يُنتج المغرب نحو مليون و300 ألف طن من الأسماك سنويا، مستفيدا من واجهتين بحريتين مطلتين على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
لكن، هل هذا يعني أن السمك متاح للمغاربة وبأثمنة تتماشى مع قدراتهم الشرائية؟ كيف يجري تدبير هذه الثروة السمكية؟ هل تخضع عائداتها للمراقبة؟ وهل يربح المغرب من سماحه لأساطيل تابعة لدول أخرى بالاصطياد في مياهه الإقليمية؟
فقد شهدت أسعار أنواع من الأسماك وفواكه البحر، في المغرب، ارتفاعا كبيرا من أول يوم في شهر رمضان حتى الآن، خصوصا “الصول” و”الكلامار” و”الكروفيت”.
قدم المكتب الوطني للصيد تقرير دوري يؤكد فيه أن المنتجات المسوقة من الصيد الساحلي والتقليدي سجلت، من حيث القيمة، زيادة بنسبة 14٪ ( أكثر من 2,9 مليار درهم) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
وذكر المكتب الوطني للصيد، في تقرير له يتعلق بإحصاءات الصيد الساحلي والتقليدي في المغرب، أن كمية عمليات التفريغ بلغت 193.955 طنا بانخفاض بلغ 21٪ مقارنة بالفصل الأول من عام 2021.
وحسب الأصناف فقد ارتفعت قيمة تفريغ القشريات والأسماك البيضاء على التوالي بنسبة 39٪ و 6٪.
من ناحية أخرى سجلت الطحالب البحرية والمحار وأسماك السطح انخفاضا على التوالي بنسبة 68٪ و22٪ و 19٪.
وبشأن توزيع عمليات التفريغ حسب كل ميناء، فقد تم تفريغ ما مجموعه 5,706 طنا من منتجات الصيد الساحلي والتقليدي في مداخل موانئ البحر الأبيض المتوسط حتى نهاية مارس 2022، بانخفاض 10٪. ومن حيث القيمة، سجلت هذه الموانئ تراجعا بنسبة 7٪ ( 186 مليون درهم ).
أما الموانئ الواقعة على المحيط الأطلسي، فقد انخفضت كميتها بنسبة 22٪ ( 188.249 طنا)، في حين ارتفعت قيمتها بنسبة 16٪ إلى أكثر من 2,7 مليار درهم.
من بين أوجه عدم استفادة المغاربة من ثرواتهم السمكية، حسب الخراطي، هو “اتفاقيات الصيد البحري التي أبرمها المغرب مع الدول الأجنبية”، فهل فعلا تؤثر اتفاقيات الصيد البحري مع دول مثل اليابان وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي على المخزون السمكي للمغاربة؟
“صيد الأسماك بالمغرب يخضع للمنافسة ونظام السوق الحرة، إذ إن الدولة لا يمكنها أن تجبر أصحاب رخص الصيد البحري على إدخال السمك إلى الأسواق المحلية، فالكل حر في طريقة البيع والتوزيع والتصدير”، يقول الكاتب العام لنقابة موظفي الصيد البحري، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، مراد الغزالي.
وتختلف أسعار الأسماك في المغرب من سوق إلى آخر حسب الطلب والجودة، بسبب عدم الاستقرار داخل السوق، كمان أنه ليس هناك إقبال من طرف الزبائن، كما هو الأمر في السنة الماضية، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن، حسب تأكيد عدد من الباعة.
ويوضح الغزالي أن عملية تصدير السمك، خاصة الأبيض، إلى الخارج مربحة أكثر بالنسبة لأصحاب رخص الصيد، مقارنة مع ما يحصل حين توزيعه على السوق المحلية، والسبب هو ارتفاع ثمن هذه النوعية من السمك نظرا لارتفاع جودته.
ووصل لهيب الأسعار إلى أنواع الأسماك التي تقبل عليها الطبقات البسيطة، مثل “الشطون” و”السردين”، الذي يتصدر موائد الإفطار لدى أغلب الأسر المغربية، فيما يصر تجار “سوق العكاري” بالرباط على أن ارتفاع الأسعار نتيجة طبيعية لغياب المراقبة والتنظيم، وانعدام سوق الجملة للسمك في العاصمة، والشيء نفسه أكده تجار الأسواق بالدار البيضاء.
