من الغاز إلى السيادة: هل ينجح المغرب في تحويل الطاقة إلى أداة نفوذ جيوسياسي؟

0
103

في سياق عالمي متغير تتقاطع فيه رهانات الطاقة والمناخ بالأمن القومي والتوازنات الجيوسياسية، يخطو المغرب خطوات محسوبة نحو ترسيخ ما يمكن وصفه بـ”الاستقلال الطاقي السيادي”. وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، لم تتحدث في مجلس النواب فقط عن خطوط أنابيب أو محطات تخزين، بل كشفت عن مشروع وطني يتجاوز الجانب التقني ليلامس جوهر السيادة الاقتصادية والتموقع الاستراتيجي للمملكة في خريطة الطاقة الدولية.

خارطة الطريق… بوابة لمرحلة سيادية جديدة؟

الحديث عن الغاز الطبيعي لم يعد محصورًا في خانة “الطاقة البديلة” بل بات رهانا جيو-اقتصاديا بامتياز، خاصة في ظل تعقيد العلاقات الطاقية في المنطقة المغاربية. وتكشف تصريحات الوزيرة عن إدراك مغربي متزايد بأن “الغاز” اليوم لم يعد مجرد وقود، بل ورقة نفوذ ورافعة تفاوض مع الشركاء شمالاً وجنوبًا.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع المغرب بناء سوق وطنية للغاز خارج محاور التبعية التقليدية، خصوصا بعد توقف تدفق الغاز من الجزائر منذ 2021؟

من البنيات إلى البوصلة: من يصوغ رؤية الغاز المغربية؟

خارطة الطريق التي تحدثت عنها بنعلي لا تُختزل في مشروع محطة غازية في الناظور أو خطوط أنابيب إلى القنيطرة والمحمدية، بل تكشف عن هندسة مؤسساتية منسّقة بين 11 وزارة و5 مؤسسات عمومية. هذا التنسيق غير المسبوق، على الورق، يطرح تساؤلات مهمة:

  • هل نحن بصدد تشكّل نموذج مغربي جديد في حوكمة ملفات الطاقة الاستراتيجية؟

  • وهل تملك الحكومة فعلا قدرة تنفيذية على ترجمة هذه الرؤية إلى نتائج ملموسة في آجال معقولة؟

بين الغاز والمستقبل: التنافسية الصناعية في قلب الرهان

تراهن الرباط على الغاز ليس فقط كمصدر بديل للطاقة الأحفورية، ولكن كشرط لتحفيز الاستثمار الصناعي، وجعل المملكة أكثر استعدادًا لمتطلبات الحياد الكربوني، خاصة في ظل اشتراطات الأسواق الأوروبية لما بعد 2030.

لكن، هل يملك المغرب القدرة على تسريع وتيرة الاستثمارات الخاصة في هذا المجال؟وهل سيقود الغاز فعلا إلى خلق “اقتصاد أخضر تنافسي” أم أنه سيبقى رهينا للتقلبات التمويلية والسياسية الدولية؟

السياق الإقليمي: هل يتحول المغرب إلى محور للطاقة في غرب إفريقيا؟

لا يمكن قراءة مشروع الغاز المغربي بعيدًا عن دينامية الرباط على مستوى أنبوب الغاز النيجيري-المغربي، الذي يسير عبر غرب إفريقيا إلى أوروبا. الربط المرتقب لمحطة الناظور بخط الغاز الأطلسي الجاري تطويره عبر الداخلة يعزز تصورًا استراتيجيا قد يجعل من المغرب منصة طاقية إقليمية.

هنا تطرح الأسئلة الكبرى:

  • إلى أي حد يُراهن المغرب على “الربط الإفريقي” لتعزيز نفوذه القاري؟

  • وهل يتفوق هذا المشروع في الرؤية والإنجاز على مشروع الجزائر-نيجيريا المنافس؟

التشريع في خدمة الرؤية: مناخ استثماري أم مجرّد تأطير؟

مشروع القانون الجديد المتعلق باستيراد وتخزين وتوزيع الغاز يُعد خطوة مفصلية لترسيخ الإطار المؤسساتي للقطاع. لكنه يثير أيضًا تساؤلات:

  • هل سيكون هذا القانون قادرا على خلق بيئة استثمارية محفزة فعلًا، تضمن تنافسية السوق؟

  • وهل سيوفر الضمانات القانونية للمستثمرين الأجانب دون الإخلال بالسيادة الوطنية؟

ختام تحليلي: ما بين الطموح والواقع

خارطة الطريق التي قدمتها الوزيرة بنعلي تعكس طموحًا واضحًا لتأهيل المغرب طاقيًا، لكنها تحتاج إلى ما هو أكثر من النوايا الحسنة: شفافية في الإنجاز، تواصل فعال مع الرأي العام، وضمانات تنفيذية حازمة.

فهل يتحول الغاز إلى أحد أعمدة السيادة الجديدة للمملكة، أم أنه سيلتحق بسلة مشاريع استراتيجية طموحة لم تكتمل بعد؟
وهل ينجح المغرب في تحويل مسار التحول الطاقي إلى مشروع دولة شامل، أم أن التحديات الهيكلية ستحدّ من سقف الانتصار؟