عبد الله بووانو أو على الحكومة، بل على مؤسسات الرقابة، والمجتمع المدني، والإعلام المستقل، الذي يجب أن يتحول من ناقل للحدث إلى محرّك للنقاش الهادف.