وقد شهد سعر السمك منذ بداية شهر رمضان ارتفاعا صاروخيا تجاوز القدرة الشرائية للأسر المغربية ذات الدخل المحدود، حيث وصل سعر سمك السردين الذي يقبل عليه المستهلكون المغاربة بشكل كبير على سبيل المثال، ويتراوح سعر “السردين” بين 20 و25 درهما (نحو دولارين ودولارين ونصف) للكيلوغرام الواحد، في الوقت الذي لم يكن يتعدى سعره قبل أسابيع 10 دراهم (دولار واحد)، ويبلغ ثمن “الميرلا” 80 درهما، فيما بلغ سعر سمك “القرب” بين 60 و80 درهما للكيلوغرام الواحد، و”الميرنا” بين 80 و120 درهما، وسمك الصول بين 80 و90 درهما، حسب وجودته، فيما تجاوز سعر القمرون والكلامار 120 درهما، وعلى ذلك الإيقاع تمضي جميع الأنواع الأخرى التي شهدت أسعارها ارتفاعا قياسيا يرده التجار، بالإضافة إلى العوامل التي سبق ذكرها، إلى احتفاظ المدن الممونة للسمك، مثل أكادير والحسيمة والعيون، بكمية كبيرة لتغطية الطلب المتزايد.
ويعزو البعض ارتفاع أسعار السمك إلى قانون العرض والطلب، فيما يرى آخرون أن السبب الرئيسي وراء هذه الزيادات يعود إلى “المضاربات في الأسعار من طرف الوسطاء، بين الصيادين والمستهلكين”.
وأفاد بوشعيب شادي، رئيس الكونفدرالية المغربية لتجار السمك بالجملة، في تصريح سابق ، بأن ارتفاع أسعار الأسماك خلال شهر رمضان هو بسبب ندرتها، ووجود بعض الأسماك في راحة بيولوجية مثل سمك الصول.
وعزا شادي، ضعف إقبال الزبائن على اقتناء بعض الأسماك الموجودة في الأسواق إلى ضعف القدرة الشرائية، وندرة المنتوج ثم انتشار ظاهرة تهريب الأسماك بعدد من الموانئ مثل ميناء أغادير والصويرة وآسفي، بالإضافة إلى ارتفاع أثمان الغازوال.
من بين الأسماك التي شهدت ندرة يقول المتحدث إن القمرون الكبير والمتوسط الحجم (الكنبري)، ارتفعت أسعارها نتيجة عملية التهريب، إذ باتت هذه الظاهرة ماك تشكل عائقا أمام المواطن الضعيف، وتلهب الأسعار.
ويرى المهني ذاته، أنه رغم المجهودات التي تبذل من طرف المكتب الوطني للصيد البحري في المراقبة لكن دون جدوى لا تعطي الفعالية اللازمة من أجل محاربة ظاهرة التهريب.
وبالمقابل، يقول الخبير البيئي ومدير موقع المغرب الأزرق، حاميد حليم، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، إنه في بداية شهر رمضان تم تسجيل ارتفاع مهول في أسعار الأسماك، بسبب عدة أسباب من بينها وجود كثرة المضاربين، الذين يعمدون إلى تخزين أسماك لفائدة زبائن خاصة.
ومن بين الأسباب أيضا نقص الأسماك وندرة في إنتاجها من المصايد ليست هناك وفرة بسبب آثار تغير المناخ، بالإضافة إلى ارتفاع ثمن المحروقات، حسب تعبير حليم.
ومن جهة أخرى، أرجع مهنيو قطاع الصيد البحري في حديث سابق هذا الارتفاع إلى شح المادة الأولية وارتفاع أثمنة المحروقات، إضافة إلى تزايد الطلب عن المنتوج خلال الشهر الفضيل.
ويدعو المهنيون الجهات المهنية، إلى التحرك، من خلال إعتماد سياسة تحفيزية عبر إعفاء المنتوجات البحرية من الاقتطاعات التي تطال مشتريات التاجر، والمحددة في 3 في المئة داخل الميناء و7 في المئة في سوق الجملة، لتكون هناك حلول تضامنية بين مختلف المتدخلين والفاعلين.
وذهب المهنيون إلى أن المقاربة التي كانت تعتبر تاجر السمك بالجملة، الفائز الأكبر في رمضان لم تعد صالحة اليوم، ذلك أن تاجر الجملة في السنوات الخمس الأخيرة يعيش كسادا تزايدت حدته بسبب جائحة كوفيد.