فوزي لقجع يعد بـ”مونديال أخضر”.. لكن هل الواقع قادر على مواكبة الرؤية؟
في خطاب ألقاه نيابة عنه الكاتب العام للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أعلن فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية ورئيس لجنة تنظيم كأس العالم 2030، أن المغرب عازم على جعل هذا الحدث الكروي الكبير نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية والاندماج الاجتماعي، معتبرًا أن تنظيم كأس العالم بشراكة مع إسبانيا والبرتغال يشكّل فرصة تاريخية لتسريع التحول البيئي بالمملكة.
لكن خلف هذه التصريحات الطموحة، تُطرح تساؤلات ملحة:
هل يملك المغرب فعلاً البنيات المؤسساتية والمالية والتقنية لتحويل كأس العالم إلى رافعة بيئية وتنموية؟
أم أننا أمام خطاب تسويقي جميل يصطدم بتحديات الحوكمة، والنفايات، والعدالة المجالية؟
من خطاب الرؤية إلى تعقيدات التنزيل: ماذا يقول الواقع؟
لقجع ربط تنظيم المونديال برؤية الملك محمد السادس الذي يضع الاستدامة في قلب السياسات العمومية، لكن هذا الربط لا يعفي من السؤال الأساسي:
أين وصل المغرب فعليًا في تفعيل هذه الرؤية بيئيًا؟
بحسب تقارير البنك الدولي (2023)، ما يزال المغرب يواجه تحديات مزمنة في تدبير النفايات الصلبة، وتوفير المياه، وتحقيق عدالة بيئية بين الجهات. فالمعدل الوطني لإعادة تدوير النفايات لا يتجاوز 10%، بينما تذهب النسبة الأكبر إلى مطارح غير مهيكلة، مما يُناقض طموح “معالجة فعالة للنفايات” كما أعلن لقجع.
كما أن التحديات المائية تزداد حدّة، إذ صنّفت تقارير اليونسكو المغرب ضمن الدول المهددة بنقص المياه بحلول 2030، بسبب الضغط المناخي وسوء توزيع الموارد.
الطاقات المتجددة: فرصة استراتيجية أم تسويق بيئي؟
أشار لقجع إلى “استثمار مكثف في الطاقات المتجددة لتزويد البنيات التحتية الرياضية”، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، تماشيًا مع أهداف المغرب الطاقية (الانتقال إلى 52% من الطاقات المتجددة بحلول 2030)، بحسب الوكالة المغربية للطاقة المستدامة MASEN.
لكن يظل السؤال:
هل ستُصمم الملاعب والمرافق فعليًا وفقًا لمعايير “البناء الأخضر”؟ وهل هناك التزام شفاف بنشر المعطيات البيئية للمشاريع المرتبطة بالمونديال؟
الشراكة الثلاثية: فرصة دبلوماسية أم ورطة تنظيمية؟
تنظيم مشترك مع إسبانيا والبرتغال يفتح الباب أمام دبلوماسية رياضية قوية، لكنه يطرح أيضًا تحديات تنسيقية ضخمة:
-
كيف ستُوزّع المسؤوليات البيئية بين الدول الثلاث؟
-
وهل ستراعي المعايير الموحّدة خصوصيات كل دولة؟
-
ثم: هل سيُراعى مبدأ العدالة المجالية داخل المغرب نفسه، في إشراك المناطق غير المستضيفة كما أشار لقجع؟ أم أننا سنكرر مشهد “الرباط والدار البيضاء فقط”؟
“الحكامة المندمجة”: المفهوم الجديد أم العبارة الغامضة؟
يراهن لقجع على ما أسماه “الحكامة المندمجة” المبنية على التمويل الكربوني وتثمين المعارف المحلية. ورغم حداثة الطرح، تبقى المفاهيم فضفاضة بدون أجندة واضحة وتقييم مستقل.
وحتى التمويل الكربوني، رغم كونه أداة مبتكرة عالميًا، إلا أن تطبيقه في إفريقيا لا يزال محدودًا جدًا بسبب ضعف النظم القانونية والرقابية، كما تُظهر بيانات منصة “Carbon Pricing Dashboard” التابعة للبنك الدولي.
في الخلاصة: مونديال أخضر.. ولكن بشروط!
لا شك أن الطموح المغربي في جعل كأس العالم 2030 منبرًا للتنمية المستدامة أمر يستحق الإشادة. لكن هذا الطموح يحتاج إلى أكثر من خطابات ووعود. يحتاج إلى:
-
إفصاح دوري وشفاف عن المعطيات البيئية والتمويلية
-
إشراك فعلي للجهات والمجتمع المدني
-
ربط مشاريع البنية التحتية بالمخططات المناخية لا بالمصالح السياسية
-
ضمان عدالة مجالية لا تجعل من المونديال مشروعًا للمركز فقط