قرار البرلمان الأوروبي وحصان طروادة

0
365
عبد الله حتوس

“السياسة هي سباق بين أحصنة طروادة”… من أقوال ستانيسلاف جيرسي.

هالني ترحيب بعض نشطاء حقوق الإنسان المغاربة بالقرار الصادر عن البرلمان الأوروبي يوم 19 يناير الماضي، كما صدمني حماس البعض منهم لما يعتبرونه “إدانة أوروبية للنظام المغربي”، بل وصل الحماس بهم إلى البحث عن التبريرات اللازمة لإقناع المغاربة بأن قرار برلمان أوروبا في صالح البلاد والعباد وأن وراءه خير كثير وحصد وفير ستجني الأمة ثماره عما قريب.

غاب عن هؤلاء الرفاق والإخوة أنهم كانوا إلى زمن قريب ينددون بتوظيف قوى “الغرب الامبريالي” و”الإستكبار العالمي” لملفات حقوق الإنسان وقضايا الديمقراطية لتخريب الأنظمة الخارجة عن طاعتها أو الساعية للتحرر من وصايتها. تناسى هؤلاء أن هذه القوى، وفي مقدمتها الأوروبية، دمرت ومزقت باسم حقوق الإنسان بلدا في قلب أوروبا يسمى يوغوسلافيا، كما أشعلت باسم الديمقراطية نيران حرب مدمرة بأوكرانيا، وَفَعَلتْ ما فَعَلَتْهُ بالعراق وليبيا وسوريا وغيرها من الدول باسم نفس العناوين.

يجب على من يبرر اليوم قرار البرلمان الأوروبي، باسم النضال الديمقراطي وحقوق الإنسان، أن يعرف أنه خلال ربع قرن الماضي لم تهاجم مؤسسات الاتحاد الأوروبي المغرب بهذا الشكل، رغم ان مغرب اليوم متقدم على مغرب الأمس في المجالات ذات الصلة بقرار البرلمان الأوروبي. المغاربة يدركون أن عملا كبيرا ينتظر بلادهم للتقدم على مستوى البناء الديمقراطي وإرساء دعامات دولة الحق والقانون، لكنهم يعرفون أيضا أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تَكْتُبُ قراراتها، ذات الصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية، وَعَيْنُهَا على مؤشرات السوق والتجارة والتوغل في كل مناحي الحياة الأقتصادية والسياسية بالمغرب.

نسي من يبرر ويُسَوِّقُ اليوم قرار البرلمان الأوروبي أن المغرب عَبَرَ وبسلام زمن هزات ” الربيع الديمقراطي” بالحوار التفاعلي بين الدولة والمجتمع، دون تدخل أو وصاية من أحد. حوار تفاعلي تمخض عنه دستور 2011 وجملة القوانين التنظيمية التي نص عليها؛ والمغرب اعتمادا على ذات الحوار التفاعلي يمكنه ان يتجاوز العراقيل وجيوب المقاومة التي حالت دون التنزيل الديمقراطي للكثير من مقتضيات القانون الأسمى للدولة.

قد يختلف المغاربة بشأن شكل ومضمون الرد على قرار البرلمان الأوروبي، لكن لا أعتقد أنهم سيقبلون تبرير قرار أوروبي اتُّخِذ للهجوم على المغرب ومؤسساته؛ قرار أوروبي أَخَلَّ بالعدالة في المعاملة بين المغرب والاتحاد الأوروبي اللذين تجمع بينهما، منذ سنة 1969 ، اتفاقيات للشراكة والتعاون نجحا في تتويجها بالتوقيع، سنة 2008 ، على اتفاقية الوضع المتقدم في أفق الانتقال بالعلاقة بينهما إلى مستوى أكبر من الشراكة وأقل من العضوية.

غاب عن جماعة المبررين أنه ليس في وثيقة الوضع المتقدم ما يخول للبرلمان الأوروبي حق تقييم إنجازات المغرب وإخفاقاته في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فَمَنْطُوقُهَا يؤكد على التعاون والحوار التفاعلي في مواضيع تشمل الاقتصاد والسياسة والحكامة وحقوق الإنسان، كما يُؤكد على أن الوضع المتقدم تتويج لعلاقات تاريخية متميزة ترنو لأن تكون نموذجا للتعاون المتوسطي بين دول الشمال والجنوب.

يدرك المغاربة بحدسهم أن التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي لبلادهم لن يحل ملفات حقوق الإنسان المشار إليها في قرار البرلمان الأوروبي، بل يمكن للإملاءات الأجنبية أن تدفع في اتجاه تعقيدها؛ وحده الحوار التفاعلي الداخلي يمكنه أن يصون كرامة جميع الأطراف المعنية بتلك الملفات و ينتصر للحق في المحاكمة العادلة. واهم، إذن، من يسوّق للمغاربة أن قرار البرلمان الأوروبي وراءه حرص أوروبي على حقوق الإنسان، لأنهم يعرفون أن أسبابه الحقيقية متشعبة وترتبط أوثق الارتباط بالتحولات الجيوستراتيجية في العالم.

هناك على الأقل أربعة أسباب كبرى ساهمت في ما حدث يوم 19 يناير الماضي؛ أولها حرص المغرب على استقلالية موقفه وإصراره على الدفاع عن وحدته الترابية، ثانيها حرص بعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي على إضعاف المغرب لأسباب جيوستراتيجية، ثالثها حالة الترهل التي يوجد عليها الاتحاد الأوروبي وحالة الفوضى داخل مؤسساته، رابعها تشنج الدبولوماسية الفرنسية في الآونة الأخيرة.

إن حرص المغرب على الدفاع عن مصالحه وتأكيد جلالة الملك مؤخرا على أن قضية الصحراء هي النَّظَّارة التي يَنْظُرُ بها المغرب إلى العالم أربكت حسابات بعض القوى الأوروبية، خاصة فرنسا التي زرعت بذور حالة اللاَّحَرْبْ واللاَّسِلْم بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية. فبعض الدول الأوروبية لا تريد مغربا متحررا من الهيمنة والوصاية. وقد سبق لمجموعة التفكير الألمانية الدائعة الصيت SWP أن دَعَتْ دول الإتحاد الأوروبي إلى تحجيم ما سَمَّتْهُ هيمنة المغرب في محيطه الجيوستراتيجي وفرملة توغله في إفريقيا جنوب الصحراء.

في ذات السياق، أكد تقرير حول تراجع تأثير الاتحاد الأروبي، أعده خبراء من مؤسسة روبير شومان البحثية حول أوروبا، أنه يلاحظ في السنوات الأخيرة استفحال أزمة الموقف والخطاب داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بسبب توظيف مؤسسات الاتحاد في الحسابات الضيقة لبعض أقطابه الأساسية وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا. نعم، فرنسا التائهة في متاهات التحولات الجيوستراتيجية العالمية، فرنسا التشنج الديبلوماسي…

هي ذي في اعتقادنا وفي نظر الكثير من المحللين ومن بينهم الأوروبيين بعض الأسباب الحقيقية وراء قرار البرلمان الأوروبي…فرجاء، لا تبرّروا للمغاربة هجوم البرلمان الأوروبي على بلادهم، وأنتم أَعْلَمُ النَّاسِ بأنه لتبرير العدوان والهيمنة تُحَوِّل القوى الكبرى ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية إلى حصان طروادة تخترق به تحصينات الدول المُسْتَهْدَفة في أفق تركيعها واستنزاف مقدراتها.