بمناسبة اليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام، الذي أقرّته الأمم المتحدة في قرارها A/RES/67/296، تتجدد الدعوة العالمية إلى جعل الرياضة فضاءً للعدالة، ورافعةً للتنمية، وأداةً لبناء مجتمعات متماسكة وسلمية. لكن في المغرب، وتحديدًا في ملف الجامعة الملكية المغربية للجيوجيتسو البرازيلي، يبدو أن هذه المبادئ الرفيعة تصطدم بواقعٍ مختلف، حيث يُعاد رسم خريطة النفوذ في الظل، وتُستغل السلطة لتصفية الحسابات.
رياضة تحت الحصار.. والاسم يُقلق
في وقتٍ تُشيد فيه الدولة المغربية عالميًا بإصلاح المنظومة الرياضية، تتعرّض الجامعة الملكية للجيوجيتسو البرازيلي، التي تم الاعتراف بها رسميًا بموجب قرار وزاري وقانونها الأساسي المصادق عليه من وزارة الشباب والرياضة، والمطابق لمقتضيات القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة في مارس 2018، إلى حصار إداري وتهميش ممنهج من طرف مديرية الرياضة. تُتهم هذه الأخيرة بأنها لا تكتفي بتجاهل الجامعة، بل تعمل على إفراغها من محتواها، عبر منح الامتيازات لرياضات بديلة أو اتحادات جديدة، بدعوى “إعادة الهيكلة”.
لكن هل نحن فعلًا أمام هيكلة؟ أم أن ما يحدث هو استهداف لشخص جمال السوسي، رئيس الجامعة، بسبب خلفيته الجهوية وامتداداته داخل المجتمع السوسي؟
هل يمكن أن يكون مجرد “اسم عائلي” وموقع جغرافي كافيين ليُعامل المرء كغريب داخل بلده؟
“Carte Blanche”: شبهة تفويض مطلق خارج القانون
البيان الصادر عن المنظمة الوطنية للنهوض بالرياضة لم يكتفِ بالمبادئ، بل أشار إلى ما يُروّج له من أن جهات نافذة تدّعي أنها تمتلك “Carte Blanche” من “أعلى سلطة في البلاد” لتهميش الجامعة ورئيسها. إن صدقت هذه الادعاءات، فنحن أمام شطط صارخ في استعمال النفوذ، واختلال مقلق في التوازنات المؤسسية.
فهل تحوّلت السلطة إلى أداة في يد أشخاص يضعون القوانين خلف ظهورهم؟
وهل من المقبول في دولة تتحدث عن الحوكمة أن تُحارب جامعة معتمدة لمجرد أنها لم تدخل “بيت الطاعة”؟
المغرب بين الطموح الرياضي والواقع الرمادي
الجهات الرسمية تتحدث عن إصلاح الرياضة ضمن النموذج التنموي الجديد. لكن، أمام حالات مثل هذه، يتبادر السؤال:
هل الإصلاح يُطبق بانتقائية؟ وهل تُقصى الرياضات حسب “قربها” أو “بعدها” عن مراكز النفوذ؟
نحن أمام مفارقة خطيرة:
-
الدولة تصادق على قوانين تأسيس الجامعات،
-
ثم يتم تجاهل هذه الجامعات إداريًا،
-
ويتم الدفع باتجاه تهميشها دون تقديم أي مبرر موضوعي.
أين هي الرقابة؟ أين هي معايير المحاسبة؟
الجيوجيتسو البرازيلي: ظاهرة عالمية تُخنق محليًا
الجيوجيتسو البرازيلي رياضة عالمية تجذب ملايين الممارسين من مختلف الفئات. لكن في المغرب، هذه الرياضة تُعامل كما لو أنها نشاط غير مرغوب فيه، يُحاصر ويُقصى في صمت، ويتم منع أبطاله من الولوج إلى المنافسات الدولية، أو الاستفادة من الدعم العمومي.
فهل هذا مجرد خلل تقني؟ أم أن هناك خلفيات مالية ونفوذية وراء محاولة احتكار هذه الرياضة من طرف جهات معينة؟
التهميش كسابقة خطيرة
إذا نجحت هذه الجهات في إقصاء جامعة معترف بها بقوة القانون، فذلك يعني أن أي اتحاد رياضي قد يصبح عرضة للإغلاق أو التفكيك دون مسوغ قانوني، فقط لأن مسؤوليه لا يرضخون لضغوطات غير رسمية.
فهل نريد رياضة مغربية تُدار بالقانون أم عبر التعليمات؟
الخاتمة: أين نبدأ من أجل رياضة عادلة؟
بمناسبة اليوم الدولي للرياضة، يُفترض أن نحتفي بالروح الرياضية، لا أن نُحصي الضحايا المؤسساتيين. إن ما تتعرض له الجامعة الملكية للجيوجيتسو البرازيلي اليوم ليس فقط قضية رياضية، بل مسألة حوكمة وعدالة اجتماعية.
إن لم تكن الرياضة ملاذًا للكرامة والمساواة، فأين نبحث عنهما إذن؟
وإذا ظل الشطط في استعمال السلطة يُمارس في الخفاء، فمن يضمن أن لا يتحول كل مشروع رياضي جديد إلى ضحية جديدة؟